رأي

هل سيتكرر السيناريو السوداني في روسيا الفيدرالية؟!

هل سيتكرر السيناريو السوداني في روسيا الفيدرالية؟!

الأحداث تتوالى في روسيا، فبعدما أُعلنت حالة الطوارئ في موسكو ومناطق أخرى، صباح هذا اليوم )السبت24يونيو 2023(، وجَّه “فلاديمير بوتين” خطابا، أيضا، يتوعد فيه مجموعة “فاغنر”، التي تمردت على الجيش الروسي، واعتبر الأمر”طعنة في الظهر” واتهم قائد المجموعة بـ”خيانة” روسيا بدافع “طموحات شخصية”، من جهته لم يتردد “بريغوجين” في الرد بسرعة على “بوتين”، حيث قال: إن بوتين “أخطأ بشدة” باتهامه مقاتليه “بالخيانة” مؤكدا أن قواته “لن تستسلم”. “بريغوجين”هاجم “بوتين” شخصيا حيث أشار في تصريحات، على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه “قريباً سيكون لروسيا رئيس جديد”، قاطعاً بذلك أي أمل في المصالحة مع موسكو، ومتخطياً كافة الخطوط الحمراء المرسومة بوضوح في بلد كروسيا.
وتقول المعلومات أن مواجهات عسكرية بدأت فعلا بين الجانبين، وهذا ما يمكن أن يستشف من تصريحات وبيانات لمسؤولين روس أكدوا فيها أن هناك إجراءات تتخذها القوات الروسية لمكافحة الإرهاب. كما أعلن “بريغوجين” -ليلة السبت-إنّ قوّاته أسقطت مروحيّة عسكريّة روسيّة.
تأتي هذه التطورات إثر إعلان قائد مليشيا مرتزقة “فاغنر” “يفغينى بريغوجين” انقلابا على الجيش الروسي عبر إعلانه عصيانا مسلحا في روسيا، بعد ادعائه بأنه تعرض لقصف مسلح من القوات الروسية، وقتل العديد من قواته، بينما القوات الروسية كانت قد نفَت ذلك واعتبرته كذبا.
أكّد قائد “فاغنر” أنّه وعناصر مجموعته(البالغ عددهم 25 ألفا “مستعدّون للموت” من أجل “الوطن الأم” و”تحرير الشعب الروسي”!!.
ماذا تعني هذه التطورات التي بدأت في روسيا؟
إن القراءة، الأولية، في موقف “فاغنر”، بعد قيامه بتمردٍ على الجيش الروسي، تجعلنا نسجل الملاحظات التالية:
-أولا: أن تمرد مجموعة “فاغنر” يُعد مظهرا، جليّا، يدل على أن “السيستيم” في روسيا ليس على ما يرام، ويواجه تهديدات، داخلية قبل الخارجية، فأحداث من هذا القبيل تعطي الانطباع بأن النظام الروسي دخل مرحلة فقدان الهبة التي صنعها “بوتين” داخليا وعلى الصعيد الدولي.
-ثانيا: تمرد “فاغنر” يُعدُّ تجلي من تجليات اندحار روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية/الغربية، والدليل على ذلك أن “بوتين” أضحى في موقف ضعف إزاء الأحداث، التي ربما بدأت تتجاوزه، سواء في أوكرانيا أو داخليا، فبعدما نجا من محاولات اغتيال كادت أن تنهي وجوده، لم يحقق بل فشل في الأهداف التي أعلن أنه سوف يحققها من غزوه لأوكرانيا والتي كان قد أعلن أنه سيجتاحها خلال أيام معدودة ! .

-ثالثا: أن”يفغينى بريغوجين” لم يكن ليدخل في مغامرة مثل هاته(تمرد، عصيان مسلح..)لو لم يكن يعلم بالوضع الذي وصل إليه نظام “بوتين” ف “بريغوجين” خَبِر السيد “بوتين” ودائرته المقربة، فخطوته هاته كانت بناء على معلومات مؤكدة بالنسبة إليه، فلو لم يكن متأكدا أنه سيحقق مكتسبات لما تجرأ على “بوتين” في هذا الوقت بالذات.

-رابعا:لا يمكن لأحداث كهاته، انقلاب على الجيش الروسي، أن تحدث بمعزل عن العلاقات الروسية الغربية المتوترة في الوقت الراهن، فسياق الحرب الروسية الأوكرانية يجعل إمكانية تنسيق المخابرات الغربية مع “بريغوجين” واردة جدا، كما أن عملية توظيف هذا الأخير قائمة أيضا بشكل كبير، فمجموعته مبنية أصلا على أساس الارتزاق والسطو المسلح، وبالتالي لا تهمها لا “الوطنية” الروسية ولا المدنيين.. ولا شي آخر..بل يمكنها أن تقوم بعمليات قَتلٍ لمن يمكن أن يدفع لها أكثر!.

