صحافة وإعلام

حرية الصحافة والتعبير بالمغرب.. بين المحافظة والنكوص والإشارات المتناقضة

حرية الصحافة والتعبير بالمغرب.. بين المحافظة والنكوص والإشارات المتناقضة

سجل المغرب هذه السنة الرتبة 144 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي أصدرته المنظمة الدولية “مراسلون بلا حدود”، بمعنى أنه تراجع بتسع مراكز عن السنة المنصرمة بعدما كان في المركز 135، الأمر الذي دق ناقوس الخطر والتخوف في هذا التراجع الكبير، في ظل الثورة التي تشهدها الساحة الإعلامية.

ويعزى هذا التراجع بالأساس إلى التضييق الذي يطغى على المشهد الإعلامي الحالي، سواء تعلق الأمر بحرية الرأي والتعبير أو بحرية الإعلام، خصوصا في ظل ما أصبح يعرف بصحافة المواطن أو الصحافة التشاركية التي تسمح للمواطنين المهتمين بمجموعة من المواضيع سواء الاجتماعية منها أو السياسية أو الثقافية مشاركة آرائهم وتحليلاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وللإشارة فإن الدساتير الأولى لم تعرف تطورا يذكر في طبيعة الحقوق والحريات التي ظلت على حالها، وهكذا كانت رغبة المغرب في ضمان حرية التعبير منذ الدستور الأول، ومن بعده الدساتير اللاحقة، الذي التزم فيه بما ورد في المواثيق الدولية وإقرار مجموعة من الحقوق، لكن ظلت هذه النصوص شكلية ولم تعط للممارسة الصحافية المجال الخصب، لأداء مهمتها كما هو الحال في البلدان الغربية، بل تم التعامل معها بضغط ورقابة كبيرين، الأمر الذي جعل المغرب طيلة سنوات متتالية يحتل مراتب جد متأخرة في مختلف المؤشرات الدولية في شأن احترام حرية التعبير والصحافة.

فقد عرفت مرحلة نهاية الستينات والسبعينات تراجعا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان، عكس الانطلاقة المشجعة التي أبان عنها النظام في بداية الاستقلال، اذ اعتبرت مصادقة المغرب على بعض المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان ضعيفة خلال هذه الفترة، كما أنه على مستوى الممارسة تميزت هذه المرحلة بانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان بسبب تنامي الاحتجاجات الشعبية التي وجهت بمحاكمات غير عادلة وعقوبات قاسية وصلت حد الحكم بالإعدام، بالإضافة إلى الاغتيالات والاختطافات.

إلا أن السنوات الأخيرة من فترة السبعينات ستشهد نوعا من أجواء الانفراج داخل الحقل السياسي عملت في خضمه السلطات على إعادة المسألة الحقوقية إلى واجهة الاهتمام العمومي، خصوصا مع التحولات الدولية في سنوات الثمانينات التي ستشهد صعودا قويا وملفتا للمسألة الحقوقية بمختلف أبعادها.

وعلى هذا الأساس شكلت حرية الصحافة إحدى صور حرية الرأي والتعبير، وهذه بدورها واحدة من الحريات العامة، فالحديث عنها يجرنا إلى نقاش طويل عريض، تختلف توجهاته ونظرياته، حيث أن هناك فئة ترى أنها مطلقة ولا ينبغي أن تقع ضحية القيود والخطوط الحمراء، وفئة أخرى تدعم طرح أن لا مجال لإطلاق حرية الرأي وجعلها بدون حسيب ورقيب.

والملاحظ أن حرية الرأي والتعبير، وإن كانت تعتبر من أهم ركائز الممارسة الديموقراطية وأساس الممارسة الصحافية، إلا أنها لم تعرف تطورا يذكر على الصعيد الوطني، بل تقلصت دائرتها وذلك لاعتبارات عدة سنخوض في تفصيلها.

