فن

فيلم “عصابات” بين الإشادة بالسيناريو وانتقاد “لازمة” الصورة القاتمة للمغرب وإقحام الدين

فيلم “عصابات” بين الإشادة بالسيناريو وانتقاد “لازمة” الصورة القاتمة للمغرب وإقحام الدين

انتقد الناقد السينمائي مصطفى الطالب، نقل فيلم “عصابات” لكمال لزرق الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، صورة قاتمة عن المغرب، على منوال باقي أفلام المخرجين المغاربة الذين يعيشون في أوروبا ويحصلون على دعم أول فيلم طويل، وعدّ أن إقحام الدين في عالم الإجرام لم يكن مبررا، لكنه أشاد في مقابل ذلك بقدرته على رصد هامش مدينة الدار البيضاء بواقعية وتناوله جرعة زائدة من العنف بسيناريو قوي، وكسب رهان إشراك أبطال غير محترفين لمجال التمثيل.

وقال الناقد السينمائي مصطفى الطالب إن فيلم “عصابات” لكمال لزرق كان متميزا على المستويين الفني والتقني، ونجح في التطرق إلى موضوع قوي، عادّا أن الحديث عن شخصيات تعيش في هامش المجتمع وسط عالم الإجرام والعنف والفقر والتهميش كان مهما، ولو أن السينما المغربية تناولت مثل هذه المواضيع إلا أنها لم تبلغ درجة القوة في العنف التي تخللت هذا الفيلم وتجاوزت الحدود.

وأردف مصطفى الطالب في تصريح لجريدة “مدار21” إن “هذه السوداوية وتوظيف العنف بدرجة كبيرة في المجتمع لم نشاهدها في أفلام سابقة، علما أن “كازا نيكرا” و”علي زاوا” وغيرها من الأفلام تطرقت إلى الهامش ونقلت جانبا مظلما من مدينة الدار البيضاء في شكلها المهمش، لكن كمال لزرق تناولها بجرعة زائدة من العنف مزجها بمشاعر إنسانية تمثلت في علاقة الأب بابنه وإن كان قد أقحمه في عالم الإجرام والعصابات، إلا أنه ظهر في صورة الأب الخائف والمستعد للتضحية من أجل نجله، إذ منحت هذه الجوانب المتناقضة واختلاط العنف بالمشاعر الإنسانية الفيلم قوة وميزة”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المخرج خاض مغامرة نجح فيها باعتماده على ممثلين غير محترفين للمجال الذي أتى بهم من الشارع والهامش، والذين يعيشون المأساة والظروف الاجتماعية نفسها، إذ استطاعوا إقناع المشاهد بأدائهم لإدارتهم بشكل حرفي.

في المقابل، انتقد مصطفى الطالب بعض المشاهد التي لم تكن مُقنعة على مستوى الحوار، والتي افتقدت في رأيه إلى المصداقية، ضمنها مشهد “دخول الصياد العجوز بمفرده إلى قاع البحر لقذف الجثة”، عادّا إياها “غير قوية وصادقة”.

وعد الطالب أن إقحام الدين في الفيلم لم يكن مبررا، (مشهد غسل الجثة وتكفينها) لأن المجرم الأول ينتمي إلى عصابة إجرامية، مبرزا “مشهد كان مقحما بدون مبرر، وربما كان الغرض منه إظهار التنقاض الذي تعيش فيه تلك الشخصيات، والتي وجدت نفسها مكرهة في دخول عالم الإجرام”.

وانتقد المتحدث ذاته أيضا اتجاه العديد من المخرجين والمخرجات المغربيات الذين درسوا السينما في أوروبا وأتيحت لهم فرصة الحصول على الدعم سواء أكان أجنبيا أو مغربيا، إلى نقل الصورة القاتمة عن المغرب، وهو ما ينطبق على فيلم “عصابات” لكمال لزرق وغيره من الأفلام الأخرى التي سبقته مثل “كازا نيكرا” و”زيرو” و”أنيماليا” لصوفيا العلوي.

وواصل حديثه قائلا: “أول ما يقوم به المخرج الذي يعيش في أوروبا ودرس فيها الاشتغال على فيلم ينقل صورة سيئة عن المغرب، وكأنه لا يوجد به غير ذلك، وكأن المواضيع الإيجابية منعدمة، لا نريد المجاملة في إعطاء صورة مزيفة عن المغرب، لكن أظن أن هناك العديد من الأشياء التي تميزه”.

ويرى الناقد السينمائي ذاته أن المخرج كمال لزرق تأثر بمجموعة من الأفلام الأمريكية التي تسير في المنوال ذاته وتجمع ما بين المغامرة والعنف والإجرام ونقل صورة من الواقع، وتندرج في خانة “السينما الواقعية” والتي تعكس الواقع وتحاول أن تنقل صورته الحقيقة وإن كان مرا وصادما.

وبخصوص توظيف كلمات خادشة للحياء في الفيلم، أوضح الطالب أن هذه المصطلحات التي يمكن وصفها بـ”الزنقوية” كانت في محلها وغير مقحمة بشكل مجاني، باعتبار الفيلم يعكس واقع الأشخاص الذين يعيشون في الهامش، وهذه الكلمات تعكس لغتهم وطريقتهم في التواصل.

