شلَلُ المستشفيات يُهدِّد صحة مرضى السل وخبير: حذاري من توقيف العلاج

لم يكن مرضى السل مهددين بتراجع حالتهم الصحية وانقطاع توصلهم بالعلاج أكثر من المرحلة التي تعيشها المستشفيات العمومية اليوم بسبب استمرار إضرابات الشغية الصحية التي أخرجت معظم المستشفيات عن الخدمة وسط تحذيرات من مخاطر هذا التوقف على صحة المصابين وانتشار هذا الداء المعدي بين المواطنين.
ورصدت جريدة “مدار21” الإلكترونية “سخط” و”تذمر” عدد من المصابين بداء السل داخل مجموعات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب توقف توصلهم بأدوية هذا المرض الذي لا يمكن الحصول عليها إلا في مستشفيات القطاع العمومي لعدم توفرها بالصيدليات.
وتسببت الإضرابات التي تخوضها الشغيلة الصحية من أجل تنزيل مضامين اتفاقاتها مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في شل المستشفيات العمومية، وهو ما رافقه غياب الأطباء المسؤولين عن متابعة مراحل علاج مرضى السل وتقديم الأدوية للمصابين حسب مستوى الإصابة ومرحلة العلاج.
“أبواب مغلقة في وجهنا”
تورية، مواطنة من مدينة الدار البيضاء ترافق خالتها الطاعنة في السن إلى مستشفى القرب بشكل أسبوعي للحصول على العلاج، قالت إن “أبواب المستشفيات العمومية أُغلقت في وجهنا بسبب الإضراب وغياب الأطباء الذين يتتبعون حالة المرضى ويقدمون العلاجات”، مبرزةً أنه “في معظم الحالات فإن مستشفيات القرب هي المصدر الوحيد لأدوية داء السل”.
تورية، التي كانت تتحدث بنبرة لا تخف تخوفها من تدهور صحة خالتها، أوردت أنها “توجهت بمعية مرضى آخرين إلى المندوبية الجهوية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بمنطقة البرنوصي بمدينة الدار البيضاء دون أن نتوصل بالأدوية التي يتابعها المرضى بداء السل بعد تعذر الحصول عليها في مستشفيات القرب”، مستدركةً أن “جميع الغرف بالمستشفيات مغلفة ولا نجد مع من نتواصل بسبب إضراب الأطباء والممرضين”.
وعن حالة خالتها، أشارت المتحدثة ذاتها إلى أنه “بالنسبة لحالة المريضة من أسرتي فإنها تتوصل بدوائها بشكل أسبوعي”، مسجلةً أنها “مجبرة على الذهاب إلى المستشفى العمومي أسبوعيا لزيارة الطبيب وتقييم مستوى علاجها للحصول على الدواء الكافي والمناسب لحالتها”.
وأردفت المصرحة نفسها أن “صحة المرضى مهددة الآن بسبب الإضرابات التي ستدوم لأسبوعين بسبب توقف تناولهم الأدوية وتعثر متابعة العلاج وزيارة الطبيب لقرابة 15 يوم”، مبرزة أنه “قبل خوض الإضرابات كانت الأمور تسير بشكل طبيعي”.
وواصلت تورية دون أن تُخفِّض من لهجة الارتياب من عواقب غياب أدوية مرض السل “أننا نتخوف من انتقال العدوى إلى أفراد أسر المرضى بحكم أن هذا المرض يشبه جائجة كوفيد-19 أو عودتهم إلى المراحل الأولى من المرض بسبب الانقطاع عن مداومة تناول الأدوية”.
واستغربت المتحدثة ذاتها “تقديم مندوبيات جهوية في بعض مناطق المملكة، حسب ما نتابع في مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمرضى السل، أدوية لبعض المرضى وحرماننا من هذا الحق الذي يصون صحة أسرنا وعائلاتنا ومجتمعنا”.
أدوية “مهمة جداً”
واستحضارا منها لأهمية رأي الخبراء في الشأن الصحي في تقييم مخاطر هذه الأزمة التي سببتها إضرابات الشغيلة الصحية، تواصلت “مدار21” مع الخبير في النظم والسياسات الصحية، الطيب حمضي، الذي أكد أن “أدوية السل لها أهمية كبيرة جدا”، موضحا أن “مرضى السل يتابعون في غالب الحالات 3 إلى 4 أدوية خلال مرحلة العلاج مدمجة في دواء واحد ولمدة طويلة تتراوح ما بين 6 إلى 9 أشهر”.
وأضاف حمضي أن الغاية من هذا البروتكول العلاجي راجع بالأساس إلى “كون جرثومة داء السل تتطلب عددا من الأدوية للقضاء عليها، والانضباط في تناولها لمدة طويلة أيضا مهم جدا في رحلة العلاج”.
“في غياب احترام المريض لمواعيد تناول الأدوية يصبح القضاء على هذا الداء أمرا صعبا جدا”، يبرز حمضي انعكاسات توقف المصابين عن أخد الأدوية بالشكل الكافي، ويواصل مشددا على أن “هذا الأمر قد يُعرِّض المريض إلى مخاطر غير مرغوب فيها”.
وعن المخاطر التي يمكن أن تواجه المريض في حالة انقطاعه عن العلاج قبل الشفاء التام، أورد حمضي أنه “يمكن أن يؤدي إلى عودة المريض إلى المراحل الأولى من المرض أو حتى إلى حالات أكثر خطورة من الحالة الأولى”، محذرا من “خطورة توقف علاج المرضى”.
وسجل الخبير في الشأن الصحي أن إيقاف تناول أدوية هذا الداء “يمكن أن يؤدي إلى إعادة إحياء جراثيم داء السل خاصة الذي يصيب الرئة”، مسجلا أن هذا الانقطاع “يُكسِب الداء مناعة قوية ضد المضادات الحيوية التي تقاوم مرض السل”.
ولم يُبعد حمضي في حديثه عن انعكاسات إيقاف تناول الأدوية الخاصة بداء السل “خطر نقل العدوى إلى محيط المريض وأقاربه”، موضحا في هذا الصدد أن “الداء الذي يحمله المُعدى بداء السل يكون في نفس المرحلة التي يصاب بها المريض الأصلي”.
وحذر الخبير في النظم والسياسات الصحية من عواقب هذا التوقف عن إمداد المرضى بداء السل بالأدوية اللازمة بالإشارة إلى “إمكانية تفشي هذا الداء المعدي داخل المجتمع وهذا أمر خطير جدا”، مبرزا أن “الأخطر من ذلك هو انتشار داء السل المقاوم للأدوية”.