سياسة

“تمتْرس الأغلبية” يُضعف حظوظ المعارضة لتحريك ملتمس إسقاط الحكومة

“تمتْرس الأغلبية” يُضعف حظوظ المعارضة لتحريك ملتمس إسقاط الحكومة

يُواجه ملتمس الرقابة الذي اقترحه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تعثرا رغم استعداد الأخير بمعية حليفه الجديد التقدم والاشتراكية لطرحه خلال الدورة الربيعية البرلمانية المقبلة، حيث لا تبدو طريق المتلمس سالكة بفعل حالة “الانقسام والتشتت” التي تطبع العلاقة بين قوى المعارضة من جهة، وتمترس الحكومة المسنودة بأغلبيتها العددية داخل البرلمان من جهة أخرى.

وفيما تُواجه المعارضة تحدي الحصول على النصاب القانوني لتحريك ملتمس الرقابة، الذي لا يُقبل إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، يظهر أن حظوظ تقديم هذه المبادرة البرلمانية ضئيلة بفعل غياب الشروط الموضوعية التي يمكن أن تكون مبررا لطرح المتلمس، قياسا على التجارب البرلمانية التي شهدتها الممارسة السياسية المغربية، والتي ارتبطت عادة بوجود احتقان شديد داخل الأغلبية الحكومية.

وأكد أمين عام لحزب في صفوف المعارضة لـ”مدار21″، أن تقديم ملتمس الرقابة في مبادرة ترمي إلى الإطاحة بحكومة أخنوش التي تدخل السنة ما قبل الأخيرة من عمرها، تبدو خطوة عديمة الجدوى والآثر، ليس فقط من باب احتمال الفشل في حشد النصاب القانوني لنجاح الملتمس، ولكن لأن شروط تقديمه غير متوفرة لحد الساعة وبالتالي سيبدو الأمر كما لو أنه مجرد طلق عشوائي لرصاص الرقابة البرلمانية.

وحول احتمال نجاح قوى المعارضة في حشد المساندة لتقديم ملتمس إسقاط الحكومة، شدد المصدر غير الراغب في كشف هويته، على أن ملتمس الرقابة له شروط موضوعية وليس مجرد “فرقعة إعلامية أو مزايدات”، موضحا أن الأمر يتعلق بآلية رقابية منحها الدستور لممثلي الأمة لكن اللجوء إلى إليها يظل مرهونا بمدى توفر دواعي تحريكها بعيدا عن دغدغة العواطف وتوظيف الحسابات السياسية الضيقة لقضاء أغراض “انتهازية”، على حدّ تعبيره.

أحمد بوز، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد أن مبادرة من هذا النوع ترتبط عادة بخلاف عميق بين الأغلبية والمعارضة وأحيانا حتى داخل الأغلبية عندما ينفرط عقدها وتكون مهددة بالانفجار، مضيفا “لذلك التساؤل المطروح ما هو هذا الخلاف الموجود الآن سواء داخل الأغلبية أو المعارضة، والذي يسعف لتحريك ملتمس الرقابة؟”.

ولفت بوز في حديثه لـ”مدار21″ إلى أن طيفا من المعارضة كان إلى وقت قريب جدا “يخطب ود الحكومة من أجل الالتحاق بسفينة الأغلبية التي كان يمني النفس بأن يكون جزءا منها”، مشيرا إلى أن هذا الطيف “لم يظهر في سلوكه السياسي داخل المؤسسة البرلمانية ما يكفي من الخطاب السياسي والمبادرات والمواقف التي يمكن أن تذلل الهوة السحيقة المفترضة بين الأغلبية والمعارضة، تبرر تحريك ملتمس الرقابة”.

