رأي

المغرب وإسرائيل وإيران وغزة.. محاولة للفهم

المغرب وإسرائيل وإيران وغزة.. محاولة للفهم

الأحداث الدراماتيكية المتسارعة في غزة، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكانها، كشفت حقائق قديمة، ترتبط أساسا بسيادة واستمرارية التوازنات التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، وهنا يمكن فهم الدعم الغربي اللامشروط لإسرائيل، لاسيما أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا. فنظرية القوة في العلاقات الدولية هي المفتاح لفهم ما يقع، وإن من يملك القوة هو صاحب حق، حتى السفسطائيين، عبروا عن ذلك قبل بروز هذه النظريات، عندما أكدوا على أنه ليس هناك فرق بين الخير والشر، بين الظلم والعدل، بل، القوة هي الحق. و ما تفعله إسرائيل اليوم من خلال تدمير غزة والافراط في استعمال القوة هو جعل هذه الرقعة الجغرافية غير صالحة للعيش، ودفع السكان للهجرة قسرا أو طوعا.

-إيران لاعب استراتيجي وإقليمي قوي، بحيث صارت الدولة الصفوية تنافس وتفاوض الغرب بأوراق استراتيجية بعد بسط سيطرتها على بعض العواصم العربية، فبعدما كانت إسرائيل تدرس وتخطط لضرب إيران دون الحصول على غطاء أمريكي، انقلبت الآية، وأصبحت إيران هي التي تهدد وتهاجم إسرائيل انطلاقا من أربعة دول عربية( لبنان، سوريا، العراق، اليمن..). إذ هي من تحرض وتهاجم خارج حدودها وفق تكتيكات مدروسة، مسنودة بذراع إعلامي يوجه عقول السنة والشيعة نحو “الضعف العربي”، في حين أنه على الأقل يمكن أن تضغط وتدعم الفلسطينيين من خلال الضغط بإغلاق مضيق هرمز، دون انتظار صواريخها الطائشة التي ماتزال تخطئ مسارها.

-حماس كحركة مقاومة أخطأت التقدير في بداية الحرب، لا من حيث التوقيت والسياق والأدوات والتحالفات، بشأن التوقيت، فالحكومة اليمينية في إسرائيل كانت مفككة وضعيفة، ونتنياهو شبه معزول سياسيا. إلا أن ضربة حماس رغم أنها أضعفت صورة ” إسرائيل القوية عسكريا واستخباراتيا “، فهي ساهمت في توحيد كافة الأطياف السياسية والحزبية والدينية. مع الأخذ بعين الاعتبار، دخول حماس الحرب دون غطاء عربي خاصة بعض القوى الإقليمية التي يمكنها الضغط لغايات إنسانية كما وقع في الحروب السابقة.

-كشفت الحرب على غزة، أن القضية الفلسطينية لا تزال محورية ومركزية في المخيال الشعبي وفي وجدان الشعوب العربية، وأن التعاطف العربي على المستوى الشعبي لم يتراجع رغم أن الجيل الشبابي الحالي لم يعاصر إرهاصات وبدايات النزاع العربي-الإسرائيلي. أما على المستوى الرسمي، فالدول العربية باتت أكثر ميلا إلى “الدولة القطرية” بالمفهوم الميكيافلي، إذ صارت هذه الدول أكثر وضوحا في التعبير عن مصالحها الوطنية/الدولتية، وبعيدا عن الشعارات القومية وحتى الدينية. وهنا، يمكن، فهم موقف دول الطوق، خاصة مصر والأردن وسوريا بشار، ودول الخليج والمغرب الكبير.

– بالنسبة للمغرب، وارتباطا بالمواقف الرسمية للدول العربية وإشكالية تدبير التعبيرات الشعبية، لم يخرج المغرب عن هذا الإطار، فالسلطة حاولت أن تجاري الوضع وإن لم يكن سهلا، مجاراة بطريقة تراعي الغضب الشعبي وتستحضر الالتزام الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، لاسيما أن الإبادة الجماعية التي تعرض ويتعرض لها الفلسطينيين تجاوزت كل الحدود. تعامل المغرب، بمنطق الأمواج العاتية التي عادة ما تتطلب الانتظار والتريث حتى يعود الهدوء، وترك الشارع وفضل عدم معاكسة المزاج العام. لكن، هل تحلل المغرب من الاتفاق الثلاثي؟؟ من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال، غير أن المملكة بدت أنها غير مطوقة باتفاقية التطبيع كما كان متوقعا.

