مجتمع

دارسة رسمية: 50 بالمئة من الآباء يُشجّعون الأساتذة على معاقبة أبنائهم والأولاد أكثر الضحايا 

دارسة رسمية: 50 بالمئة من الآباء يُشجّعون الأساتذة على معاقبة أبنائهم والأولاد أكثر الضحايا 

أظهر تحليل موقف تلامذة مغاربة تجاه العقوبات التي يتعرضون لها في مؤسساتهم التعليمية أن 40.3 بالمائة منهم يرون أن تلك العقوبات “عادلة للغاية”، بينما يعتبرها 35 بالمائة منهم “عادلة إلى حد ما”، حسبما كشفته  نتائج دراسة ميدانية أفرج عنها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

وتكشف نتائج هذه الدراسة استمرار ممارسة العقاب الجسدي في المؤسسات التعليمية رغم حظره رسميا وهي تؤكد بذلك من جديد ملاحظة سبق أن أثبتتها مختلف الدراسات التي تناولت العنف في الوسط المدرسي في المغرب خلال السنوات العشرين الماضية.

أقوال متعارضة

وأدلى الأولاد والبنات في التعليم الثانوي كذلك بآراء متباينة على العموم حول مدى “عدالة” العقوبات المدرسية وخاصة عندما يتعلق الأمر بآراء حاسمة، حيث اعتبر تلك العقوبات “غير عادلة للغاية” و7.3 بالمائة من الفتيات و12 بالمائة من الفتيان بينما وصفها 44.7 بالمائة منهن و35.5 منهم بأنها “عادلة للغاية”. وعلى العكس من ذلك يرى 9.5 بالمائة من أولئك التلامذة أنها “غير عادلة “للغاية” و15.2 بالمائة أنها “غير عادلة إلى حدّ ما”.

وسجلت الدراسة التي يتوفر “مدار21” على نسخة منها أنه في التعليم الثانوي هناك نسبة التلامذة الذين يعارضون بشكل واضح العقوبات في المدرسة وهي نفسها تقريبا في وسطى التعليم وقطاعيه.

ومن ناحية أخرى تؤكد بيانات البحث الكيفي، أن أغلبية تلامذة التعليم الثانوي ينظرون إلى تلك العقوبات على أنها “عادلة”، ويقول أحدهم على سبيل المثال: ” أعتقد أن عدم اللجوء إلى العقاب قد أدى إلى الكثير من السلوكات المنحرفة سواء داخل المدرسة أو داخل المجتمع.

ورأت الدراسة الميدانية التي أجراها “مجلس المالكي”أنه من الصعب التمييز في أقوال التلامذة المتعارضة بطبيعتها بين “قبول العقاب” والخوف من الكشف عنه، مشيرة إلى أن هذه الصعوبة لوحظت كذلك في الدراسات السابقة المخصصة للعنف في الوسط المدرسي في المغرب.وهذا ما يعكس قبول البعض “للعقاب كوسيلة للحفاظ على النظام حتى لو كان محظورا بحكم القانون والمبادئ الكبرى للبيداغوجية”.

آراء في العقاب البدني

وفقا لتصورات التلامذة وتصريحاتهم، أوضحت الدراسة التقييمية المنجزة بشراكة مع منظمة “اليونيسيف”، أن آراء أباء وأمهات التلامذة فيما يخص العقاب والعقاب الجسدي على وجه الخصوص محسوبة بين أقلية تعارض مثل هذه الممارسات وأغلبية تواصل إضفاء الشرعية عليها.

وبحسب المصدر ذاته، قدمت عبارة “يوافق والدي على أن يضربني الأساتذة إذا أسأت السلوك” لتلامذة المدراس الابتدائية، وطلب منهم إن كانوا يوافقون عليها أم لا، وبناء على إجاباتهم يبدو أن واحد من كل اثنين من الآباء (49.7 بالمئة) يقبلون أن يعاقب أطفالهم بالضرب من قبل الأساتذة إن أساؤوا التصرف.