 أسباب النزول

وسجل أستاذ القانون الدستوري أن ملتمسات الرقابة التي طرحت في التجارب المغربية السابقة سواء في سنة 1964 أو سنة 1990 كانت في سياق يطبعه الاحتقان خلافا لما عليه الأمر في السياق الراهن، قبل أن يستدرك “صحيح أننا نعيش نوعا من ترهّل الحياة السياسية وما يمكن وصمه بـ”اللاسياسة” بفعل غياب النقاش السياسي المؤثر سواء داخل المؤسسة البرلمانية من خلال المعارضة البرلمانية أو غيرها، لكن إلى أي حد يمكن اعتبار هذا معطى يجب أن يكون موضوعا للجوء إلى إثارة المسؤولية السياسية للحكومة”.

ونبّه أحمد بوز إلى أن الملتمسات السابقة لم تكن تهتم بالجانب العددي لأن النصاب المطلوب لم يكن يسمح للمعارضة آنذاك بإثارة هذا النوع من الآليات الرقابية التي تثير المسؤولية السياسية للحكومة، والتي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة، مضيفا “لكن مع ذلك كانت هذه الآلية بمثابة نقطة نظام سياسية لخلق رجّة وإثارة نقاش سياسي يكون في الغالب مرتبطا بنوع من الضغط والاختناق”.

واستحضر الأستاذ الجامعي أن ملتمس الرقابة لسنة 1964 كان مقدمة لحالة الاستثناء التي أعلنها الراحل الملك الحسن الثاني سنة 1965، إضافة إلى كون ملتمس 1990 جاء في سياق أحداث “انتفاضة فاس” مع ما صاحب ذلك من نقاش سياسي غير مسبوق مهد لوضع دستور 1992.

وتابع متسائلا: “هذا السياق، ما هي علامته اليوم بغض النظر عن النتائج المترتبة عن تحريك المتلمس المحسومة سلفا”، قبل أن يؤكد أن “المعارضة بعيدة جدا أن تنجح في خطوة الحصول على النصاب القانوني لتحريك ملتمس الرقابة بما يسمح لها بإسقاط الحكومة، بالنظر إلى أن الأغلبية المطلقة بعيدة المنال بالنسبة للمعارضة، علاوة على ذلك مسألة تشتت المعارضة نفسها”.

حظوظ ضئيلة

ومما يضعف حظوظ نجاح ملتمس الرقابة التي تلوح به قوى من داخل المعارضة، سجل بوز أن التنسيق بين مكوناتها هشّ ولم يبلغ بعد درجة الانسجام المطلوب، خاصة بعد السياق المطروح الآن حول جدل تعديل المدونة والتنابز بين أطراف المعارضة، هي كلها عوامل مؤثرة في حظوظ المعارضة لتحريك هذه المبادرة التي يكفلها الدستور.

لكن هل يتعلق الأمر بمبادرة سيكون لها مفعول وتأثير وتسهم في توجيه إشارات يمكن أن تلتقط على مستويات جهات عليا أم أنها ستكون مجرد “رصاصة فارغة” لن يكن لها أي تأثير في ظل تمترس الأغلبية وراء الحكومة التي تستقبل سنتها الثالثة بإمكانية إجراء أول تعديل على تركيبتها؟

وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية أحمد بوز “صحيح هناك انتقادات ضد الأداء الحكومي، لكن إلى أي درجة يمكن البناء على هذه الانتقادات للقول بإمكانية انفراط عقد الأغلبية”، وزاد: “نحن اليوم في منتصف الولاية، ومن المؤكد أن يقدم رئيس الحكومة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة خلال دورة الربيع القادمة، مع احتمال إجراء تعديل حكومي مع الدخول البرلماني المقبل”.

وسجل الأستاذ الجامعي أنه يمكن للتعديل الحكومي المرتقب أن يعطي نفسا جديدا وأن يضخ دماء جديدة في الفريق الحكومي الذي يقود عزيز أخنوش، قبل أن يستدرك “اللهم إذا كان هذا الملتمس هو نفسه محاولة للتعجيل بإجراء تعديل حكومي وتغيير خارطة الانتماء داخل الأغلبية الحكومية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News