فن

صورة “المعلم” تقص شريط جدل الرقابة على الأعمال الرمضانية مبكرا

صورة “المعلم” تقص شريط جدل الرقابة على الأعمال الرمضانية مبكرا

مرة أخرى، تتجدد دعوات الرقابة على الأعمال الرمضانية، بدخول الأساتذة حلبة هذا النقاش خلال الموسم الحالي، من خلال احتجاجهم على ما ورد في الحلقة الأولى من سلسلة “ولاد يزة” للمخرج إبراهيم الشكيري، عادّين أنها تسيء إلى رجل التعليم وتشكل إهانة له.

وأصر الأساتذة على أن الحلقة الأولى من السلسلة التي تُعرض على شاشة القناة الأولى، تُقدم رجل التعليم في صورة “الأبله”، وتتعمد تحقيره وإهانته والحط من مكانته، بينما يرفض أصحابها ونقاد إخضاع الأعمال الفنية للرقابة المشددة من قبل جهات ليس منوطا بها هذا الدور، سيما أن القنوات التي تمتلك حقوق البث تمارس رقابة قبلية عليها، إلى جانب الهاكا التي تراقب المحتويات المنشورة على الشاشات.

السحيمي: “ولاد يزة” تكرس صورة سيئة عن رجل التعليم 

انتقد عبد الوهاب السحيمي، عضو تنسيقية الأساتذة حاملي الشهادات، وعضو التنسيق الوطني لقطاع التعليم، في تصريح لجريدة “مدار21″، ما ورد في الحلقة الأولى من سلسلة “ولاد يزة” عادّا أنها تكرس لصورة سيئة عن رجل التعليم وتضعه في قالب “الأبله”، في ظل ما يتعرض له من هجوم من قبل سياسيين.

وأضاف السحيمي أنه كان من المفروض أن تعالج هذه السلسلة مشاكل رجال ونساء التعليم، وحتى عيوبهم، على اعتبار أن كل المهن تتخللها المشاكل، بدل التسويق المبتذل لرجل التعليم وإظهاره في صورة “غبية”، مردفا: “فإذا كان الأستاذ بهذه الشخصية، فعلينا هنا مساءلة وزارة التربية والتعليم، لأن هذا الأستاذ يجتاز مباريات ويخضع لتكوين”.

وواصل حديثه قائلا: “لم أر أي إبداع أو مجهود في هذا العمل، الذي لم يتناول عيوب منظومة التعليم، من قبيل عدم قيام البعض بواجبهم المهني، أو تطرق إلى مسألة الموظفين الأشباح على سبيل المثال”، مشيرا إلى أنه “لو عرض هذا العمل في السينما أو قنوات خاصة كنا سنعذرهم باعتباره موجها لشريحة معينة، لكن هذا عمل أنجز لصالح التلفزة المغربية التي تقتحم البيوت المغربية دون استئذان، وتمول من جيوب دافعي الضرائب”.

وشدد عضو التنسيق الوطني لقطاع التعليم على أنهم لا يطالبون بعدم تناول شخصية رجل تعليم في الأعمال التلفزية، لكن يجب تناولها بمعالجة النواقص والعيوب والاختلالات دون الإساءة إلى صورته والتقليل من قيمته، مستحضرا فيلم “المعلمة” الذي تناول معاناة أستاذة تحل لأول مرة في العالم القروي للتدريس، عارضا المشاكل والمخاطر التي قد تتعرض إليها.

ودعا السحيمي إلى “السمو بالذوق العام، باعتبار الفن يحمل رسالة”، مشيرا إلى أنه “لم تعد للأستاذ قيمة في المجتمع، ولو أن مهنة التعليم تقوم بالأساس على الرمزية والمكانة، لأن الأستاذ إذا فقد قيمته فلن يُحترم من قبل التلميذ، وبتهديم قيمته تهدم المدرسة المغربية، لذلك أصبح ضروريا حفظ المكانة الاعتبارية لرجل التعليم”.

سداتي: العمل يحاكم فنيا لا قضائيا

قال الباحث في الصورة، مجيد سداتي إنها ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، بل سبق لمحام بهيئة المحامين بالرباط في سنة 2021، أن رفع دعوى قضائية لدى المحكمة الابتدائية بالرباط، ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، مطالبا فيها بإيقاف السلسلة الفكاهية “نص نص”، بدعوى إساءتها لمهنة المحاماة.