ومن تم، فلا بد من التساؤل عن المشهد الإعلامي الحالي؟ وكيف عالج المشرع المغربي في مختلف دساتيره حرية الرأي والتعبير في الصحافة؟ وأين تجلت حماية حرية الصحافة في الدساتير السابقة للمغرب؟ وكيف هي العلاقة القائمة بين الصحافة والسلطة؟ وإلى أي حد استطاع دستور 2011 والقوانين المنظمة للصحافة حماية المهنيين وضمان حقهم في التعبير؟ وهل هناك فعلا حدود لحرية الرأي والتعبير؟ وكيف يمكن تعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير.

مسار حرية التعبير في الدساتير المغربية
نصت الدساتير المغربية على فصول ومواد تنص على حرية التعبير وحرية الصحافة منذ الوثيقة الدستورية الأولى، إي بدءا من مشروع دستور 1908 إلى الدستور الجديد لسنة 2011، الذي أعطى مكانة جد هامة لحرية الصحافة بجميع مكوناتها، كما عرف المغرب بعد الاستقلال خمسة دساتير نصت جميعها على الحريات الفردية والجماعية.

في هذا الصدد، أكد المشروع الدستوري لسنة 1908 (الذي نشرته جريدة لسان العرب، ما بين أكتوبر ونونبر 1908) على حقوق الإنسان، حيث خصص لهذا الجانب 11 بندا مس حقوق المواطنين، وضرورة التمتع بحرياتهم كاملة إلا ما يحدها وينظمها القانون.

على مستوى الممارسة الصحفية فقد نصت المادة 14 و16 من مشروع 1908على ضرورة ضمان الدولة لحرية الرأي والتعبير، وحرية النشر والطبع، وقد جاءت هذه المطالب قبل صدور قانون الصحافة وظهير 27 أبريل 1914 من قبل فرنسا بعد فرض حمايتها على المغرب، كما نصت المادة 13 من المشروع الدستوري على ضرورة تمتع كل مغربي بالحرية شرط ألا يضر أو يمس بحرية الغير.

وبالتالي يمكن اعتبار هذا المشروع أول وثيقة دستورية تتحدث عن حرية التعبير والكتابة، والتي لها علاقة ضمنية بحرية الصحافة، وجاء هذا المشروع الدستوري كتتويج لتطور الأفكار الإصلاحية الدستورية التي طرحت منذ بداية القرن، بعد المذكرة الإصلاحية التي قدمها عبد الله بنسعيد ومذكرة علي بن أحمد زنيبر واللذان ألحا فيهما على مجموعة من المشاريع الإصلاحية من بينها تشريعات تضمن الحقوق والحريات العامة والحقوق الفردية الخاصة.

وعند حصول المغرب على الاستقلال اعتبر إقرار الحقوق والحريات من أهم دعائم إرساء دولة الحق والقانون، ففي 8 ماي 1958، صدر العهد الملكي بعد تشكيل حكومة أحمد بلا فريج، حيث اعتبر بمثابة قانون أساسي مكرسا لمقتضيات قانونية ستكون بدورها أساس ظهير 15 نونبر 1958 المتضمن لمدونة الحقوق والحريات ولقانون الصحافة والنشر.

وقد أطلق المغرب منذ 2012 ورشا إصلاحيا طموحا لتأهيل قطاع الصحافة والنشر، وهو حلقة من مسلسل تحديث دمقرطة المشهد الإعلامي الذي بدأ غداة الاستقلال مع إصدار أول مدونة للصحافة والنشر سنة 1958.

وقد تم تتويج هذا المسار بتبني مدونة حديثة وعصرية سنة 2016 بالإضافة إلى القانون الأساسي للصحافيين المهنيين وإنشاء المجلس الوطني للصحافة كل هذا يرقى بالعمل الصحفي ويوفر له إطارا قانونيا يؤطره ويساعده في ممارسة مهمته بأريحية.

