رأي

دور الدولة ورأس المال البشري في مواجهة الأزمات والكوارث

دور الدولة ورأس المال البشري في مواجهة الأزمات والكوارث

الأزمات والكوارث بأنواعها المختلفة، قديمة قدم التاريخ، وهي جزء من نسيج الحياة الإنسانية في أي مجتمع، وسمة من سمات الحياة المعاصرة، وقد ازدادت خطورتها في العصر الحالي، الذي يطلق عليه البعض أحياناً “عصر الأزمات والكوارث”، فأصبح مصطلح الأزمة أو الكارثة من المصطلحات الشائعة في لغتنا اليومية.

لتقليص تبعات الكوارث الطبيعية عموما و الزلزال خصوصا، يحاول العلماء البحث في كيفية مواجهتها باعتماد مختلف المقاربات لكن دون نجاح إلى اليوم، أهم هذه المقاربات دراسة و تقييم نوعية الطبقات الأرضية لتقدير حجم الأضرار الذي يمكن أن يصيبها، ومحاولة وضع معايير البناء المناسبة، كما أن دراسة و تحليل الظاهرة الزلزالية خصوصا المرتبطة بمجموعة متعددة من العلوم التكنولوجية و حتى الإنسانية، لكن بالرغم من التطورات الكبرى الذي شهدته هذه العلوم، إلا أنها لا تستطع إلا تقديم بعض التحاليل السطحية، وبذلك تقييم و تقدير جزافي خطر الزلزال، و تبقى الدراسات الخاصة بتأثير الكوارث الطبيعية محدودة على الأقل بالنسبة للعلوم الإنسانية عموما، الاقتصادية و المالية خصوصا.

في السنوات الماضية تابعنا كيف تدار الأزمات في الدول المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة التي تعرضت إلى كوارث طبيعية شديدة، لكنها كانت تأخذ إجراءات احترازية كإجلاء وإخلاء المناطق من المواطنين تحسبا لكل الاحتمالات التي يتم التنبؤ بها من مراكز الرصد، ناهيك عن جاهزية فرق الإنقاذ والفرق الفنية والإعلام في التعامل مع الكوارث. في هذه الاخيرة قد تحدث أمور غير متوقعة وخارجة عن السيطرة لكن الإدارة الناجحة تظل فاعلة، وتتعاطى مع المستجدات، لذلك فإن إنشاء مركز وطني لإدارة الكوارث الطبيعية ليس ترفا إنما حاجة ضرورية بالمغرب.

يقصد بالكوارث الحوادث التي تسبب الدمار الشامل والواسع والمعاناة الشديدة؛ فالكارثة حالة مدمرة حدثت عن فعل ينجم عنه أضرار في الأرواح والممتلكات، وهي حدث مروع يصيب قطاعا من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة، وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وعجز في التنظيمات الاجتماعية، وفي سرعة الإعداد للمواجهة، ومن ثمة تعطي الفوضى في الأداء على كل المستويات.

إن تكرار حدوث ظاهرة الزلزال، وهو نتيجة حتمية لموقع المغرب في منطقة النشاط الزلزالي، مما يجعله يعرف باستمرار الظاهرة كان منها ما هو ضعيف الشدة وقليل الخسائر، ومنه من كانت شدته مرتفعة وخسائره عظيمة كما حدث على مستوى منطقة الحوز.

المغرب دولة كبيرة، حجما وشعبا ومقدرات؛ وليست الزلازل في المغرب بالشيء المفاجئ أو المستغرب، وليس ثمة شك في أن المملكة ستنهض من تحت ركام الزلزال، الذي سيتحول في النهاية، كما زلزالي أكادير 1960 وزلزال الحسيمة 2004، إلى مجرد ذكرى حزينة وتاريخ.

