فن

سداتي: الجمهور يخلط بين الشخصيات الحقيقية والدرامية

سداتي: الجمهور يخلط بين الشخصيات الحقيقية والدرامية

أفصح الباحث في الصورة مجيد سداتي، بأن الجمهور عادة ما يخلط بين الشخص ككينونة مستقلة بذاتها وحقيقية وموجودة في الواقع، وله شخصيته، سواء كانت قوية أو ضعيفة، وبين الشخصية الدرامية التي هي من صنع خيال الكاتب، مما يخلق نقاشا وجدلا بين الفينة والأخرى.

ويرجع الباحث في الصورة هذا الخلط إلى تماهى وتعاطف وتأثر الجمهور بالشخصية الدرامية وعوالمها إلى درجة نسيان الواقع النصي”الفيلمي” والاعتقاد بأنها شخصية حقيقية، موجودة لحما ودما في الواقع.

ويرى سداتي أن “الرغبة في هذا التماهي نابعة أساسا من قوة الشخصية، وصدقها وقدرتها على التأثير”، مشيرا إلى أن تاريخ الأدب يشهد على عدة نماذج، “فكثير من قراء (أنتيغون، مدام بوفاري، غودو، هاملت، أوديب وغيرهم) اعتقدوا أن هذه الشخصيات حقيقة وموجودة في الواقع، ولعل هذا الغموض وضبابية الحدود بين الشخصيات الواقعية والخيالية هو ما يسمو بالعمل الإبداعي ويجعله خالدة”، وفق تصريحه.

ويضيف سداتي: “حين سئل فلوبير أثناء محاكمته: هل مدام بوفاري موجودة فعلا؟ أجاب: لا يوجد شيء حقيقي في مدام بوفاري، إنها قصة مخترعة بالكامل، لم أضع فيها شيئا من مشاعري أو وجودي، ولم أضع أي نموذج أمامي. مضيفا: “لا ينبغي أن تكون الحقيقة المادية أكثر من نقطة انطلاق إلى أشياء أسمى” “أن تكون حقيقية، لا يبدو لي أنها الشرط الأساسي للفن”.

وتابع في السياق ذاته: “لقد أحدثت رواية “مدام بوفاري” في زمانها صدمة للقراء في العالم، إذ اتُهمت بالإساءة إلى الأخلاق، ولكن لا أحد كان يراهن على أنها ستصبح من أعظم الأعمال الأدبية الخالدة، طبعا هذا المستوى من التبصر والرؤية والإبداع لفلوبير لا ينطق البتة على النقاشات العقيمة التي تدور حول “المنتوج الفني المغربي” بمناسبة كل شهر رمضان، بل حتى المقارنة بين هذين المستويين من النقاش، ولو من باب المزحة، هو ضرب من الجنون”.

وبشأن النقاش الدائر حول سلسلة ولاد يزة، وما اعتبره أساتذة إساءة لمهنتهم، عدّ الباحث في الصورة مجيد سداتي أن الخلط بين الشخص والشخصية، أو بين الممثل والشخصية التي يتقمصها، وبين الفرد كسلوك وبين المهنة كممارسة (التعليم، الطب، المحاماة،…) هو ضرب من السذاجة.

واسترسل قائلا: “المهنة شيء، والممارسة والسلوك شيء آخر، فالتعليم والطب والمحاماة مهن شريفة ونبيلة وسامية، اختارها أصحابها عن قناعة وعن حب وشغف، وكونوا من خلالها أجيالا، وأنقذوا أرواحا، ودافعوا عن حقوق المستضعفين”، مضيفا: “لكن، ليس كل من يمارس هذه المهن فهو شريف ونزيه وكفء، فكم من هؤلاء مارسوا النصب والاحتيال والتحرش والابتزاز والاغتصاب وغيرها من السلوكات الشاذة. لذلك يجب التمييز بين هذه الممارسات الدنيئة كسلوك فردي وبين المهنة كقيمة اجتماعية”.

واستغرب سداتي التركيز على هذه الفئات بالذات دون غيرها، مبرزا: “لم نسمع يوما ما أن محاميا أو نقابة رفعت دعوى ضد شركة إنتاج أو قناة تلفزية بدعوى إساءتها لأصحاب بعض المهن (جامع النفايات، بائع خضر، بقال، وكل الحرفيين عموما). هل هؤلاء ليسوا بشرا لهم كرامتهم مثلهم مثل الأساتذة والمحامين والأطباء، ويحق الدفاع عنهم أيضا؟ لماذا يريد البعض أن يرى في مرآته الجانب المشرق منه فقط، في حين يثور حين يرى ما يرغب في رؤيته (أتحدث هنا عن الأعمال الرائدة التي تكشف كينونة وعمق الإنسان، وليس عن الأعمال التافهة التي لا تضيف شيئا كما هو الحال في سلسلة ولاد يزة. ولكن ما أثارني هو هذا البايان الذي لا يميز بين الشخص والشخصية الدرامية)”.

وقال إنه “من المفارقات العجيبة أن هاتين الشخصيتين (الأستاذ والمحامي) اللتين أثيرت حولهما ضجة كبيرة تلتقيان في أعظم مسلسل تلفزيوني في التاريخ “Breaking Bad”، التي تتمحور أحداثه حول والتر وايت، أستاذ مادة كيمياء ورب أسرة، والذي بعد تشخيص إصابته بسرطان الرئة المميت، يلجأ رفقة أحد طلبته إلى صنع المخدرات وبيعها وإلى الجريمة لتأمين مستقبل عائلته المالي. وتشاء الصدف أن يكون المحامي سول كودمان المعروف بتاريخه الأسود في الاحتيال والدفاع عن أكبر المجرمين ومروجي المخدرات في نيو ميكسيكو، هو أحد شركاء الأستاذ والتر وايت”.

وتابع في السياق ذاته: “بريكن باد هو ببساطة تحفة فنية، سواء من حيث الإخراج أو السيناريو أو الأداء. إخراج يضاهي أعظم ما أنتج ليس فقط في التلفزيون ولكن أيضا في السينما (كل حلقة هي فيلم سينمائي قائم بذاته). سيناريو محبوك بدقة لا يغفل أية جزئية، وشخصيات بسيطة وعميقة للغاية يؤديها ممثلون بشكل مذهل. هذا دون الحديث عن المونتاج والشريط الصوتي. عمل فني متكامل امتع المشاهدين في العالم كله، ولم نسمع أبدا أن هيئة أو نقابة رفعت دعوة ضده دعوة قضائية باعتباره يسيء للتعليم والمحاماة”.

وذكر سداتي بواقعة مشابهة تتعلق برفع محام في سنة 2021، دعوى قضائية ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، مطالبا فيها بإيقاف السلسلة الفكاهية “نص نص”، بدعوى إساءتها لمهنة المحاماة، مشيرا إلى أنه كان ينبغي على هذه الهيئات مساءلة الجهات المسؤولة عن السمعي البصري بشأن الكم الهائل من الأعمال الرمضانية الرديئة التي تنتج من أموال دافعي الضرائب، عوض أن تحاسبها عى شخصيات تخليلية.

وعدّ أن محاكمة سلسلة لبدافع أن شخصية خيالية تقمصها ممثل ما تسيء إلى مهنة ما، عبثا، مشددا على أن العمل يحاكم فنيا وجماليا وليس قضائيا، لأن المواضيع والشخصيات التي يتناولها العمل تكون قابلة للنقاش في إطار النقد ليس إلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News