مجتمع

ملف”اسكوبار الصحراء” يُطوق عُنق وهبي لتجريم الإثراء غير المشروع

ملف”اسكوبار الصحراء” يُطوق عُنق وهبي لتجريم الإثراء غير المشروع

أعادَ ملف “اسكوبار الصحراء” التي أفضَت  إلى متابعة عدد من البرلمانيين والرياضيين والأمنيين بتهم جنائية ثقيلة، مطالب التعجيل بتجريم الإثراء غير المشروع وفق التعديلات الجديدة التي تضمنها مشروع القانون الجنائي الذي سحبته الحكومة من البرلمان منذ أكثر من سنتين.

وأفضت نتائج الأبحاث المنجزة تحت إشراف هذه النيابة العامة للكشف عن الأشخاص المشتبه تورطهم مع أحد المعتقلين من جنسية أجنبية، توبع في إطار قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات (قضية اسكوبار الصحراء)، إلى تقديم 25 شخصاً أمام النيابة العامة، من بينهم من يتولى مهام نيابية أو مسؤولية جماعات ترابية أو مكلف بإنفاذ القانون بالإضافة إلى أشخاص آخرين ارتكبوا افعالاً لها ارتباط بالموضوع.

وتسبب البند المتعلق بالإثراء غير المشروع في جدل كبير أدى إلى تعطيل مصادقة البرلمان المغربي على تعديلات في القانون الجنائي. وانتقد سياسيون وهيئات حقوقية خطوة سحب مشروع القانون الجنائي متسائلين حول مدى جدية الحكومة  في محاربة الفساد.

ويأتي إدراج تجريم الإثراء غير المشروع في إطار إعمال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك سنة 2003، وإعمالاً للمادة 4 من الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها المملكة المغربية بتاريخ 2010، وتنزيلاً لمقتضيات النص الدستوري التي تنص على أن القانون يعاقب على الشطط في استغلال مواقع النفوذ وينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وتعتبر المرجعية الدستورية هي عمود تجريم الإثراء غير المشروع، حيث نص دستور 2011 في فصله الأول على أنه من الأُسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمرجعية الاتفاقية المتمثلة أساساً في مقتضيات المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.

واختار المشرع المغربي، تضمين مقتضيات هذا التجريم ضمن القانون الجنائي وفِي مادة وحيدة مُدرجاً إياها ضمن جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام والمتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ، عوض إفراد جريمة الإثراء غير المشروع بقوانين خاصة من قبيل قوانين عدد من الدول.

عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب سابقا رضا بوكمازي، أوضح أن موضوع الإثراء غير المشروع طُرح منذ مدّة وظهرت بوادر لتشكل بنية تعرقل إخراجه إلى حيز الوجود، لكون هذا المقتضى يهدد مصالحها، مؤكدا أن الأخيرة “تستثمر مواقع السلطة ليس فقط على صعيد المنتخبين بل أيضا عددا من المسؤولين في مراكز نافذة، للحصول على منافع وأموال غير عادية بطرق احتيالية غير مشروعة”.

إقبار المشروع

وبرر وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إقدام الحكومة على سحب مشروع مجموعة القانون الجنائي من البرلمان،  بأن بعض الفصول  تطرح إشكالا، من بينها الإثراء غير المشروع، وقال إنه”إذا ارتأيت عكس ذلك، سأسحبه بكل جرأة وشجاعة، لأن هذه قناعة مطلقة، وأنا هنا في هذا الموقع لأعبر عن رأيي ورأي حكومتي”.

واعتبر بوكمازي ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن المبررات التي قدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لسحبه مشروع القانون الجنائي من البرلمان، هي محاولة لتزييف الوعي والتغطية على الخلفيات الحقيقة لهذا السحب مرتبطة  بإقبار الإثراء غير المشروع، مسجلا أن سحب الإثراء غير المشروع هو بمثابة منح صك لجميع المستغلين لمواقع النفوذ من أجل مراكمة الثروات دون حسيب ولا رقيب.

