رأي

المغرب والجزائر ومجموعة بريكس

المغرب والجزائر ومجموعة بريكس

ظلت الأزمات تظهر على المستوى العالمي منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني. يواجه عدد غير قليل من البلدان، وخاصة تلك الموجودة في الغرب، تضخما معوقا وتكاليف طاقة لا يمكن تحملها وركود يلوح في الأفق ونقص الغذاء. ومع ذلك، أظهرت دول البريكس حساسية وضعفا أقل بكثير من الدول الغربية وسط هذه التحديات، وتتوفر دول المجموعة على مؤشرات اقتصادية مهمة حيث تضم ثلاثة مليارات شخص، وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و20 في المائة من التجارة، وحوالي 25 في المائة من الاستثمار المباشر، والاحتياطيات الدولية مجتمعة لدول البريكس تمثل حوالي 35 في المائة من احتياطيات العالم.

منذ عام 2022، ارتبطت آفاق مجموعة البريكس بشكل أساسي بتوسعها؛ وأعربت العديد من الدول عن نيتها الانضمام إلى الرابطة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا والجزائر والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا (كانت الأرجنتين وإيران أول من قدم طلبات رسمية للعضوية)، وكانت إحدى القضايا الرئيسية التي نوقشت مؤخرا في المنتديات ووسائل الإعلام تلك المتعلقة بالتوسيع محتمل للمجموعة، وأعلنت هذه الأخيرة في قمة جوهانسبورغ على دعوة الأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة لتصبح أعضاء كاملي العضوية في مجموعة البريكس على أن تدخل بشكل رسمي في الاول من يناير 2024.

في سياق ذاته رفضت مجموعة “بريكس” الطلب الرسمي التي تقدمت به الجزائر للانضمام إلى المجموعة، ويعد بمثابة “موقف سلبي” من المجموعة نحو الجزائر، التي كانت تعول على علاقاتها المهمة مع جنوب إفريقيا وتحالفها التاريخي مع روسيا؛ حيث شكلت الزيارة الأخيرة لرئيس الجزائري إلى موسكو أهمية كبيرة من أجل تدعيم ملف ترشح الجزائر إلى المجموعة، تبعتها زيارة أخرى إلى الصين قبيل اجتماع مجموعة بريكس، وعملت الجزائر كل ما بوسعها من أجل أقناع الدول الأعضاء  وحشد الدعم الديبلوماسي من أجل الانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي الذي يسعى لمواجهة الهيمنة الغربية على المستوى الدولي. إضافة إلى المراهنة على تعاطفها الإيديولوجي لدخلوها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن التكتلات الاقتصادية والتجارية في العلاقات الدولية الراهنة، لا تتخذ الإيديولوجية أو الخطابات السياسية معيار أساسيا للالتحاق بها، فالحسابات الواقعية والمعطيات الاقتصادية تعد شرطا ضروريا وبرغماتيا للانضمام إلى مجموعة البريكس.

عوامل رفض الطلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة البريكس

إذا كانت الجزائر تعتمد على الأفضلية في تصدير النفط والغاز لتعزيز المجموعة، وهو أمر كان ممكن تماما بموجب العقوبات المفروضة على روسيا والعلاقات الصينية الأمريكية المتوترة. إلا أن دخول المملكة العربية السعودية وإيران، المنتجين الرئيسيين للنفط على المستوى العالمي، إلى مجموعة البريكس بشكل رسمي، قد أفقدت الجزائر الأمل في أخر ورقة التي كانت تدافع بها من أجل الانضمام إلى المجموعة المذكورة.

