رأي

مونديال السيدات.. هل ستمُرُّ مقابلة المغرب مع فرنسا في إطار قواعد المنافسة الشريفة؟

مونديال السيدات.. هل ستمُرُّ مقابلة المغرب مع فرنسا في إطار قواعد المنافسة الشريفة؟

كرة القدم أصبحت منذ مدة لا يمكن الاستغناء عنها في التوجهات الراهنة لتأكيد المكانة والقوة على الصعيد الدولي، فقد غدت إحدى الآليات التي تعتمد عليها الدول لتشكيل القوة الناعمة، والتي أضحت من أبرز عناصر القوة الشاملة للدول.

لعل ما تحتله كرة القدم من مكانة في سياسة الدول الداخلية والخارجية هو ما يجعل الاهتمام بها يكتسي أهمية بالغة، ولاعتبار تأثيرها متعدد الأبعاد، تصرف الملايير من الدولارات في هذا المجال.

فلا شك أن الناس يستمتعون بمشاهدة مباريات في كرة القدم، كما أن عالم المستديرة يدر الكثير من الأموال، حيث أضحت محركا اقتصاديا محوريا في عالم اليوم، ويجذر التذكير أن كرة القدم كانت مدخلا لتطور العديد من الدول…

ولكرة القدم وظائف أخرى؛ فبقدر ما تساهم في الإحساس بالانتماء ويتم التعبير في إطار ها عن حس وطني (سواء من طرف الممارس أو الجمهور)، لأن مجال اللعبة (كرة القدم) أضحى فضاء لترسيخ قيم معينة أو إعلان أخرى أو لتجسيد موقف (سياسي..)، بقدر أيضا ما تلجأ إليها  الأنظمة السياسية للتحفيز الوطني، أو توظفها الحكومات، خاصة في ظل الانغماس في مشاعر الفرح، لتمرير قوانين معينة أو الزيادة في أسعار المعيشة..!

كان جليا خلال مونديال قطر مدى الصراع القيمي بين منظومات تسعى إلى فرض ذاتها وأخرى تريد حماية نفسها من “الاختراق”، وما إلى ذلك من التوجهات التي ترى فيها “الحضارة العربية الاسلامية” أنها غريبة.. وأخرى تدعي أنها “توجهات” ذات ارتباط بـ”حقوق الانسان”.

فبين هذا وذاك، برزت لعبة كرة القدم أنها ليست فقط مجالا “للعب”، بل حقل شاسع لممارسة الاقتصاد والسياسة والإيديولوجية والدين.. وصناعة القوة!!

لقد جاء “ماكرون” لقطر ليس فقط لكي يتفرج ويدعم منتخب بلاده، بل وعيا منه بما تمثله كرة القدم في صنع “المجد الدولي”، والتأثير في صناعة موازين القوى على الصعيد العالمي. فبالاضافة إلى محاولته استرجاع “موقعة” الداخلي الذي انهار، مع كثرة الأزمات الداخلية التي عرفتها فرنسا في عهده، كان “ماكرون” يمنِّي النفس لاستعادة المكانة الدولية، خاصة وأن فرنسا بَدَت كقزم سياسي على الصعيد الدولي بتوالي النكسات في إفريقيا وتراجعها الكبير فيما يرتبط بالتأثير في صياغة القرار الدولي خلال السنين الأخيرة.

ونظرا للعائد السياسي المهم، الذي يلي الفوز في مباريات كرة القدم، فإنه لأجل ذلك تخاض معارك وتحاك مؤامرات وتوضع دسائس وتبرم “صفقات”!!

وعليه فانهزام المنتخب الوطني لأي بلد لا يمثل فقط المساس بالمشاعر “الرهيفة للجمهور” المقهور، بل للأمر تأثير مباشر على المصالح الوطنية للدول.

فَكُرة القدم لم تعد مجالا لتسليةٍ لحظية فائتة وفقط (قد يكون الأمر كذلك لدى عامة الناس)، بل هي استثمار سياسي (..) تستعمله النخب في كل الاتجاهات، و إلا ماذا يعني تذمر المسؤولين الألمان من خسارة المنتخب الألماني للسيدات وكأن الأمر يتعلق بانكسار قومي زَلزَلَ الكيان الألماني وضرب الجنس الآري في العمق!؟

“التفوق الأوروبي” إديولوجية في أساسها ذات طابع عنصري. لقد بدأ هذا الأمر يندثر شيئا فشيئا ويأخذ طريقه نحو الزوال، وما مجال كرة القدم إلا واحد من “الملاعب” التي تعرف تنافسا وصراعات بين فاعلين جدد وقوى “كروية” (نسبة لكرة القدم) حديثة بدأت تتشكل لتزيح “التفوق” الأوروبي (واللاتيني) من على عرش كرة القدم، لتحتل مواقع الصدارة في اللعبة.

كرة القدم لا تنفصل عن السياسة، كما يروج لذلك البعض؛ أفراد ومنظمات، بل تمتزج معها بشكل كبير، هذا يَدرِيه السياسيون أكثر من غيرهم من عامة الناس، فمن الواضح أن “ماكرون”، وغيره من الأوروبيين، على علم بأن “النجم” الأوروبي في طريقه نحو الأفول والزوال، وهذا ما جعله يلتجئ إلى مختلف الأساليب والحيل، المشروعة وغير المشروعة، أملا في الحفاظ على موقع دولي لم يعد له فيه مكان لا اليوم ولا في المستقبل.

خلال مونديال قطر، برز نجم المغرب وظهر قوةً في مجال كرة القدم، لكن عقدة الفرنسيين وعدم قبولهم بهذا الواقع الجديد جعلتهم يسلكون طرقا غير قانونية أفضت إلى تغيير مسار المنافسة الشريفة، مما أثَّر بشكل واضح في نتيجة مباراة المغرب وفرنسا في نصف نهاية كأس العالم.

إن “خبراء الاستشراف” الفرنسيين لهم ما يكفي من المعطيات التي تؤكد أن المغرب قادم، لا محالة، ليحتل في المستقبل  مساحات في مجالات أخرى على الصعيد الإقليمي والجهوي، خاصة في إفريقيا، وهذا ما يدفع صانعي “الأفكار” في فرنسا إلى العمل في اتجاه محاصرة المغرب، سواء في مجال الرياضة أو غيره من المجالات، وذلك بهدف هيكلة علاقة فرنسية مغربية تتَّسِم بنوع من التبعية!!

وهذا يعطي الانطباع بأن هؤلاء “الخبراء”، غير مُدرِكين، ولا يُريدون أن يُصَدِّقوا، كَوْن المغرب أضحى فاعلا مستقلا وقادرا على مجابهة العقلية الاستعمارية التي ما زالت تحكم العديد من صانعي القرار في فرنسا.

واضح أن كل خطوة مغربية نحو الأمام تفاجئ الفرنسيس وتشكل عقدة لديهم (رغم أنها مسألة تطور طبيعي)، فالأحداث في تقدم والمغرب ماض وهؤلاء ما يزالون وكأنهم في سياق القرن العشرين، لذلك لابد من الانتباه أن فرنسا لن تتقبل أن يكون المغرب ويقف ندا لفرنسا ولو في مجال كرة القدم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News