وفسر سداتي لجوء بعض الهيئات إلى الاحتجاج تارة، وإلى القضاء تارة أخرى، بـ”تمادي القنوات التلفزية في سياستها التي لا تحترم ذوق الجمهور، ولا تدخله حتى في حساباتها اللهم إلا من باب ‘تضبيعه’ كما كان يقول أستاذ علم الاجتماع محمد جسوس، أو على الأقل، التعويل عليه لرفع نسب المشاهدة”، مشيرا إلى أن النقد يعد مطلوبا وضروريا في هذه الحالات، ولكن أن يتخذ منحى خاطئا فهذا هو الخطأ بعينه.

وأفصح الباحث بأنه كان يود أن تسائل هذه الهيئات الجهات المسؤولة عن السمعي البصري بشأن جدوى هذا الكم الهائل من الأعمال الرمضانية التي تنتج من أموال دافعي الضرائب ومنحه لشركات تنفيذ الإنتاج ومن يسير في فلكها، مردفا: “كنا سنتفهم لو أن هذه الهيئات طالبت الهاكا بإيقاف بث هذه الأعمال فقط لأنها رديئة ولا تحترم حساسية وذكاء المتفرج وتخيب انتظاراته في كل سنة، لا أن تحاسبها عل شخصيات تخليلية، وأن تسائلها لماذا تنظر إلينا هذه القنوات ككائنات رمضان وليس كمتفرجين لهم مطالب وحقوق، ولهم مشاعر وإحساس، وكان على هذه الهيئات أيضا أن تحاسب هذه القنوات على مصير مداخيل الإشهار التي يفترض أن تنتج بها هذه القنوات أعمالا فنية في المستوي عوض إنتاجها من المال العام”.

وأضاف: “أما أن نحاكم فيلما أو سلسلة فقط لأن الشخصية الخيالية التي تقمصها ممثل ما تسيء إلى مهنة ما، فهذا هو العبث بعينه، إذ يجب أن نضع الأمور في إطارها وسياقها ومسارها الصحيح، ويجب أن نحاكم العمل فنيا وجماليا وليس قضائيا”.

وتابع: “المعالجة الرصينة والمتعة الفنية والجمالية من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في كل عمل إبداعي يحترم نفسه، أما المواضيع والشخصيات التي يتناولها العمل فهي دائما قابلة للنقاش في إطار النقد ليس إلا، وبالمناسبة، فقد أتى هذا البيان الحالي والدعوى القضائية السابقة بنتائج عكسية وساهما دون وعي منها في تقديم خدمة كبيرة لهذه القنوات، عادّا إياه إشهارا مجانيا لهذه السلسلات التي وصفها بـ”التافهة” ورفع نسب مشاهدتها، وهذا ما يسمى في القاموس الشعبي بـ”زيد الشحمة فظهر المعلوف”، حسب تعبيره.

الطالب: ضجة تخدم العمل

قال الناقد التلفزيوني مصطفى الطالب، في تصريح لجريدة “مدار21″، إنه “من المؤسف أن يُطل علينا في كل شهر رمضان عمل درامي بمشكل يلعب على حبل فئة من المجتمع المغربي كالمحامين والأساتذة والشيخات، لأن الانطباع الذي يولد لدى الجمهور هو أن ذلك العمل ذو المستوى الفني البسيط كي يحقق شهرة أو نسبة مشاهدة كبيرة، أو لنقل لكي يغطي على ضعفه الفني يتعمد الإساءة والجرأة والتهكم، وإن كنا لا ندخل في نوايا القائمين على العمل الذين عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه الأمور دون أن يشعروا بقيد أو رقابة”.

وأشار إلى أن “هذا ما وقع مع سلسلة “ولاد يزة” التي تصادف إضرابات رجال التعليم الأخيرة وهو ما دفع بعض النقابات إلى مراسلة الهاكا، التي رأت في الأمر استفزازا وتهكما على رجل التعليم، وإن كانت هذه ليست المرة الأولى”، مبرزا أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى مقاطعة الأعمال الدرامية والرمضانية التي لوح بها رواد الفضاء الأزرق والعديد من المشاهدين”.

