تقرير يرصد فوضى استغلال الماء وضعف المراقبة وتحصيل الاتاوات

جرد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأيه حول “آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (الموارد المائية والمقالع)، عددا من الإكراهات المسببة لاستنزاف الموارد المائية، والمتعلقة بضعف آليات منح التراخيص وضعف مراقبة الاستغلال في مجال المياه.
ورصد المجلس، ضمن رأيه الذي اطلعت عليه جريدة “مدار21″، فوضى الاستغلال خارج القانون، عبر حفر الآبار والأثقاب المائية غير المرخصة، مسجلا بطء منح التراخيص، وعددا من ملامح ضعف أدوار وكالات الأحواض المائية ومحدودية شرطة المياه، بسبب كثرة المتدخلين ونقص الموارد.
استغلال الماء خارج القانون
من بين الإكراهات التي رصدها المجلس “وجود عدد كبير من المستخدمين الذين يجلبون المياه خارج نظام التراخيص، بالإضافة إلى محدودية عدد التراخيص الممنوحة لنشاط صب المياه العادمة، مؤكدا أن عدد المستخدمين الذين يجلبون المياه دون الحصول على التراخيص يفوق 102.264 شخص “إما بسبب عدم تقديمهم لطلبات الترخيص أو لعدم قبول طلباتهم”، مقابل 52.557 شخص مرخص له بذلك. “وهو رقم يعتبر جد مرتفع”.
وأشار إلى أن عملية الجرد الشاملة لنقاط المياه المهجورة التي تفتقر لتدابير السلامة الضرورية “كشفت عن وجود 292 ألف و89 نقطة مياه، تتوفر فقط 646 30 منها على تراخيص رسمية، مما يؤثر سلبا على أمن الموارد المائية بالبلاد وعلى حق المواطنين في الاستفادة من المياه.
وتشير التقديرات المنجزة سنة 2023، حسب الرأي، إلى زيادة في نسبة الآبار والأثقاب غير المرخصة لتصل إلى 80%، مفيدا أن الإحصائيات الصادرة سنة 2021 تشير إلى 409 مخالفة في مجال الحفر غير القانوني للآبار والأثقاب، بالإضافة إلى 117 حالة متعلقة بجلب المياه السطحية، ومن مجموع هذه المخالفات، تم البت قضائيا في 21 حالة، وتم التوصل إلى تسوية 9 حالات بشكل ودي فيما تزال البقية معروضة على أنظار القضاء.
بطء منح التراخيص
ولفت مجلس الشامي إلى تعقيد وبطء إجراءات منح التراخيص أو الامتيازات، مشيرا إلى أن ذلك “يعزى أساسا إلى صعوبة التنسيق بين أعضاء اللجنة الخاصة المكلفة بإجراء البحث العلني، بالإضافة إلى العدد الكبير للشكاوى والتعرضات المقدمة في ظل هذه العوامل، لافتا إلى أن المدة المتوسطة للحصول على ترخيص لاستغلال الملك العمومي المائي تصل في بعض الحالات إلى أكثر من ثلاثة أشهر.
وأضاف أن هذا الوضع ينطبق أيضاً على عقد الامتياز، حيث تتجاوز المدد الزمنية للحصول عليها في العديد من الحالات سنة واحدة، وهو ما من شأنه أن يدفع ببعض مستخدمي الملك العمومي المائي إلى اتخاذ طرق غير مشروعة في استغلال هذه الموارد بدلاً من من تسوية وضعيتهم بشكل قانوني.
وأشار المجلس إلى أن منح التراخيص لاستغلال المدارات السقوية الكبرى، غالبا ما يتم دون تنسيق بين المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي مع وكالات الأحواض المائية، مشددا أن هذا التعدد في الأطراف المتدخلة يفرز “نظاما مجزأ لا يشجع على الاستغلال الناجع للموارد المائية المتاحة في المناطق المعنية، كما يؤدي غياب التنسيق المحكم بين المتدخلين في تفعيل آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال إلى تشتيت المسؤوليات وإضعاف فعالية هذه الآليات”.