ولكن مسيرة النهوض ومواجهة عواقب الزلزال لن تكون يسيرة؛ لقد كان هذا زلزالا هائلا، ألقى بأعباء بالغة على كاهل البلاد، أعباء لم تكن متوقعة على الإطلاق، تزداد حجما ووقعا بمرور الأيام والساعات. ثمة مئات الألف من الوحدات السكنية التي انهارت، ولابد من إعادة بنائها من جديد. وليس من المستبعد أن يرتفع إلى أكثر من العدد المعلن عليه لحدود اللحظة والذي قارب حاولي 2122 قتيلا، عدد الجرحى تجاوز حوالي 2421 مصابا. والمؤكد أن يترك الزلزال خلفه متغيرات ديمغرافية واقتصادية واسعة النطاق في منطقة واسعة من منطقة الحوز.

ليس ثمة دولة يمكنها أن تضع حسابات مسبقة للزلازل، مهما كانت طبيعة تجاربها مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية. ولكن الزلازل بهذا الحجم والوقع لابد أن تأتي معها بآثار اقتصادية مهمة، إن الوقاية من الكوارث الطبيعية، كما هو الحال بالنسبة إلى حماية الأشخاص والممتلكات هي من مسؤوليات الدولة في المقام الأول ولذلك فهي تخصص اعتمادات مالية، وتنجز دراسات وتصمم مخططات وتلتزم أيضا بالتطبيق الفعلي لها بناء على الإمكانيات والوسائل المتاحة. كما أن تنظيم الدفاع المدني يتوقف من جهة على عمل هياكل الدولة، وعلى فعالية الاحتياطات ومخططات الطوارئ الموضوعة محل تنفيذ على كافة الإقليم والجهات، وبالتالي فان الجهود المبذولة في مجال الدفاع المدني هي مشتركة بين عديد القطاعات المؤسسات الحكومية.

ليس التأهب لمواجهة الكوارث إلا عنصرا واحدا فقط من نهج شامل للحد من الأخطار المرتبطة بالكوارث الطبيعية. ومن ناحية ثانية، قد يكون المستوى المناسب للتأهب جوهريا بصفة خاصة إنقاذ الأرواح ومصادر وأرزاق الناس في مواجهة أحداث الكوارث الطبيعية في هذا السياق اتخذت السلطات المغربية، وبناء على تعليمات ملكية سامية سلسلة من الإجراءات تضمنت الخطوات التالية:

– البحث والإنقاذ

نظرا لضخامة وحجم الخسائر البشرية والمادية وصعوبة التضاريس التي وقع بها الزلزال وصعوبة الاستجابة من قبل الجهات بالدفاع المدني سواء تعلق الأمر بالوقائية المدنية أو الدرك الملكي أو القوات المساعدة بمفردهما، كان هناك أهمية كبرى لتضافر جهود هذه الجهات مع القوات المسلحة الملكية، والعمل على إزالة الحدود الفاصلة بينهما من أجل مواجهة هذه الكارثة، حيث تستخدم القوات المسلحة آلية عملها المناسبة والضرورية بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية في الدولة وفقا لخطة معدة مسبقا يجرى التنسيق والتفاهم وعمل التجارب على تنفيذها من أجل ضمان فعالية وانسجام كافة الأجهزة المشاركة.

ولقد سلطت كوارث وأزمات السنوات الأخيرة الضوء على مدى فاعلية دور قدرات عسكرية معينة عندما تجد الأجهزة المدنية نفسها عاجزة عن الاضطلاع بمهمة التصدي، وفي هذا الإطار تقوم القوات المسلحة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ دورها في إدارة الأزمات والكوارث وفقا لقرارات القيادات وتعليمات القائد العليا للقوات المسلحة المليكة، لضمان التبادل السريع للمعلومات، وعمل التحضيرات اللازمة التي تتضمن خطط انتشار واستخدام القوات للقيام بالمهام المختلفة، في ضوء الإمكانيات والقدرات المتاحة.