وعن تجدد دعوات فرض الرقابة على هذه الأعمال، أوضح الطالب أن دفتر التحملات الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والخاص بالإنتاجات الوطنية وكذلك قانون الاتصال السمعي البصري يحدد معايير يجب الامتثال إليها، ففي المادة 3 لقانون الاتصال السمعي البصري جاء ما يلي: “تمارس هذه الحرية في احترام كرامة الإنسان وحرية الغير وملكيته والتنوع والطابع التعددي للتعبير في جميع أشكاله من تيارات الفكر والرأي وكذا احترام القيم الدينية والحفاظ على النظام العام والأخلاق الحميدة ومتطلبات الدفاع الوطني. كما تمارس هذه الحرية في إطار احترام متطلبات المرفق العام”.

ووواصل حديثه قائلا: “وعليه الكل يعرف حدوده دون فرض قيد أو رقابة خاصة مع عمل درامي تخييلي الذي قد يتضمن عدة رسائل يلتقطها المشاهد بسرعة”، عادّا أن “مثل هذه الضجة تخدم فقط العمل الذي يسقط في التفاهة والتكرار والسطحية ولا يقدم أي قيمة فنية للمشهد الدرامي المغربي، في حين أن هناك مسلسلات ضربت في قيم المغاربة وهويتهم الثقافية ولم ينتفض المجتمع المدني ضدها”.

واكريم: الأعمال الفنية لا تحتمل الرقابة 

رفض الناقد عبد الكريم واكريم ممارسة الرقابة على الأعمال الفنية، بغض النظر عن مستواها، وطالب بمحاكمتها من الناحية الفنية وليس بمعايير أخرى، مبرزا أنه “حينما تحتج جهة ما على عمل فهي بذلك تعكس جهلها بالعمل الفني، لكون الشخصيات التي تُجسد في الشاشة هي شخصيات من وحي الخيال ولا تمثل بالضرورة كل ممتهني مهنة معينة”.

وعدّ واكريم في تصريح لجريدة “مدار21” أنه من الطبيعي أن تتناول الأعمال الفنية والأدبية شخصيات لها علاقة بمهن مختلفة، وتنقل شخصيات غير سوية، لأن العمل الفني لا يرتكز على شخصية خالية من الأخطاء، باعتبار أن أغلب الأعمال الفنية تقدم شخصيات معقدة.

وأشار واكريم إلى أن هذا النقاش بشأن الإساءة إلى المهن، يتجدد من موسم إلى آخر، إذ بعدما احتج قبل سنتين أهل المحاماة، وطالبوا بوقف مسلسل، فتحت نقابة للأساتذة هذا الموسم باب المطالبة بالرقابة على عمل جديد.

ولفت الناقد ذاته إلى أن العمل التلفزيوني في المغرب، سواء أكان كوميديا أو غير كوميدي تمارس عليه رقابة قبلية من قبل اللجان التي تقدم إليها طلبات العروض، ثم رقابة من قبل القنوات المالكة لحقوق البث، مشددا على أن “المادة التي نشاهدها، لا تعد أعمالا جريئة، ولا تتناول مواضيع حقيقية عن المجتمع، فلما ستمارس رقابة فوق رقابة”.

وواصل حديثه قائلا: “بصفتي مهتما بالميدان، فأنا ضد أي رقابة كيفما كانت، لأن العمل الفني بالأساس لا يحتمل الرقابة، وإذا ما احتج كل قطاع على شخصية تنتمي إليه في عمل فني وأدبي، فستمنع بذلك كل الأعمال من البث، ونتوقف عن صنع الدراما التلفزيونية أو السينمائية أو كتابة أعمال أدبية حتى لا ينزعج العاملين في جميع الميادين”.

مخرج “ولاد يزة” يستغرب احتجاج الأساتذة 

استغرب مخرج السلسلة، إبراهيم الشكيري، في تصريح لجريدة “مدار21″، الحكم على عمل كامل من حلقة واحدة، وإدعاء إساءتها إلى مهنة التعليم وإهانة المعلم، مؤكدا أنها لم تتناول أي شيء يتعلق بالأستاذ، ولم ترد أي حوارات عنه سوى عبارة يزة التي تقول “ولدي معلم”.

وأضاف الشكيري أنه “ينتظر رد الهاكا التي وجهت إليها المراسلة”، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة تقديم هذه الجهات للحجج والإدلاء بالنص والحوار، اللذين اعتبرهما إهانة وإساءة.