على العكس من ذلك، يمكن استثمار التحولات الجارية لمراجعة الاتفاقية الثلاثية بما يخدم مصالحه الوطنية، خاصة وأن إدارة بايدن ظلت لأكثر من سنتين ترفض التعبير عن موقفها تجاه قضية الوحدة الترابية، في حين أن بايدن وبلنكين حضرا مجلس الحرب الإسرائيلي. بل وقعت امريكا شيكا على بياض لإسرائيل، و وصل الأمر الى التماهي مع سياساتها وذلك في تناقض تام مع “أطروحة مصالح أمريكا اولا ” ومقتضيات التكييف والتطابق، هذه “الأطروحة” التي يتم إشهارها وتوظيفها عندما يتعلق الأمر بأصدقاء وحلفاء أمريكا مثل المغرب.

ثمة أشياء وحلقات مفقودة في الاتفاق الثلاثي، لكن، من الواضح أن هناك محاولة لحشر المغرب في الزاوية، وتجريده من أهم الأوراق، لاسيما وأن مكاسب التطبيع لا ولم تتجاوز مستويين، الأول، عدم إصدار قرار لمجلس الأمن يدعو المغرب للخروج من الكركرات، والمكسب الثاني، التعاون العسكري وتحديث الترسانة العسكرية المغربية، وهنا بدت إسرائيل أكثر تحمسا وجدية من أمريكا.

– مشاهد التعبئة والحشد، لعب فيها الإسلاميون دورا بارزا الى جانب باقي الأطياف الأخرى، مشهد يعيد الى الأذهان التجارب السابقة، إذ يحاول الإسلاميون العودة إلى المشهد في الرقعة العربية عبر بوابة غزة، بعدما تراجعت شعبيتهم بشكل كبير، تراجع ارتبط بعدة عوامل وسياقات رغم اختلافها، إلا أنها على ما يبدو ساهمت في إنهاء تجربة الإسلام السياسي في بعض الدول العربية.

– اتساع موجة التخوين والطائفية في صفوف المجتمعات، ففي الحالة المغربية، يمكن الإشارة إلى ملاحظتين أساسيتين:
الأولى : اتساع دائرة العداء للمكون اليهودي العبراني، معطى يرتبط بشكل مباشر بما تفعله إسرائيل في غزة. إذ أن مشاهد القتل والبطش يقوي ويغري التيارات الجهادية المتطرفة لإعادة إنتاج خطاباتها التحريضية والعدوانية التي تنهل من قاموس ديني جرى تحريفه.
ثانيا : هناك خلط على مستوى مفهوم التطبيع بين المفهوم السياسي والمفهوم الشعبي، أدى إلى نوع من التخوين والانقسام في بعض الأوساط. إذ لا يختلف اثنان على أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وبالتالي فالتطبيع في شقه الرسمي والسياسي، يحاول أن يقدم أجوبة جيوسياسية مرتبطة بالتحالفات والدفاع عن المصالح العليا للبلاد، أما التطبيع الشعبي فيستلزم شروط أخرى، غير أنه مستبعد في ظل الظروف الراهنة، حيث إن إسرائيل بممارساتها الانتقامية ضد سكان غزة العزل أعادت عقارب الساعة الى الوراء.

لذلك، هناك من يحاول أن يحدث انقسام مجتمعي، من خلال اجترار ثنائية من مع ومن ضد التطبيع!!! أسئلة مسمومة وغريبة عن البيئة المغربية، وغايتها تصفية الحسابات السياسية وحتى الشخصية.

التطبيع أو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مختلف الكيانات هي خيارات دول بالدرجة الاولى، تتم وفق تقديرات معينة وحسب المصلحة، أما التعبيرات الشعبية وإن كانت محكومة بهواجس عاطفية، فلا يمكن القفز عليها وتجاوزها خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات أبعاد إنسانية وعقائدية.

 

-أستاذ العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News