ضعف الوكالات وشرطة الماء
وسجل تقرير المجلس نقصا في الموارد البشرية والمادية الموضوعة رهن إشارة وكالات الأحواض المائية، مما يؤثر على قدرتها على القيام بدورها، لافتا إلى أن تعدد المهام المنوطة بوكالات الأحواض المائية “من شأنه إضعاف فعاليتها وأدائها في تدبير الملك العمومي المائي”.
وأبرز المجلس وجود “وسائل لوجستيكية وتقنية محدودة في مجال مراقبة استغلال المياه”، لافتا إلى أن المغرب يتوفر حاليا على عدد محدود من أعوان شرطة المياه، إضافة إلى أنهم يتولون أيضا وظائف إدارية أخرى، ما ينعكس على الفعالية المحدودة لتدخلات الجهاز والتي تتجلى في العدد المحدود للمحاضر والمخالفات التي يتم توجيهها إلى المحاكم، وعدم استيفائها للمتطلبات القانونية المعمول بها، فضلا عن المتابعة غير الكافية لهذه الملفات بعد إحالتها على الجهات القضائية المختصة.
غياب التنسيق
وأشار المجلس إلى التداخل في الصلاحيات والمسؤوليات مع الأطراف الأخرى المعنية بالمراقبة بسبب التنسيق المحدود بين عناصر شرطة المياه والإدارات وأجهزة الشرطة الأخرى، بما في ذلك شرطة البيئة والمقالع والسلطات المحلية، وعناصر الشرطة القضائية والجماعات الترابية، بالإضافة إلى النقص المسجل في تقاسم المعلومات وتضافر الجهود في التوعية والتحسيس والتعبئة بكيفية مستمرة وفعالة.
وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المآل القضائي لمحاضر المخالفات التي يحررها أعوان شرطة المقالع بإحالة من وكالات الأحواض المائية، “يتسم غالبا بالبطء، ويُعزى ذلك بشكل خاص إلى نقص في الأطر والكفاءات القضائية المؤهلة للنظر في مثل هذه القضايا، بما في ذلك المنتسبون إلى المهن القضائية كالمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء القضائيين”.
بالإضافة إلى ما سبق أردف المجلس وجود “نقص في الاستعانة بالوسائل الحديثة للمراقبة الكفيلة برصد وكشف الممارسات المرتبطة باستغلال المياه، خاصة في ما يتعلق بالحفر غير القانوني للآبار والأثقاب أو الجلب المفرط أو غير المشروع للمياه”.
ضعف تحصيل الاتاوات
ورصد مجلس الشامي “ضعف في تحصيل الاتاوات المتعلقة باستغلال موارد المياه، مع تراكم كبير للمبالغ المستحقة”، مؤكدا أن الاتاوات السنوية المحصلة من قبل وكالات الأحواض المائية خلال الفترة 2017-2012 تتراوح بين 187.86 و 186.62 مليون درهم بالنسبة لكافة الفئات، معتبرا أن هذه المبالغ المستردة “غير كافية بالمرة مقارنة بالاستخدامات المتعددة للملك العمومي المائي”.
وتشكل إتاوة استخراج مواد البناء المصدر الرئيسي لهذه المداخيل (40%)، تليها إتاوة جلب المياه بهدف تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب (22)، ثم إتاوة جلب مياه السقي (19)، وإتاوة جلب المياه الإنتاج الطاقة الكهرومائية (9) بينما تمثل إتاوة صب المياه العادمة نسبة لا تتجاوز 1%، حسب المجلس.
هذا ولفت إلى ضعف الكميات المصرح بها لصب المياه العادمة في الأملاك العمومية المائية والاتاوات المترتبة عليها، مؤكدا “لم يتجاوز المبلغ الإجمالي المحصل من هذه الاتاوات 10.17 مليون درهم خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2017، حيث بلغت قيمة الاتاوات المتعلقة بصب المياه العادمة المنزلية 6.62 مليون درهم (أي 65%)”.