وعن اعتبار النقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والتنسيق الوطني لقطاع التعليم، أن الممثل فتاح الغرباوي قدم صورة مهينة ومسيئة وتحقيرية عن الأستاذ، رد مخرج السلسلة إبراهيم الشكيري ساخرا: “كنا سنتعاقد مع براد بيت لأداء الشخصية، ولكنه رفض الالتحاق بالعمل في رمضان، هل وجه الممثل إهانة للأستاذ باعتباره غير جميل؟”.

وواصل حديثه قائلا: “حقيقة لم أفهم وجهة النظر هذه ولم أستوعبها، وأنتظر رد الهاكا على هؤلاء الأشخاص، لذلك لا أريد التحدث أكثر في الموضوع قبل خروجها برد”.

وتأسف الشكيري عن الرقابة التي يمارسها البعض على الفن، في الوقت الذي توجد فيه الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، المكلفة بهذه المهمة.

وتابع الشكيري: “الآن كل شخص يستفيق في الصباح ويبدي عدم رغبته في بث عمل ما بسبب شخصية أو موضوع”، مشددا أنه “لا يمكن فرض الرقابة على شخصيات العمل والأماكن، والفئات المتناولة، فبهذه الطريقة لا يمكننا أن نصنع أي عمل لصالح التلفزيون”.

وشدد الشكيري على أن “الإبداع والفن لا يجب إخضاعهما للرقابة المشددة من هذا النوع، ففي المغرب هناك أشياء مقدسة لا نمسها، تراقبها اللجان في القنوات قبل الاشتغال على الأعمال”.

دعوات للرقابة 

ويذكر أن النقابة الوطنية للتعليم، التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، احتجت على سلسلة “ولاد يزة” وطالبت بتدخل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري وتقديم القناة الأولى لاعتذار، بشأن ما عتبرته “استهدافا متواصلا للقنوات الإعلامية العمومية الرسمية لمهنة التدريس، بتقديمها لإنتاجات تسيء لصورة نساء ورجال التعليم وتتعمد تحقيرهم وإهانتهم والحط من مكانتهم بشكل ممنهج ومقصود”، وفق نص البلاغ.

وعدت النقابة أن تم تقديم “المعلم-الأستاذ” في صورة سيئة تكرس الصورة النمطية التي تحاول جعله موضوع فكاهة فجة عوض تقديمه كقدوة ونموذج يحتذى به، مشيرة إلى أنه “ما ورد في الحلقة الأولى من هذه السلسلة لا يليق ومكانة المدرس في المجتمع، ويشكل استهدافا للمدرسة العمومية، ويبخس المجهودات الجبارة والتضحيات الجسيمة التي تقدمها الشغيلة التعليمية للنهوض بمنظومة التربية والتكوين.

وبدوره عبّر التنسيق الوطني للتعليم عن احتجاجه على ما عدّه “صورة مهينة ومسيئة وتحقيرية للأستاذ من سلسلة (أولاد يزة) الذي خلق استياء كبيرا وواسعا لدى كافة نساء ورجال التعليم، معتبرا ذلك مواصلة “في استهداف نساء ورجال التعليم عبر قمعهم وتعنيفهم وتوقيفهم وقذفهم بشتى النعوت ومحاولة النيل من سمعتهم ومن مهنتهم الشريفة”.

وأبدى التنسيق الوطني لقطاع التعليم احتجاجه الشديد على إقدام القناة الأولى على بث مسلسل (أولاد يزة) الذي يسيئل صورة الأستاذ الحقيقية “عبر إهانته واحتقاره”، مؤكدا أن هذه التمثلات التي يقدمها المسلسل عن الأستاذ :لا تعبر عن مكانته الحقيقية وأدواره التربوية”.

واعتبر التنسيق أن هذه الصورة المهينة للأستاذ “صورة نمطية ومستهلكة سلبا ومناقضة للواقع الذي يقدم فيه الأستاذ تضحيات لا تحصى للمساهمة في تربية بنات وأبناء الوطن”، مطالبا القناة الأولى “بتقديم اعتذار رسمي لنساء ورجال التعليم وتوقيف هذا المسلسل فورا”.

ودعا التنسيق الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى “التدخل الفوري من أجل وقف هذا المسلسل واتخاذ الإجراءات في حق القناة الأولى والمسؤولين عن هذا المسلسل”، داعيا نساء ورجال التعليم بكل فئاتهم إلى التصدي لكل المحاولات التي تستهدفهم وتحط من سمعتهم وكرامتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News