وفي هذا الإطار قامت القوات المسلحة بتسخير عدد مهم من  الطائرات والمركبات البرية بنقل الأشخاص والمعدات، كما تشارك الطائرات في مهام التصوير والمسح والبحث عن الناجين خاصة في مناطق الجبلية الوعرة، وشاركه القوات البرية في المهام إلى جانب باقي العناصر الأخرى في عملية الإنقاذ والإجلاء، ويتم تحريك القوات والتجهيزات يتضمن ذلك تأمين المعلومات والبيانات الدقيقة عن الكارثة، واتجاهات تطورها، وحجم الخسائر الناجمة عنها بالاستعانة بفرقة الهندسة العسكرية كفرقة خاصة تابعة للقوات المسلحة مختصة في مثل هذه الكوارث، وذلك للمساهمة في اتخاذ القرارات السليمة اللازمة للتعامل السريع مع الكارثة.

أن دور القوات المسلحة في أعمال البحث والإنقاذ والوصول الى أماكن صعبة التضاريس ذات أهمية بالغة بالنسبة للمنطقة الجبلية، كما تتوفر على طائرات الإنقاذ مجهزة بالمعدات الخاصة اللازمة لإتمام عمليات البحث والإنقاذ والإخلاء في المهام التي تصعب على رجال الدفاع المدني إنجازها، وتقوم في هذه الحالات الطائرات العمودية بعمليات البحث عن المفقودين، ومساندة الفرق الأرضية للعثور عليهم، ومن ثم نقلهم.

وتقوم الطائرات العمودية بالهبوط في الأماكن المنكوبة، حيث تحمل المتضررين إلى أماكن أكثر أمنا وسلاما، ويتم ثم نقلهم إلى أقرب مستشفى، أو إلى قاعدة جوية، والبحث عن المفقودين في الأماكن الواسعة.

كما قامت القوات المسلحة بإنشاء المستشفيات الميدانية مجهزة بالأطقـم الطبية، والمعــدات، والأدوية لإسعاف الضحايا بموقع الكارثة، وكذلك تقوم بإمداد شبكات الكهرباء والماء بالإمكانات المتاحة من وحدات الإضاءة المتنقلة، ومولدات الكهرباء المخصصة للطوارئ، والفنيين المختصين، وفتح المسالك الطرقية، وتضع الخطط المناسبة لرفـع كفاءة المستشفيات العسكـرية، وزيـادة قدرتها الاستيعابية لاستقبال الحالات المصابة، وإقامة المستشفيات الميدانية، ودعمها بالأطقم، والمستلزمات الطبية.

– إدارة المعلومات والاتصالات

واجه ضحايا زلزال الذي ضرب إقليم الحوز، أوضاعا نفسية صعبة نظرا لما مروا به من تجارب مؤلمة بسبب الفاجعة، كألم فقدان أحبتهم والنجاة من الموت والقلق من حدوث هزات أخرى. في ظل الوضع القائم يجب أن تصل المعلومات ليس فقط إلى السكان المعرضين للخطر فحسب، بل وللجماهير عامة لا سيما أن الزلزال ضرب على مدار حوالي 500 كلم ووصل إلى مدن بعيدة عن البئرة الزلزالية، ومن المرجح أثناء وقوع الكارثة وبعدها مباشرة، أن يزداد الطلب على آخر التطورات والمعلومات من جانب المتأثرين بالكارثة بصورة غير مباشرة. ومن بين هؤلاء على سبيل المثال ذوو الأسر أو الأصدقاء المعرضون للخطر، أو الأشخاص الذين يريدون التطوع في تقديم المساعدة.  عملت الدولة مباشرة على تقديم معلومات واضحة بالنسبة الى قضايا أساسية من قبيل نوع وكميات الأضرار البشرية (عدد الوفيات والإصابات ودرجتها)، وحجم وطبيعة المساعدة التي ينبغي تقديمها، والمشاكل الرئيسية التي تواجهه عملية الإنقاذ، أو الثغرات التي تواجه المساعدة. وتم الإبلاغ عن المعلومات بصورة فعالة وفي الوقت المناسب للجمهور على نطاق أوسع، مع تنظيم علاقات قوية مع ووسائل الإعلام الوطنية والدولية. وعملت وزارة الداخلية باعتبارها القطاع الحكومي التي عهدت إليه مهمة تنسق عملية الإنقاذ والإغاثة بالكشف عن المعطيات الرسمية وتحينها في تنسق تام مع السلطات المحلية والإقليمية على مستوى المناطق المتضررة.