واقع الممارسة الصحافية في ظل الثورة الحقوقية

خلال حوارنا مع الصحافي والمتخصص في الشأن السياسي والإعلامي المغربي يونس مسكين، أكد أن حماية حرية الرأي والتعبير بالنسبة للصحافة المغربية تتجلى أولا في كونها مشمولة بحماية المواثيق الدولية، بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الانسان وميثاق منظمة الأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما أنها تتخذ شكلا وطنيا من خلال الدستور المغربي الذي أفرد جزءا كبيرا منه لتوفير الحماية الكافية للحقوق والحريات، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، ثم تستمر تجليات هذه الحماية نزولا إلى النصوص القانونية، خاصة مدونة الصحافة والنشر، ومختلف القوانين التنظيمية والنصوص المنظمة للمؤسسات والهيئات الدستورية المكلفة بحماية الحقوق والحريات.

وكشف الصحافي أن المنظومة القانونية، الوطنية والدولية، المرتبطة بحرية الرأي والتعبير في المغرب تتسم بنوع من الوضوح والشمول، إلا أن الممارسة لم تسمح بتفعيل هذه الحماية وترسيخها وتحويلها إلى مكتسب غير قابل للرجعة. فهناك مقتضيات دولية ودستورية وقانونية واضحة، إلا أن تطبيقها اتسم بكثير من المحافظة والنكوص والإشارات المتناقضة، حيث يجري مثلا تجميد القانون الخاص بمهنة الصحافة وإسناد مهمة مساءلة ومحاكمة الصحافيين المهنيين وباقي المواطنين لمقتضيات القانون الجنائي التي تتضمن عقوبات سالبة للحرية، ما يجعل منظومة الحماية القائمة غير مفيدة وغير منتجة.

واعتبر الإعلامي أن علاقة الصحافة بالسلطة تعرف نوعا من التوازن المختل، الذي سببه انمحاء لطرف أمام الآخر، مؤكدا أن الصحافة المغربية عانت في السنوات الأخير من نزيف حاد سبّبته عصا السلطة التي نزلت على الكثير من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، في مقابل إطلاق العنان، بل دعم واحتضان ممارسات تؤدي بالضرورة إلى قتل الصحافة المهنية، من أشكال جديدة لتمييع وإفساد المشهد الإعلامين وتشجيع ممارسات مسيئة للمهنة، من قبيل ما يعرف بصحافة التشهير، والتحفيز على تبني وجهة نظر واحدة، فهي رأي وموقف السلطة، وتغييب أي رأي مخالف.

وقال مسكين إن الأمر لا يقتصر على الرأي، بل يطال حق المواطن في الخبر وفي المعلومة، حيث باتت المنابر الإعلامية تنقل رواية واحدة عما يحصل، هي رواية السلطة، التي تظهر ما تعتبره هي إيجابيا ومهمان وتغيّب ما يكشف الأخطاء والاختلالات… وبالتالي يمكن أن نقول إن العلاقة بين السلطة والصحافة حاليا هي علاقة تابع ومتبوع، لا أكثر.

ومن جهته أكد المتحدث أن جميع الحقوق والحريات لها حدود ولا يوجد حق مطلق، لكن ما يمكن أن يعفينا عن هذا الحديث الذي يجعل الحرية كما لو أنها في مقابل الواجبات، هو عنصر المهنية، فالصحافة المحترفة والمهنية هي بالضرورة صحافة تجمع بين ممارسة الحق في التعبير وتمكّن المواطن من المعلومات التي تساعده على اتخاذ جميع أنواع القرارات التي يطالب اتخادها في حياته، بدءا من القرارات اليومية البسيطة إلى أكبر القرارات مثل المشاركة في النقاش العمومي والانتخابات والمساهمة في تشكيل المؤسسات.

وفي هذا الصدد أوضح المتحدث نفسه أنه لا ينبغي أن نطرح الأمر كما لو أنه منحى تقدمي للسلطة، فتعطي قدرا من الحرية ومعه قدر من المسؤولية، المفروض أن تكون السلطة في الحياد ولا دخل لها في هذا المجال، لأن هناك قوانين تتضمن ما يكفي من تأطير وحد من الحريات، ثم هناك عنصر التنظيم الذاتي الذي يفترض أن يتولى تنظيم مجال مثل الصحافة، ويحرص على ضمان امتثاله للقوانين والأخلاقيات حفاظا على الصالح العام وحقوق الأفراد وسمعة ومصداقية الصحافة.