ويتوقع الناقد السينمائي مصطفى الطالب أن يقتنص فيلم “عصابات” جائزة بالدورة الـ20 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش بعد نيلها بمهرجان “كان” السينمائي، باعتباره من الأفلام المتميزة والقوية في نقل الواقع، ويعتمد على سيناريو قوي ومعالجة فنية دقيقة من حيث اختيار أماكن التصوير واختيار اللقطات وتحرك الكاميرا مع الشخصيات بشكل يعكس العوالم الداخلية لها.

وتنطلق قصة فيلم “عصابات” في ليلة قد تشبه عدة ليالٍ بأحياء مدينة الدار البيضاء المهمشة، حيث يظهر رجل ينحني على كلبه، بعدما فارق الحياة في مباراة لمصارعة الكلاب، ونظرة الحسرة تكسر تعابير وجهه، وتذل رجولته.

عتمة ومكان بعيد عن الأنظار، وشخصيات غير عادية تتشابه في مظهرها، وتمثل أفراد عصابات تنتمي إلى طبقات هشة، تستند على قوتها البدنية في المزايدة والدخول في رهانات وصراعات تؤدي حتما إلى ارتكاب جرائم غير متوقعة.

رحيل الكلب سيولد لدى رجل العصابة الذي يلقب بـ “الذيب” الرغبة في الانتقام من قاتل كلبه، إذ سيرسم خطة يستعين فيها بشخص يُدعى حسن، الذي يعمل لحسابه ويسهل مهماته الليلية التي تجري في عتمة الليل وطريق أسود.

حسن لم يكن يعلم أن هذه المهمة الليلة ستكون الأسوأ في حياته وابنه عصام الذي أقحمه في مصيبة لامتناهية، والتي تكمن في خطف قاتل كلب مشغله (الذيب).

الأب والابن سيجدان نفسيهما متورطين في ارتكاب جريمة قتل بالخطأ، إثر اختناق الشخص الذي اختطفاه في السيارة. ليصبح بذلك الخروج من هذه الورطة أمرا صعبا يزداد تعقيدا كلما تحركت عقارب الساعة، وتقدمت خطوتهما إلى الأمام، حيث تتشعب خيوط جريمتهما كلما اقتربا من النهاية.

وترصد الكاميرا تجول الأب والابن ليلة كاملة بجثة قاتل الكلب، الذي بدوره رجل عصابة، بحثا عن الخلاص دون جدوى. وبين الخوف والارتباك وتأنيب الضمير تتولد سلسلة أحداث تحبس الأنفاس.

الفيلم يبرز مظاهر الحب والتضحية والخوف المتبادل بين الأب والابن، حيث إنهما يسعيان إلى إنقاذ الآخر بدفع ثمن الدخول في أعمال مشبوهة، كان الهدف منها كسب القليل من المال.

ويبدو في نهاية الفيلم أن الأب والابن قد تخلصا من الحمل الثقيل الذي كان يحملانه على عاتقهما، بالتخلص من الجثة، لكن المخرج لم يفضل غلق باب النهاية في وجه المتفرج، بمشهد عثور كلب على عظم بشري في كومة أزبال.

وفي هذا الصدد، يقول المخرج كمال لزرق في تصريح لجريدة “مدار21” إنه فضل أن يترك النهاية مفتوحة على كل الاحتمالات لكي يفهمها كل مشاهد بطريقته.

وأضاف لزرق أن المشهد الأخير الذي يرصد عثور “الكلب على عظم بشري” يظهر أن خيار تقطيع الجثة وحرقها لم يكن صائبا، مؤكدا أن النهاية تشير إلى أن الأمر لم ينته بعد، ولم تطمس معالم الجريمة.

وأبرز المخرج كمال لزرق أن مشهد الأب والابن في الحمام يعبر عن رواسب هذه الجريمة في نفسيتهما، والتي ستظل عالقة في داخلهما ولن تغادرهما.

ولم يخفِ لزرق تخوفاته من الاعتماد على ممثلين غير محترفين في فيلمه “عصابات”، موضحا: “صحيح أنني اشتغلت مع ممثلين غير محترفين في أفلامي القصيرة، غير أن الفرق يكمن في مدة تصوير الشريط الطويل التي تفوق مدة إنجاز الفيلم القصير، إذ كانت هناك تخوفات بشأن القدرة على مواكبة إيقاع الفيلم، حيث لم نجر أي تدريبات أو نتبع تقنية حفظ النص، بل اعتمدت على بناء الثقة معهم من خلال قضاء الكثير من الوقت برفقتهم”.

وأبرز أن ما يميز الاشتغال مع ممثل غير محترف يكمن في وجود مساحة حرية أكبر دون قيود، ما يمنحك صورة حقيقية، إضافة إلى أنه يمنح مشاهد جديدة غير متوقعة وأكثر واقعية، لاسيما وأنه راكم تجارب عديدة تظهر في الحوارات والتحركات في اللقطات، مشيرا إلى أن “طريقة تسييره تكون مختلفة عن العمل مع ممثل متمكن من أدوات التشخيص.

بدوره بطل الفيلم أيوب العائد، الذي يشارك لأول مرة في فيلم سينمائي، أعرب عن سعادته بحمله بطولة الفليم ومروره في تظاهرات مهمة، مبرزا أنه لم يتردد في قبول عرض وفكرة المخرج.

وأضاف: “اشتغلنا من قلبنا فوصل العمل إلى قلوب الجمهور، والفيلم يعكس صورة حقيقة مصغرة من الواقع المعاش في المجتمع المغربي وسط أحياء وأزقة المدينة القديمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News