“اكتظاظ السجون” يُطوق عنق وهبي وسط مطالب بالإفراج عن مشروع القانون الجنائي

أعادت معضلة “اكتظاظ السجون” التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط القضائية، إلى الواجهة تعثر ورش مراجعة مجموعة القانون الجنائي، الذي سحبه وزير العدل عبد اللطيف وهبي من البرلمان منذ أكثر من سنتين، وهو المشروع الذي كان معولا عليه لرفع التجريم عن العديد من السلوكات البسيطة، والتخفيف من حدة اللجوء التشريعي إلى العقوبة السالبة للحرية.
وتزامنا مع النداء الذي أطلقته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بخصوص ارتفاع عدد ساكنة المؤسسات السجنية، تعالت أصوات قضائية وأكاديمية بضرورة التسريع بإدخال التعديلات الضرورية في هذا الباب على القانون الجنائي مع التعجيل بتسريع مسطرة المصادقة على قانون العقوبات البديلة المحال على البرلمان.
وفي هذا الصدد دعت رئاسة النيابة العامة إلى تجاوز كل الصعوبات والإكراهات التي ترتبط بتدبير الاعتقال الاحتياطي ووضعية المؤسسات السجنية في أفق تدخل المشرع في المنظور القريب لإيجاد الحلول التشريعية المنتظرة، سواء ما يتعلق بسن مقتضيات حديثة من شأنها تعزيز بدائل الاعتقال الاحتياطي، والتعجيل بإخراج المقتضيات المتعلقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية، وأيضا قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي بصفة عامة.
ترتيب المسؤولية
عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان سابقا والمحامي بهيئة آسفي رضا بوكمازي أكد أن إشكال الاعتقال الاحتياطي، ” هو سؤال ثقافة وممارسة يجب أن تترسخ بأنه لا يمكن اللجوء إلى الاعتقال إلى في حالات ضيقة وفق ما يقتضيه القانون باعتبار المتابعة في حالة سراح هي الأصل والاعتقال هو الاستنثاء”.
وفي هذا الصدد، يرى بوكمازي ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن مسؤولية الحكومة وأساسا وزارة العدل ثابتة من خلال ما وصفه بـ”العبث التشريعي” المرتبط بسحب القانون الجنائي من البرلمان باعتباره مدخلا أساسيا للحد من الاعتقال الاحتياطي، مسجلا أن وزارة العدل ما تزال تتخبط في إخراج مشروع القانون الجنائي إلى حيز الوجود بالرغم من مرور أكثر من سنتين على سحبه من المؤسسة التشريعية.
وشدد البرلماني السابق على أنه لا يعقل أن يتم تعطيل إخراج مشروع القانون الجنائي إلى حيز الوجود بعد أن قطع أشواطا مهمة تجاوزت خمس سنوات ويتضمن مقتضيات لمعالجة معضلة الاعتقال الاحتياطي من خلال إعادة تعريف بعض الجرائم وبمراجعة العقوبة على المحاولة إضافة إلى مقتضيات أخرى من شأنها التخفيف من وطأة هذه الاشكالية.
تدخل تشريعي
وسجل بوكمازي إلى أن هناك حاجة ماسة لتدخل تشريعي للحد من اكتظاظ السجون، من خلال تدقيق ضمانات الحضور أمام قضاة التحقيق للتقليص من اللجوء إلى مسطرة الاعتقال الاحيتاطي، وذلك بغرض الحد إلى أقصى ممكن من السلطة التقديرية للقضاء للتكييف هل النازلة تقتضي المتابعة في حالة سراح أم في حالة اعتقال، مشيرا إلى أن أن النيابة العامة تلجأ في كثير من الأحيان إلى المتابعة في حالة اعتقال رغم توفر كافة الضمانات الحضور.
وأكد المحامي بهيئة آسفي أن الشرعية القانونية واضحة الأمر يتعلق بتكييف للنيابة العامة ضمن سلطتها التقديرية حول ما إذا كان الشخص المتابع أمامها يتوفر على ضمانات المثول أمامها من عدمها مشيرا إلى أن القانون يمنح قضاة التحقيق بدائل أخرى غير الاعتقال الاحتياطي منها غلق الحدود والمتابعة القضائية لضمان الحضور
ولفت بوكمازي إلى أن اكتظاظ السجون، يتعلق أيضا بارتفاع معدلات الجريمة حسبما أشارت إلى ذلك معطيات رئاسة النيابة العامة، وأوضح بوكمازي أنها نتيجة لوضعية اقتصادية واجتماعية بحيث يصل عدد المعتقلين بتهم جرائم المال (النصب الاحتيال والشيك بدون رصيد..) إلى 30 بالمائة من مجموع الساكنة السجنية بمعنى أن الوضعية الاقتصادية المرزرية لعدد من المواطنين تدفعهم إلى الوقوع في اقتراف الجرائم وهو يفسر الارتفاع اللافت في عدد حالات الجرائم خلال المرحلة الأخيرة.
تعثر القانون الجنائي
من جانبه عزا عبد الرزاق الجباري رئيس “نادي قضاة المغرب” ارتفاع اكتظاظ السجون الناجم عن ارتفاع معدلات الاعتقال الاحتياطي، إلى تعثر ورش مراجعة قانون المسطرة الجنائية، والذي كان معولا عليه لإقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدى، وكذا توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبة.
ونبه الجباري ضمن تصريح صحفي إلى تعثر ورش مراجعة مجموعة القانون الجنائي، والذي كان معولا عليه لرفع التجريم عن العديد من السلوكات البسيطة، والتخفيف من حدة اللجوء التشريعي إلى العقوبة السالبة للحرية، مسجلا أن نسبة لا بأس بها من المعتقلين تقضي مدة الإكراه البدني نتيجة عدم قدرتها على تسديد ما بذمتها من ديون عمومية بناء على مسطرة تحصيل هذه الديون كما هي مقررة في القانون.
ولفت إلى عدم تفعيل مؤسسة الإفراج المقيد بشروط، وهي التي تشرف عليها لجنة إدارية يترأسها وزير العدل أو من ينوب عنه، وتبت في اقتراحات مدراء المؤسسات السجنية نفسها بالإفراج عن بعض من برهن عن تحسن سلوكه، وكان من شأن تفعيل هذه المكنة القانونية بمبادرة من إدارة المؤسسات المذكورة أن يقلص من نسبة الساكنة السجنية.
كما أشار رئيس نادي قضاة المغرب إلى عدم تنفيذ جملة لا بأس بها من الأحكام القضائية القاضية بإيداع محكوم عليهم في مؤسسة للعلاج، إما لانعدام مسؤوليتهم بسبب خلل عقلي، أو لنقصانها بسبب ضعف عقلي، تطبيقا للقانون الجنائي ومراعاة لمبدأ المحاكمة العادلة.