فن

نقاد الفن بالمغرب.. أسماء معدودة وأدوار “مفقودة” أمام “سطوة” المنتجين والمخرجين

نقاد الفن بالمغرب.. أسماء معدودة وأدوار “مفقودة” أمام “سطوة” المنتجين والمخرجين

يجمع كثيرون على أهمية النقد في ميادين الفن، إذ إن كل إبداع فني، سواء في السينما أو التلفزيون أو الخشبة، يحتاج إلى تحليل وتفكيك وتشريح وتقييم، من أجل الوقوف عند مكامن ضعفه وقوته، في سبيل المساهمة في تطوير العملية الإبداعية في هذا الجانب.

وبالعودة إلى الساحة الفنية المغربية، يرى عدد من المهتمين أن هذه الأخيرة “تفتقر” إلى النّقاد الجادين المتسلحين بأدوات النقد الرصين وآلياته، في مقابل سيطرة “المجاملة” و”المحاباة” على عملية نقد الأعمال.

ويؤكد هؤلاء، في ظل “التمزق” الذي أصاب الجسم النقدي المغربي، أنه حان الوقت للتكثل لاستعادة أدوار الناقد، لاسيما وأنه حلقة وصل بين المبدع والمتلقي.

“نقاد معدودون على رؤوس الأصابع”

في هذا الإطار، تقول الممثلة سعاد خيي إنه يلزمنا “الكثير من الوقت حتى يوجد لدينا نقد فني بالمغرب”، وتبرّر هذا المعطى بأن “هناك نقادا معدودون على رؤوس الأصابع في الساحة المغربية”.

وتردف خيي، في حديث إلى جريدة “مدار21”: “مشكلتنا اليوم أن الجميع أصبح ناقدا، ويعطي لنفسه الصلاحية كي يقول إن المنتوج رديئ، حيث إنه من السهل أن تقول إن العمل غير جيد في غياب معايير الانتقاد”.

من جانبه، يرى المخرج سعيد خلاف، في حديث إلى “مدار21″، أن “النقاد الذين لديهم غيرة على السينما قليلون”، في الوقت الذي نتوفر فيه، في نظره، على “مميزات” قد لا نجدها في دول أخرى، إضافة إلى وجود السينما المغربية “في القمة” مقارنة مع باقي الدول العربية أو الإفريقية، حسب تعبيره.

“هناك صورة مغلوطة عن النقاد”

،وعن أهمية النقد، يقول الناقد الفني مصطفى الطالب إن هذه العملية “لا تؤدي دورا أساسيا في تقييم الأعمال الفنية فقط، ولكن تساهم كذلك في الرفع من مستوى الإبداع الفني برمته”.

ويضيف الطالب، في حديثه إلى”مدار21″، أن النقد الفني بتعدد مشاربه واتجاهاته “يرتكز على معايير فنية وجمالية وثقافية وقيمية”، وأشار إلى أن كل إبداع فني ينبثق من بيئة ثقافية وقيمية “يتطلع المتلقي إلى أن يجد نفسه فيها، مردفا في هذا الصدد: “فالناقد هو صلة وصل بين الفنان والمتلقي، إذ يحاول تحليل هذا الإبداع وشرحه وتفكيكه حتى يتمكن المتلقي من فهم رسالة الفنان، كما يحاول الإشارة إلى مكامن القوة والضعف أو الخلل في ذلك الإبداع الفني بدون مجاملة، أو تحامل على الفنان، وبالتالي فالنقد لا يعني الحكم بالفشل على أي عمل، حيث إن هناك صورة مغلوطة على النقاد”.

وأوضح المتحدث ذاته أن الناقد “لا يحكم بالفشل على أي عمل، بل يقيّمه، ويفكّكه، ويحاول أن يبيّن للمتلقي جوانب القوة والضعف والجمال في العمل، من خلال رؤية فنية جمالية، واعتمادا على معايير فنية وثقافية وقيمية”، وفق قةله.

وسجل الناقد الفني أنه يجب أن نفرق بين قسمين من النقد، وكشف أن هناك “النقد الصحفي” الذي نراه يوميا يعتمد على قواعد الخبر؛ بمعنى أنه “يُعرّف بعمل فني ما سينمائيا كان أو أدبيا، وإعطاء فكرة مختصرة عنه دون الغوص فيه، كالذي نجده غالبا ما في الجرائد والملاحق الصحفية”، وهناك النقد “العلمي الأكاديمي”، الذي يعتمد، حسب طالب، على “المعايير الفنية والثقافية والمنهجية، ويقوم بالتشريح والتحليل للعمل وتفكيكه والوقوف على مكوناته الفكرية والجمالية والموضوعاتية ودلالته الرمزية، وهذا النقد يصدر عن ناقد متخصص وملم بتخصصه تاريخا وفكرا وإنتاجا”.

