سياسة

“الجدية”.. الملك يقدم مفاتيح الخروج من الأزمة ويستنفر مؤسسات الدولة لتدارك الأخطاء

“الجدية”.. الملك يقدم مفاتيح الخروج من الأزمة ويستنفر مؤسسات الدولة لتدارك الأخطاء

بتركيزه خلال خطاب الذكرى الـ24 لعيد العرش على قيمة الجدية التي قال إنها يجب أن تظل مذهبنا لمواصلة الإصلاحات ومراكمة تحقيق الإنجازات، يضع الملك محمد النقط على الحروف، ويرسم خاطرة طريق المملكة لمواجهة التحديات المستقبلية التي تفرض نفسها على المغرب وسط بحر هائج بالتحولات والتقلبات والاهتزازات على جميع الأصعدة.

ويرى مراقبون للشأن السياسي المغربي، أن الملك قدم في هذا الخطاب الذي كرر فيه الحديث عن “الجدية” لأكثر من 15 مرة، مفاتيح الخروج من الأزمة ودفع مؤسسات الدولة ومختلف المدبرين العمومين في الحكومة والبرلمان والمؤسسات المنتخبة لتدارك الأخطاء عبر التحلي بالجدية كقيمة نموذجية مركزية، والتي تشير بشكل أساسي إلى قواعد العمل والصرامة والاحترام.

وقال الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، إن “الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل الحياة السياسية والإدارية والقضائية، من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.

وأوضح العاهل المغربي أن “الجدية التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال”، مضيفا: “الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص”.

عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد أن خطاب العرش لهذه السنة نحا منحى آخر، وأوضح أنه “إذا كانت الخطب السابقة ركزت على الجوانب المؤسساتية والقانونية والتنظيمية سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي والدعوة إلى تقوية عمل هذه المؤسسات وترسيخ مبادئ الحكامة، فإن خطاب الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، اهتم بشكل لافت بالجانب القيمي، خاصة ما يتعلق بالسلوك العام للمواطنين المغاربة”.

نجاعة التدبير العمومي

وسجل أدمينو ضمن تصريح لـ”مدار21″ أن الخطاب الملكي الأخير موجه لكافة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمدنيين، بضرورة استحضار البعد القيمي في العملية الإصلاحية، لأن البعد القيمي موجه لسلوك الإنسان ويصبح خاضعا لمجموعة من القواعد والمبادئ والمعايير التي من شأنها أن تعطي الفعالية المطلوبة للبناء المؤسساتي.

ويرى أستاذ القانون الإداري أن الجدية مفهوم متكامل يرتبط بضرورة وضع قواعد عملية تركز على الالتزام والتفاني في العمل وخدمة المصلحة العامة والتوجه نحو خدمة المواطنين ومراعاة مصالح الوطن والحرص على تكريس مبادئ الاستحقاق والمساواة وتكفاؤ الفرص وهي كلها مبادئ موجهة للجانب العملي في التدبير العمومي.

ولفت أدمينو إلى دعوة الخطاب الملكي إلى استثمار القيم الحضارية التي تميز التراث المغربي الأصيل في التلاحم والتماسك الأسري والعائلي، مستحضرا تجربة المنتخب الوطني بـ”مونديال قطر “وكيف تحول هذا الإنجاز من معادلات رقمية في التأهل إلى نصف نهائي كأس العالم لأول مرة في تاريخ كرة القدم الوطنية إلى تمثل أبعاد آجتماعية وعائلية من خلال تكريس العلاقة بالأسرة والارتباط بالوحدة الوطنية وبرموز البلاد.

وقال إن الخطاب الملكي الأخير شدد على ضرورة استثمار الجدية لتجاوز جوانب القصور في التدبير العمومي، بحيث يجب أن تكون قيمة الجدية موجهة لسلوك النخب السياسية والحزبية والمدبرين العموميين وأعضاء الحكومة والمنتخبين في مختلف الهيئات التمثيلية، وأوضح أن كل مسؤول مغربي معني بالجدية وفق ما جاءت في خطاب العرش في المجال القضاء على سبيل المثال على مبادئ الإنصاف والعدالة واحترام حقوق وحريات الناس.