ومن هذا المنطلق دعا الإعلامي الجسم الصحافي إلى تعزيز حرية الرأي والتعبير بقيامه بوظائفه الأساسية في الإخبار والتثقيف والترفيه… لكن أيضا في لعب دور الرقيب على السلطات وتشكيل ما يعرف بالسلطة المضادة، واليقظة الدائمة تجاه الخروقات الممكنة ضد الحقوق والحريات.

وأفاد المتحدث ذاته أن الجسم الصحافي مطالب بلعب دور حيوي وتاريخي، لأنه الأقدر على تمثل حرية الرأي والتعبير وممارستها، وتمكين المجتمع من الثقافة اللازمة لممارسة هذه الحرية عبر الوسائط الرقمية الجديدة، بطريقة مفيدة ولا تنطوي على أضرار جانبية أو مساس بحقوق وحريات الآخرين.

وأبرز المتخصص في الشؤون الإعلامية أن الخطوة العملية التي يمكن للجسم المهني القيام بها في هذا الباب هي الحرص على تفعيل مسألة التنظيم التي نص عليها الدستور وألزم السلطات بتشجيعها فقط، لا بإملائها. مؤكدا على ضرورة فتح مجال أوسع سواء للتعبيرات الخاصة بعموم المواطنين، أو الإعلاميين المهنيين والنشطاء السياسيين والحقوقيين.

الضمانات القانونية لحرية الرأي والتعبير
أكدت الدساتير المغربية منذ نشأتها على حرية التعبير في الصحافة، إلا أننا في القرن الواحد والعشرين ما زلنا نشهد تضييقات على الصحافيين بالمغرب، وذلك من خلال استمرار فرض القيود على حرية الرأي والتعبير، وتضييق الخناق عليها، والمتابعات القضائية التي تمس حرية الصحافة.

ويرى المتخصص في القانون الدستوري وحقوق الانسان أحمد البوز أننا لا يمكن أن نتكلم على مواثيق وطنية بقدر ما نتكلم عن نصوص قانونية تنظم مجالات متعددة تندرج في إطار حرية التعبير، وأشهرها بطبيعة الحال ظهير الحريات العامة، الذي كان ينظم ثلاث مجالات همت بالأساس: حرية تأسيس الجمعيات، الصحافة والنشر، تم التجمعات العمومية.

وأفاد المتحدث أن الأحزاب السياسية انتظمت لاحقا في إطار قانون مستقل اتخذ شكل قانون عادي سنة 2006، قبل أن يصبح قانونا تنظيميا في ظل دستور 2011، دون أن نستثني نصوص قانونية أخرى لها هي كذلك علاقة بموضوع الحريات، وبصفة خاصة مدونة القانون الجنائي.

وفي هذا السياق أضاف البوز، “في هذا الإطار لا يجب أن ننسى الدستور نفسه، الذي هو قانون القوانين، الذي أطر موضوع الحريات منذ أول دستور سنة 1962، قبل أن يأتي دستور 2011 ليخصص مساحة أكبر لهذا الموضوع، ليس فقط من ناحية الحريات التي تم إدراجها في صلبه ولكن أيضا من ناحية الربط الذي أقامه بين التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية “.

وخلال إجابة البوز عن سؤالنا فما يتعلق بتطبيق النصوص القانونية والمعاهدات المتضمنة لحرية الرأي والتعبير على أرض الواقع، أكد لنا أنه يصعب أن نقول إنها لا تطبق، لكن الأمر المؤكد أن هذا التطبيق تواجهه بعض الصعوبات أحيانا، سواء فيما يتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو إنشاء الصحف أو تنظيم الاجتماعات والتجمعات العمومية. فعلاوة على بعض الثغرات التي تتضمنها النصوص نفسها، خاصة من ناحية تشديد بعضها للشروط المطلوبة في التأسيس، أو من حيث عمومية بعض مقتضياتها التي تستغل لإفراغ النص على الحق من محتواه، تصطدم هذه القوانين بواقع الممارسة التي لا تتم دائما وفقا لمادة المشرع.