ويقول 24 بالمائة من أولئك التلامذة، وفق الدراسة الميدانية، إن والديهم يعارضون ذلك ويقول 26.3 بالمئة منهم إنهم لا يعرفون رأي والديهم في هذا الموضوع.

ولا تختلف تصورات تلامذة المدراس الابتدائية لآراء والديهم في هذا الموضوع تبعا للجنس اختلافا كبيرا، وعلى العكس من ذلك يمارس قطاع التعليم ووسطه تأثيرا أكثر دلالة على تلك التصورات. وبالفعل فقد قال 27 بالمئة من التلامذة في المناطق القروية مقابل 21.9 بالمائة من أقرانهم في المؤسسات الحضرية، إن “آباءهم لا يوافقون على أن يتعرضوا للضرب إذا لم يتصرفوا بشكل جيد”.

وفي قطاع التعليم الخاص قال 40.2 بالمائة من التلامذة إن آباءهم يوافقون على العقاب الجسدي مقابل نسبة أعلى (52.3 بالمئة) من تلامذة المؤسسات العمومية الذين أكدوا نفس العبارة.

ولا يختلف موقف آباء تلاميذ التعليم الثانوي اختلافا كبيرا عن موقف آباء تلامذة التعليم الابتدائي العبارة المقدمة لهؤلاء التلامذة لإبداء رأيهم فيها أوسع وهي يشجع والدي الأساتذة على معاقبتي إذا تكاسلت عن عملي أو إذا كان سلوكي سيئا تتعلق أجوبتهم برأي والديهم في العقاب بشكل عام.

وبما أن هؤلاء التلامذة أكبر سنّا من تلامذة الابتدائي، فإن أجوبتهم كانت “أكثر دقة” في التعليم الثانوي، تقول الدراسة التي نقلت أن 35.6 بالمائة و28.4 بالمائة من التلامذة يؤكدون أن والديهم “يوافقون تماما” أو “يوافقون إلى حد ما” على التوالي على لجوء الأساتذة إلى العقاب في حقهم في حالة خرقهم لقانون المدرسة.

وقال 13.4 بالمئة إن أباءهم “لا يوافق على ذلك إلى حد ما “، كما قال 22.7 بالمئة منهم إن آباءهم “لا يوافق عليه إطلاقا” وأوضحت دراسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أن هذه التباينات تقريبا تلاحظ بين البنات والبنين.

تباينات دالة

من ناحية أخرى، يلاحظ أن الفرق بين مواقف الآباء من العنف ضد أولادهم “دال” تبعا لقطاع التعليم ووسطه، حيث يوافق “موافقة تامة” حوالي تلميذ من كل خمسة تلامذة في قطاع التعليم الخاص (20.8 بالمئة) مقابل  ب39 بالمائة من تلامذة القطاع العمومي على أن آباءهم يشجعون الأساتذة على معاقبتهم، إذا تكاسلوا أو تهاونوا في عملهم أو إذا تصرفوا بشكل سيء، وتنطبق الملاحظة نفسها على 33.8 بالمائة من التلامذة في الوسط الحضري مقارنة ب39.6 بالمئة من أقرانهم في الوسط القروي.

وعلى العكس من ذلك، فإن نسب تلامذة التعليم الثانوي الذين “لا يوافقون تماما” على أن آباءهم يشجعون الأساتذة على معاقبتهم تختلف بدورهم بوضوح وفقا لقطاع التعليم ووسطه: 30.1 بالمئة من تلامذة التعليم الخاص

مقابل ذلك، أظهرت الدراسة أن  21 بالمائة من تلامذة التعليم العمومي و23.3 بالمئة من تلامذة المناطق الحضرية مقابل 21.4 بالمئة من التلامذة القرويين.ويتعلق الأمر بالنسبة للوسط بنفس الملاحظة ولكن بدرجة أقل.