بالنسبة للجزائر، ظلت مجموعة البريكس مثيرة للاهتمام كهيكل منفصل يكمل السوق العالمية للمنتوجات النفطية الجزائرية. وتعددت أسباب رفض مطلب الجزائر من قبل دول الأعضاء، وأهمها أنه ومن الصعب إدماج الجزائر في الاقتصاد العالمي بعض 60 عاما من الاستقلال، طورت البلاد نظاما بيروقراطيا جامدا للإدارة الاقتصادية مع قطاع عام مهيمن، وهياكل أساسية ضعيفة، وأنظمة مصرفية وضريبية متخلفة. فالاستثمارات الداخلية بل والخارجية يعوقها الإفراط البيروقراطي في التنظيم والفساد. فالتصنيع والزراعة والخدمات متخلفة، والفقر، والهجرة الجماعية إلى فرنسا أنقذت الجزائر من معدل البطالة الكارثي. كما أعاق انعدام الاستقرار التنمية في الجزائر من خلال الحرب الأهلية 1991-2002، بناء نموذج اقتصادي قائم على الصادرات البترولية، كما تشكل زيادة الناتج الداخلي الخام إحدى العقبات أمام انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس، وتواضع ناتجها الداخلي الخام الذي بلغ 163 مليار دولار في 2021، وفق بيانات صادرة عن البنك الدولي. إضافة إلى المعطي الاقتصادي فإن الجزائر لا تتوفر على وزن وهيبة أو مواقف تابته على الصعيد الدولي. إن الجزائر بنموذجها الاقتصادي الذي يراهن على الأحادية الاقتصادية التي ترتكز أساسا على عائدات النفط والغاز، لا يمكن بأي حال من أحوال أن يمنح النظام العسكري موقع قدم داخل مجموعة لا تأمن إلا بالمعطيات الاقتصادية والبرغماتية السياسية.

إن رفض الجزائر للانضمام إلى المجموعة كان متوقعا، نظرا للأسباب المذكورة أعلاه، المرتبطة بكون الاقتصاد الجزائر ليس اقتصادا تنافسيا، ولا يملك مقومات الانضمام، علاوة على عدم جدية النظام العسكري الجزائري، برغم من الرشاوي الجزائرية لدول الأعضاء والتزام الجزائر بضخ حوالي 1.5 مليار دولا في بنك البريكس، بالإضافة إلى صفقات السلاح مع روسيا والصين والتي بلغت مليار الدولارات، في أفق إقناعها بتسهيل عملية الانضمام. هذا الضربة الموجعة تظهر مره أخرى فشل النظام الجزائري، وينفى كل ما روج له تبون في مناسبات عديدة حول وجود إجماع بين دول الأعضاء في منظمة بريكس على مسألة انضمام الجزائر، وعليه فإن هذا أمر طبيعي على استمرار النظام الجزائري في مراكمة الفشل نتيجة سياساته واختياراته الخاطئة.

جدل انضمام المغرب للمجموعة

يتردد سؤال دائما حول جدوى انضمام المغرب لمجموعة البريكس. دعونا نقول أن برغم من المعطيات الاقتصادية والنقدية التي تتمتع بها المجموعة، إلا أنها ظلت عديمة التأثير السياسي في هياكل النظام الدولي،  ثمت هناك حقيقة أن البريكس لم تحقق الكثير منذ نشأتها، وأنها مجرد إطار للتنسيق وليست تكتلا اقتصاديا أو منظمة دولية بمعنى الكلمة والواقع أن المجموعة، في شكلها التنظيمي والقانوني، ليست منظمة دولية أو رابطة مشتركة بين الدول منشأة بصورة قانونية فليس هناك ميثاق أو قواعد لسلوك الأعضاء أو التزامات متبادلة، أو هيئة إدارية (أمانة عامة)، أو تنسيق تقني للأنشطة، واجه أعضاء مجموعة البريكس بالفعل مشكلة وضع إجراءات ومبادئ ومعايير مقبولة عالميا للتوسيع بعد تلقي الطلبات من عدد من الدول، حيث أن الهند والبرازيل تعارضان توسيع مجموعة، فيما مارست الصين ضغوطا لضم دول جديدة، في محاولة لتحويل المجموعة إلى كتلة ذات وزن إضافي على الصعيد الدولي. إضافة إلى أن بعض دولها تمر بظروف صعبة، أو هناك قدر من التوتر أو عدم التجانس بينها. وأن روسيا منشغلة ومنهكة فى حرب أوكرانيا، وأن الاقتصاد الصينى مازال يعاني تحديات ما بعد جائحة كورونا، وأن هناك انكماشا فى اقتصاديات البرازيل وجنوب إفريقيا وانشغالهما بالتحديات الداخلية. بالإضافة إلى التوتر الحدودى بين الهند والصين، ورؤية الهند للعلاقة مع الغرب، التي قد تختلف عن رؤية كل من الصين وروسيا. وهي مجموعة من “البلدان غير المتجانسة، متحدة حول حل قضايا محددة”، والتي “تفتقر إلى رؤية مشتركة للمنظور طويل الأجل”، كلها معطيات لا تخدم في الصميم مصالح الجيوسياسية للسياسة الخارجية المغربية، خاصة في ظل تواجد دولة عضو تكن العداء المباشر للمملكة في وحدتها الترابية، وتضر بمصالحها الحيوية في القارة الإفريقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News