ولفت البرلماني السابق إلى أن وزير العدل أصر في أكثر من مرة أنه يرفض إثارة الهلع في صفوف المسؤولين عبر إقرار تجريم الإثراء غير المشروع، وهو  يمنح ضمانة قانونية لمراكمة الثروات دون وجه حق وبشكل غير مشروع، مضيفا  أن “سحب مقتضيات الإثراء غير المشروع هو بمثابة حماية لهذا النوع من الأشخاص الذين تمت متابعتهم اليوم أمام المحاكم بتهم تبديد أموال عمومية مع احترام قرينة البراءة”.

محاربة الفساد

وحول ملحاحية التعجيل بإقرار تجريم الإثراء غير المشروع، شدد البرلماني السابق على أن الحكومة، تتحمل المسؤولية في إعادة مشروع القانون الجنائي بأقرب فرصة إلى المؤسسة التشريعية، وفي صلبه مقتضيات محاربة الإثراء غير المشروع باعتبارها مدخلا أساسيا لمحاربة الفساد، خاصة أن بعض الجرائم يصعب ضبطها نظرا، وضمنها جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام والمتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ.

وكشف المحامي بهيئة آسفي، أن هناك موظفين في أسلاك متعددة وفي كل البنيات يستغلون مواقع المسؤولية لخلق تواطؤات واختلاس أموال عمومية، مؤكدا أن مقتضيات الإثراء غير المشروع  كانت ستحد من هذه الوضعية من خلال إلزام مسؤول يوجد في أي موقع، بتبرير مصادر ثروته، لاسيما أن هناك موظفين ومنتخبين يتحولون بين عشية وضحاها إلى أثرياء، من خلال مراكمة أموال لا يمكن عدّها.

وأوضح البرلماني ذاته أنه إذا تأكد أن المداخيل المتحصل عليها تمت بطريقة مشروعة فله ذلك، لكن إذا كانت هذه الأموال، تمت مراكمتها بطرق غير قانونية، فالأمر يتطلب تبريرها  تحت طائلة مصادرة هذه الأموال وحرمان المتورط من المسؤولية العمومية والوظفية كخطوة أولى في انتظار مكانية إقرار عقوبات سجنية بحق المخالفين، لأنها تندرج ضمن خيانة الأمانة، مما يستوجب تطبيق المقتضيات الجنائية المقررة قانونا.

هدر المال العام

وسجل عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب سابقا، أن مقتضيات قانون الإثراء غير المشروع لو أفرج عنها، كانت ستكون حائلا ومساهما في الرّدع النفسي على الأقل للمتورطين في تبديد واختلاس أموال عمومية، وذلك عبر الحدّ من تشكيل بنيات وشبكات هدر المال العام، حماية للمجتمع والدولة وتحصينا لمناصب المسؤولية.

في غضون ذلك، رفض وزير العدل عبد اللطيف وهبي مقترحا برلمانيا يقضي بإدراج الإثراء غير المشروع في لائحة الجنح المتعلقة بالجرائم التي لا تحكم بالعقوبات البديلة، وهو الرفض الذي زكته لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب، خلال جلسة التصويت على مشروع قانون العقوبات البديلة الذي فسح المجال لـ”شراء أيام السجن” باعتماد مقتضى الغرامة اليومية.

وعلّل وزير العدل عبد اللطيف وهبي، رفضه بإدراج “الإثراء غير مشروع” في الفصل 3-35 المتعلق بالجنح التي لا تحكم بالعقوبات البديلة إلى جانب الاختلاس أو الغدر أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو تبديد الأموال العمومية، بإن هذا النوع من التهم لا يوجد في القانون الجنائي وهو في “حكم الغيب” ولا يمكن البناء عليه.

واعتبر نواب بالبرلمان أن رفض وزير العدل مقترح إدراج الإثراء غير مشروع ضمن الجرائم المستثناة من قائمة الجنح التي لا يمكن الحكم بها في قانون العقوبات البديلة، جوابا ضمنيا يعبر عن توجه الوزير نحو إقبار هذا المقتضى الذي تضمنه مشروع القانون الجنائي الذي سحبته الحكومة من البرلمان منذ أكثر من سنتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News