وتؤكد بيانات الدراسة الكيفية بدورها أن جزءا كبيرا من الآباء يقبلون بوضوح أن يعاقب الأساتذة أولادهم وأن يعاقبوهم عقابا بدنيا على وجه الخصوص وغالبا ما يوصف هذا القبول بأنه اتفاق “ثقافي” وتعتبره كذلك الدراسات التي خصصت للعنف في الوسط المدرسي بالمغرب

وتنقل الدراسة الميدانية أن  أب تلميذ في مدرسة ابتدائية قوله: “في حال تصرف ولدي بشكل غير لائق يمكن للمعلم أن يعاقبه وأن يضربه برفق ويمكن له أن يوبخه أو يهدده بالعقاب الجسدي إذا لم يقم بواجبه المدرسي”.

ولكن هذه البيانات تشهد أيضا على التطورات التي تعرفها اتجاهات الآباء إزاء هذه الظاهرة، لأن الآباء الذين يرفضون بشكل واضح هذا النوع من الممارسات وخاصة منها العقاب البدني، لم يعودوا يقبلون معاقبة أولادهم في الوسط المدرسي، ويقول مدرس في مدرسة ابتدائية: ” في بعض الأحيان يخبر الأطفال والديهم عن العقوبات التي نالوها في المدرسة ويأتي هؤلاء الآباء ليطلبوا منا توضيحا ولا يكون ذلك سارا في بعض الأحيان”.

وهناك فئة من تلامذة الابتدائي والثانوي يعارضون العقاب الجسدي بوضوح، ولفتت الدراسة إلى أنه إشارة إلى وسائل مناهضة هذه الممارسة ومكافحة العنف في الوسط المدرسي يقول تلميذ في مدرسة ابتدائية: ” يجب وضع كاميرات في كل مكان حتى لا يضرب الأساتذة التلامذة بعد الآن”.

نتائج غير متوقعة

وتوفر هذه نتائج الدراسة، أيضا معلومات عن وقائع عامة تتجاوز التغيرات الناجمة عن عومل متعددة وتميز ممارسة العقاب في المدرسة المغربية عموما الأولاد أكثر عرضة للعقاب وللعقاب الجسدي على وجه الخصوص من الفتيات وذلك كيفما كان سلك التعليم ووسطه أو نوعه.

وهناك نتائج أخرى غير متوقعة مسبقا، وتتعلق باللجوء الأكثر تواترا إلى عدة أنواع من العقوبات في مؤسسات التعليم الخاص مقارنة بمؤسسات التعليم العمومي أو باستمرار اللجوء إلى العقاب الجسدي في مؤسسات الثانوي التأهيلي وإن كان ذلك بنسب محدودة مقارنة بأسلاك التعليم الأخرى.

ويضاف إلى ذلك، حسب نتائج الدراسة، الطابع “الملتبس والمتعارض والمنقسم” في كثير من الأحيان لتصورات الفاعلين ومواقفهم تجاه العقاب في المدرسة، ويصح ذلك على الأساتذة والموظفين الإداريين الذين يتخذون “موقفا مبدئيا” مع أو ضد العقاب في المدرسة، ولكنهم يترددون بين أنواع العقاب التي يدفعون عنها ويمارسونها بسبب طابعها التربوي حسب قولهم والأنواع الأخرى التي لا يقبلونها بسهولة كبيرة

وينطبق الشيء نفسه على مواقف التلامذة تجاه العقاب، وهي مواقف تتأرجج وفق لدراسة “مجلس المالكي”، بين الرفض والقبول ومع تشكيهم من الطبيعة غير المتناسبة أو التعسفية أحيانا للعقوبات التي يتعرضون لها يرى غالبية التلاميذ من البنات أكثر من البنين وفي التعليم الابتدائي أكثر من الثانوي أن تلك العقوبات عادلة

وخلصت الدراسة أن مواقف الآباء تجاه العقاب في المدرسة، ” بعيدة كل البعد عن أن تكون متجانسة”، وسجلت أنه ” كثيرا ما يوصف قبول الآباء للعقاب في المدرسة بـ”الاتفاق الثقافي” وهو اتفاق مشروط ومبرر بفعاليته التربوية المفترضة، ويخص قطاع التعليم العمومية أكثر بكثير من القطاع الخاص والتعليم الابتدائي أكثر من التعليم الثانوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News