وذكر المحامي أن هناك عدة أمثلة يمكن أن نقدمها في هذا المجال، مثل عدم تسليم الوصل النهائي وحتى المؤقت للجمعيات، وعدم تسلم ملف تأسيسها، وتحويل التأسيس إلى نظام للترخيص، ثم منع الاجتماعات والتجمعات العمومية دون احترام المساطر القانونية المطلوبة.

واعتبر المتخصص القانوني أن أبرز مشكل تواجهه حرية التعبير يرتبط بغياب المناخ الديمقراطي، بمعنى أن الدول ذات الأنظمة السلطوية يمكنها أن تحقق تقدما فيما يتعلق بمجال الحقوق والحريات لكن ليس هناك ضمانات بأن هذا التقدم سيستمر ولم يتراجع إلى الوراء، عكس الدول الديمقراطية التي يمكن أن تحدث فيها مشاكل تتعلق بحرية التعبير لكنها لا تصل الى حد النيل من جوهر المكتسبات. والذي يعزز أكثر حرية التعبير في هذا النوع من المكتسبات هو وجود مؤسسات تحمي هذه المكتسبات ورأي عام يقظ اتجاه كل محاولة للنيل منها.

حرية الرأي والتعبير بين حق قانوني وقيد مفروض

أكد محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير “حاتم”، أن الوضع الحالي لحرية الرأي والتعبير في الصحافة المغربية في تراجع نظرا للمعايير الحقوقية والتزامات المغرب الدولية، وخصوصا المحطات التي عرف فيها الإعلام المغربي هامشا كبيرا نوعا ما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وبالضبط في الفترات ما بيت 200 و2002، وبعد حركة 20 فبراير.
وأبرز العوني أن هناك قيود مشددة على حرية الإعلام والتعبير، خصوصا في النصوص القانونية الخارجة عن المعايير التي من شأنها ضبط وتنظيم حرية العمل الصحافي، معتبرا أن الممارسة أخطر من القانون التي تحول الحقوق والحريات إلى هبة في يد السلطات لتمنحها للبعض وتحدها عن البعض الاخر.
وأشار الخبير في الإعلام، إلى أن منظمة حرية الإعلام والتعبير “حاتم” تتضمن بينة للرصد داخلية لها نوع من الاستقلالية تحت تسمية “مرصد حريات”، الذي يشتغل عبر برنامج تطبيقي يعمل على توثيق وتسجيل كافة التجاوزات والخروقات والانتهاكات، عن طريق شبكة من العناوين التي يتم من خلالها تصنيف كل خرق وانتهاك حسب نوعه ومدى خطورته، بالاعتماد أساسا على تبليغات المواطنين والمواطنات ورصدهم من خلال وسائل الإعلام والتواصل الرقمي.
وفي هذا الصدد أقر العوني أن أبرز الخروقات التي تم تسجيلها من قبل المرصد، هي المس بحرية التواصل الرقمي، عن طريق مجموعة من التضييقيات خصوصا في ظل ارتفاع عدد المواطنين المهتمين بالمواضيع الراهنة، والمناضلين المدافعين عن مجموعة من الحقوق والحريات، وكدى الاعتداءات على الصحافيين وخنق حرية التعبير في الإعلام من قبل السلطات وأحيانا من قبل المؤسسات التي يشتغلون بها، ففي الإعلام العمومي مثلا هناك خطوط حمراء ولوائح سوداء لا يمكن تجاوزها تضيق عمل الصحافي وتسعى لإلغاء استقلالية الإعلاميين والعمل الإعلامي.

ومن جهته أبرز المدافع الحقوقي أنه في إطار الاليات الترافعية التي تعتمدها “حاتم”، إصدارها لعدة مواقف عن طريق بيانات وبلاغات ووقفات احتجاجية معبرة فيها عن قلقها بشأن الأوضاع التي تعيشها حرية الإعلام والتواصل الرقمي، وتقديمها لتقارير ومذكرات للسلطات والجهات المعنية، وقد ساهمت المنظمة في بلورة مجموعة من الفصول في دستور 2011 التي تنص على حرية الرأي والتعبير والتنظيم الذاتي للصحافيين، والحق في الحصول على المعلومات.