– إدارة البيانات

موازاة مع عملية الإنقاذ شرعت السلطات المختصة في جمع البيانات وإدارتها طوال هذه الفترة. وهذا ليس من شأنه فقط أن يزيد من مساءلة تقييم الآثار ووضع مخططات لإعادة الإعمار بل الاستفادة من الدروس للأغراض الاستجابات المقبلة..

– رأس مال الاجتماعي المغربي في مواجهة الكارثة

لقد حملت كارثة “زلزال الحوز” بما حملته من مآسي وآلام كبيرة لشريحة كبيرة من المغاربة، وكانت مناسبة فعلية واستثنائية ثانية بعد أزمة وباء كورونا لاختبار مدى قوة رأس المال الاجتماعي المغربي بمظاهره الإيجابية.

تجلى المظهر الأول في التضامن “التكافل” الاجتماعي بشكل واضح في الأيام الماضية من خلال مجمل أنواع المساندة المادية والمعنوية، الفردية والجماعية. ظهر التكافل الاجتماعي المعنوي في انتشار مشاعر التعاطف والحزن والدعاء والتمني بالسلامة والمواساة وتطييب الخواطر للجميع. أما التكافل المادي، وهو الأهم في مثل هذه الظروف، فقد تجلى في عمليات المساهمة من قبل أعداد كبيرة من المواطنين خاصة الشباب منهم في مشاركة السلطات الرسمية رفع الأنقاض والإجلاء واستضافة الأسر المنكوبة، وصولا لتقديم التبرعات والمساعدات المادية -النقدية والعينية- داخل المملكة وخارجها، وانتقلت أعداد كبيرة من القوافل المساعدة الإنسانية المكونة من مختلف المواد الغذائية والأغطية والملابس …وغيرها من المستلزمات الضرورية من مختلف جهات وإقليم المملكة.

كما تجلت أشكال أنخرط المجتمع المدني المغربي لكافة مكوناته في اندفاع فئة كبيرة نحو العمل التطوعي والانخراط المجتمعي عبر تشكيل فرقا ومجموعات شبابية تطوعية للمساهمة في عمليات الإنقاذ والاستجابة للمساهمة في رفع الأنقاض والبحث عن الناجين تحت الركام. إلى جانب ذلك، وأكملت الفرق التطوعية الشبابية المُشكّلة حديثاً منها أو المنظمة مسبقاً، أعمالها عبر دعم جهود الإيواء المؤقت، وتقديم الغذاء والإسعافات الأولية والنقل للمتضررين من كارثة الزلزال.

كما شارك الأف المواطنين المغاربة، بمراكز تحاقن الدم بمختلف المدن المغربية، في عملية تضامن كبيرة واستثنائية، وذلك من خلال التطوع بشكل جماعي للتبرع بالدم من أجل مساعدة ضحايا الزلزال.

إن إدارة الكوارث هي عملية للاستعداد للكوارث والاستجابة لها بفعالية. وهو ينطوي على تنظيم الموارد تنظيما استراتيجيا لتقليل الضرر الذي تسببه الكوارث. وينطوي أيضا على نهج منهجي لإدارة مسؤوليات الوقاية من الكوارث والتأهب لها والاستجابة لها والتعافي منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News