سيطرة “المجاملة” أمام غياب النقد الفني الرصين

ولفت الطالب، في السياق ذاته، إلى أن هناك ظاهرة أخرى مهمة يجب الإشارة إليها، مبرزا أنها “ظاهرة نقدية تكونت على هامش هذين القسمين، والتي اليوم أصبحت ظاهرة عالمية سواء في أمريكا وأوروبا وحتى في العالم العربي، ألا وهي الآراء النقدية الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت مؤثرة في المسار الفني قبل أن يقول الناقد كلمته حول العمل”.

وتابع الناقد عينه بالقول: “إذا نظرنا إلى واقعنا المغربي، فالبفعل النقد هو الحلقة المفقودة في ساحتنا الفنية، فيكون الناقد مؤثرا حينما يكون رأيه مجاملا للعمل أو منوها به سواء كان في المستوى المطلوب أو لم يكن كذلك، حيث إن هناك آفة في الجسم النقدي تتعلق بالزمالة والصداقة بين الناقد والمبدع والتي تؤثر في النقد”، مؤكدا أن “مجموعة من النقاد لهم أصدقاء من الفنانين والمبدعين ما يجعلهم لا يستطيعون تقييم أعمالهم، ويفضلون المجاملة والتنويه ما يضر بعملية النقد”.

وذكر الطالب أنه حينما يقول الناقد رأيه بصراحة يجد نفسه أمام “محاولات لتكميم فمه والتأثير فيه والتقليل من شأنه على المستوى الإعلامي، لمجرد أن مجموعة من الفنانين والمخرجين لا يتقبلون النقد وهذا يضر بالإبداع الفني أيضا”، طبقا لما جاء في حديثه إلى الجريدة.

في حاجة إلى استعادة الناقد دوره “المفقود والتصدي لـ”سطوة” المخرجين والمنتجين

وبخصوص التأثير في حلقة الإبداع، يرى الطالب أن النقد “لا يؤثر في الإبداع الفني، إذ رغم الانتقادات والتحليلات التي تطال أعمال رمضان، “تجد في السنة الموالية الأعمال نفسها بالمستوى والتفاهة ذاتهما”، حسب تعبيره.

وشدّد المتحدث نفسه على أنه ينبغي للنقاد في بلدنا أن “استعادة دورهم وتأثيرهم كما في باقي البلدان المتقدمة التي تحترم رأي الناقد كيفما كان، من خلال استعادة خطابهم المتخصص الأكاديمي العلمي، دون التعالي على الجمهور، وتوظيف الثقافة العالمة”، مضيفا أن دورهم يكمن في “تبسيط الفكرة دون الوقوع في الإسفاف، مع ضرورة الترفع عن الشعبوية التي تطغى في كثير من الأحيان على الخطاب النقدي، وتجنب الخلافات الهامشية والغرور والأنانية، واحترام آراء الآخرين”.

ودعا الطالب النقاد إلى التصدي لـ”سطوة بعض المخرجين والمنتجين الذين يحسبون أنفسهم فوق النقد، وفوق الكل والمجتمع، إذ في اعتقادهم أحيانا أن المجتمع لا يفقه شيئا في الفن أو الإبداع”، مبرزا أن الناقد “يساهم في تقييم الإبداع الفني وتطويره ورفع مستواه”.

وأورد الناقد ذاته أن هذا لن يحصل إلا إذا “تكثل النقاد في إطار موحد يكون له صوت مؤثر وقوي”، لأن الجسم النقدي المغربي، في رايه، يعاني “التمزق، وهذا الأمر لايخدم النقد”، مردفا: “سبتأتى ذلك إذا استرجعت الجامعة هيبتها وقوتها ومكانتها العلمية والمنهجية وخطابها النقدي الرصين، الذي يقطع الطريق على المسترزقين والشعبويين وعلى كل من هب ودب وعدّ نفسه ناقدا، وهو ليس كذلك، لأن الإبداع مرآة المجتمع وسفير الوطن في الخارج، وليكو في المستوى المطلوب يحتاج إلى التقييم والمساءلة الثقافية والجمالية، وهذا هو دور الناقد المتخصص”، على حد قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News