ولاحظ الأستاذ الجامعي أن التطورات الحاصلة في مجال التدبير العصري، ركزت على الجوانب التقنية والمعيارية في مقابل تهميش الجوانب القيمية والأخلاقية والإنسانية، وسجل أنه “في نهاية المطاف مهما طورنا بنياتنا المؤسساتية ووضعنا قواعد قانونية ومعيارية دون تشبث من يعهد إليهم بتطبيقها بمبادئ الجدية فلن تؤتي أكلها وسنكون إزاء نتائج محدودة الأثر”.

من جانبه، أكد عبد النبي صبري، أستاذ القانون العامة بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الجدية التي تحدث عنها الخطاب الملكي، ستكون عنوانا للمرحلة المقبلة وستشمل كافة إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وأيضا القطاع الخاص وكافة المؤسسات الوطنية داخل البلد.

الجهاد الاجتماعي

وسجل صبري ضمن تصريح لـ”مدار21″ أنه كان من اللافت للانتباه أن هناك التقائية تامة ما بين أول خطاب للعرش وبين خطاب الذكرى الأربعة والعشرين على مستوى الجانب الاقتصادي الذي ركز عليه سنة 2000 من أجل خلق الثروة، مشيرا إلى أنه بعد مرور 23 سنة تبين أن ما تحقق لحد الساعة مهم، لكن الأهم من ذلك أن تكون الجدية شعار هذه المرحلة من أجل بلورة اقتصاد واطني واعد يتسع لجميع المغاربة مع يتطلبه ذلك من التركيز على الاستثمار المنتج الذي يعني الموازنة ما بين المردودية والموارد.

وشدد الأستاذ الجامعي على أنه “يجب أن تكون المردودية واعدة في هذا المجال ضمن أي مخطط انتهجته الحكومة حالا ومستقبلا من خلال مراعاة الاستثمار المنتج”، مضيفا و”بالتالي أي برنامج على مستوى يتعين أن يأخذ بعين الاعتبار مدى توافق الموارد المرصودة والأهداف المنتظرة مع النتائج المحققة وعما إذا كانت هذه المشاريع حققت المردودية بشكل جدي وهل استفاد الجميع من هذه المردودية أم كانت حكرا على فئة بعينها”.

ويرى صبري أن الإنتاج الناجع يقتضي أعمالا فضلى وتطهير الاقتصاد من العقليات التي ما تزال تحد من نجاعته والتي تسعى إلى مراكمة الثروات والأرباح على حساب الطبقات المستضعفة، وزاد: “وهو أمر وفق خطاب العرش لم يعد ممكنا ولم يعد مقبولا التساهل معه وهو يعني الانتقال السريع إلى التدبير المبني على النتائج والجدية بدل التدبير العمومي المبني على الوسائل”.

ويرى أستاذ القانون العام بجامعة الرباط، أن التداخل بين الجدية التي تحدث عنها الخطاب الملكي والجهاد الاجتماعي الذي سبق التأكيد عليه في الذكرى الأولى لعيد العرش، معناه أنه على المسؤولين والمدبرين العموميين من حكومة وبرلمان وجماعات ترابية وكافة القطاعات أن يكونوا مستعدين لتنزيل الجهاد الاجتماعي على كافة المستويات خاصة على مستوى الصحة الذي يتعين يدبر بطريقة جدية تقطع مع أساليب الماضي.

وسجل صبري أنه “لا يعقل أنه في كثير من الأحيان توفر الدولة موارد وإمكانية مالية ولوجستيكية هائلة لكن عندما تزور بعض المراكز الاستشفائية بالمملكة، تطرح سؤالا عريضا حول أسباب غياب الجدية في ظل غياب عقليات تستجيب لتحديات القرن الحادي والعشرين والأمر نفسه ينطبق على قطاعات اجتماعية أخرى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News