وكشف رئيس منظمة حرية الإعلام والتعبير على أن هناك ضغط على العمل المهني الإعلامي عبر عدة أساليب، مما يؤثر بشكل سلبي على الممارسة المهنية للصحافين، وعلى حرية الإعلام، في حين أن القانون لا يضمن حماية الصحافيين ولا يضمن الإنصات لهم وبالتالي يتم حرمانهم من المشاركة في صناعة السياسية الإعلامية سواء المتعلقة بالدولة أو بالمؤسسات الإعلامية.
وطالب العوني بخلق توازن في معالجة القضايا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، باعتبار هذه الأخيرة مرتبطة بالصحافة وبتمكين المواطنين من الحق في الإعلام، معتبرا أنه كلما ارتبطت صناعة المحتوى الإعلامي بالرأسمال المتوحش، كلما زاد التضييق على الحريات.

مكتسبات دستور الحقوق والحريات
تختلف المراجعة الدستورية لسنة 2011 عن سابقاتها سواء من حيث مسطرتها أو من حيث مضمون التعديلات الدستورية، لكن الاختلاف الأعمق، كان في السياق السياسي الذي مهد لها، فبروز حركة 20 فبراير كان له الفضل في التسريع بوثيرة الإصلاح الدستوري، الذي ظلت العديد من الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية تطالب به منذ اعتلاء محمد السادس عرش المملكة.
وعلى خلاف الدساتير الخمسة السابقة للمملكة دساتير 1962، 1970، 1972، 1992، 1996، توج دستور 29 يوليو 2011 بمسار إصلاحي متميز، فانسجاما مع الاتفاقيات الموقع عليها من قبل المغرب، واستجابة لمطالب العديد من الهيئات المدافعة عن حقوق الانسان، منح دستور 2011 مكانة مهمة وحيز كبير لحقوق الانسان عامة، ولحق حرية التعبير والصحافة خاصة، وهو ما جعل بعض المختصين يطلقون على دستور 2011 دستور الحقوق والحريات.
فالمشرع المغربي خصص الباب الثاني من الفصول 19 إلى 40 بكاملها للحقوق والحريات، وهذا ما يمهد لقفزة نوعية في التشريع المغربي والرقي به إلى مصاف الدول الديمقراطية، والتي تتماشى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة.
وفي السياق ذاته نجد الدستور المذكور تضمن في الفصل 25 منه بشكل صريح على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها…”، كما نص في الفصل 27 على ” الحق في الحصول على المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، وفي الفصل 28 بأن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وللجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.
من خلال هذا التحليل يتضح لنا أن دستور 2011 توسع في تفصيل وشرح الفصول المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، فأصبح هذين الأخيرين أكثر حماية من ذي قبل، فكان لهذا التنصيص قيمة دستورية أكثر، فقد منح الصحافي ضمانات وسند دستوري تمكنه من ممارسة مهنته بحرية ومن الولوج إلى المعطيات بسهولة وفقا لما جاء به القانون. وفيما يتعلق بالمكاسب التي خلص إليها دستور 2011 ستتم حمايتها بالمحكمة الدستورية، التي ينص عليها الفصل 131، بمعنى أن قيم حرية التعبير والحق في الولوج للمعلومة وحماية المصادر واستقلالية الصحافة أصبحت أكثر حماية من ذي قبل وأن أي خرق لها عبر قوانين أو قرارات سيجعل اللجوء إلى المحكمة الدستورية حلا.
وما يثير الانتباه في تعديلات دستور 2011، أنه حمل الدولة مسؤولية تنظيم قطاع الصحافة، وضمان استقلاليتها، وهذا مطلب أساسي طالبت به الهيئات المهنية والقوى السياسية. ونصت الوثيقة الدستورية على أن “السلطات العمومية ملزمة بتشجيع تنظيم الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة بذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News