-خامسا: كذلك “بريغوجين” لا يمكن أن يتصرف هكذا، دون ضمانات، فلا بد أن يكون قد حصل اختراق للجيش الروسي ومحتمل أن يظهر في المستقبل ضُبَّاط روس يتبنَّون بعض الأطروحات التي يقولها “بريغوجين”، فتصريحات مسؤولين أوكرانيين على ما يقع من تطورات – وإن كانت في جانب منها تدخل في إطار توظيف الأمر للدعاية الإعلامية- فإنه في الحقيقة توحي(التصريحات) فعلا بأن هناك ترتيبات قد تمت مع ملشيا ‘فاغنر” وأن العالم سيتفاجأ بالانتصار الاستخباراتي الغربي الذي استطاع في وقت قياسي استدراج “بريغوجين” وضرب المخابرات الروسية في عمق روسيا.

-سادسا: أن احتواء النظام الروسي للوضع من عدمه، لا يمكنه أن يطمس حقيقة ملموسة، وهي أن مجرد اعلان قائد “فاغنر” للتمرد على ذات النظام يشكل في حد ذاته ضربة موجعة له،ضربة ستكلف روسيا وسيتطلب الأمر سنوات لتجاوزها ولإعادة تشكيل “القوة” الروسية التي دمرها “بوتين” حينما قرر غزو أوكرانيا دون حسابات سياسية أمنية دقيقة وقراءات استراتيجية مضبوطة!

– سابعا: رغم محاولات النفي، من طرف المسؤولين الروس، فمرتزقة “فاغنر” كانت تشكل الذراع العسكري لروسيا في عدة مناطق من العالم( الشرق الأوسط، افريقيا..)، حيث كانت (فاغنر)قد بدأت تظهر ك”قوة حاسمة” لتنفيذ السياسة الخارجية الروسية، وتنزيل الحسابات العسكرية الروسية في العديد من بؤر النزاعات على الصعيد الدولي(السودان، مالي، ليبيا، سوريا..) اليوم يبدو أن نظام “بوتين” سيفقد هذه الآلية(فاغنر) وستعد خسارة كبيرة له، حيث سيفقد العديد من النفود في مناطق عديدة في العالم، خاصة أنه لم يكن استراتيجيا على استعداد لهذه المستجدات المفاجئة، كما أنه ليس على استعداد لتعويض “فاغنر” بالجيش الروسي -في المناطق التي تتمركز فيها “فاغنر”- و ذلك على الأقل لثلاثة أسباب: أولا: لكونه غير قادر على إظهار الجيش الروسي كقوات استعمار واحتلال، وثانيا: كان ينفي وجود أي علاقة رسمية بين “فاغنر” والقوات الروسية، وثالثا: الجيش الروسي أنهكته الحرب في أوكرانيا وبالتالي لن يقدر على القيام بعمليات أخرى خارج هذه الجبهة.
-ثامنا: أن الغرب سيصبح في موقع قوة، في إطار الحرب الروسية الأوكرانية، مما يعني أن المفاوضات مع النظام الروسي ستأخد منحى آخر، في ظل المستجدات الحالية التي طرأت مع “فاغنر”، فالغرب سيستغل الوضع ليُربك أوراق “بوتين” ويدفع به في اتجاه تقديم مزيد من التنازلات..، مما سيجعل هذا الأخير أمام ضغوطات قد تعجِّل بنهايته، أو قد تجره إلى القيام بعمل انتحاري خطير في أوكرانيا -عن طريق استخدامه للأسلحة النووية- أو،على الأقل، القيام،بارتكاب أعمال قمع ومجازر ضد المعارضة والروسيين الذين قد يخرجوا للشوارع للتنديد بسياسة بوتين الداخلية والخارجية.

– تاسعا: أن روسيا ولجت مرحلة مفصلية من تاريخها، وهي مرحلة تؤشر على أن هذه “القوة” بدأت تدخل عمليا في تراجع خطير ستفقد معه “المكتسبات” التي حققتها، بعد ضمها “للقرم”..وستتخلخل بعض التوازنات التي كانت قد بدأت تتشكل بعد الحرب في سوريا..، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة روسيا إلى موقع فاعل دولي متميز، وكأحد الأقطاب في النظام الدولي الراهن، المؤثر والموجه للأحداث الدولية، والمساهم في صنع القرار على الصعيد الدولي.
إن ما يقع، اليوم، في روسيا يذكرنا بما وقع،قبل أشهر، ويقع في السودان بين مليشيا “حميدتي” والجيش السوداني- طبعا مع وجود فارق كبير واختلاف في طبيعة الفاعلين والقوى المنخرطة في الأحداث، بشكل مباشر وغير مباشر، ومع اختلاف كذلك في نوع المصالح والأهداف-لكن ومع ذلك؛ يمكن طرح السؤال التالي: هل سيتكرر السيناريو السوداني في روسيا الفيدرالية؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News