سياسة

المغرب يجني ثمار “دبلوماسية المشي على الألغام” ويحصد مكاسب عدم الإنحياز في الحرب الروسية الأوكرانية

المغرب يجني ثمار “دبلوماسية المشي على الألغام” ويحصد مكاسب عدم الإنحياز في الحرب الروسية الأوكرانية

هي في نظر روسيا عملية عسكرية خاصة، وفي نظر الغرب الداعمين لأوكرانيا غزو عدواني غير مبرر، أما المغرب فيسميها “حربا بأوكرانيا”، ويعتبر نفسه “ليس طرفا فيها”، بل يصر على التأكيد في كل مرة عدم انحيازه لهذا البلد أو ذاك.

رغم الضغوطات التي تمارس من طرف الولايات المتحدة الأمريكية على المغرب، والذي يعد من أكبر حلفائها خارج الناتو، تبنى موقفا محايدا ولزم التحفظ في دعم إجراءات واشنطن ضد الكرميلن.

وموقف المغرب المحايد ظهر جليا حين تم استقبال وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا، الثلاثاء الفارط، من طرف وزير الخارجية والشؤون الإفريقية ناصر بوريطة، حيث أكد الأخير، وبلغة مباشرة لا تقبل التأويل أن المغرب، اختار الحفاظ على علاقاته الجيدة مع روسيا وأوكرانيا.

وفي نفس اليوم، استقبل سفير المملكة بموسكو، لطفي بوشعرة، من طرف نائب وزير الشؤون الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، لـ”تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الراهنة، الموجودة قيد المناقشة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، وهو ما اعتبر ترجمة حرفية لتصربحات ناصر بوريطة وبلاغات الخارجية التي تؤكد أن المغرب يواصل إمساك العصا من الوسط.

هل نجح المغرب؟

وقال أحمد نور الدين، الخبير بالعلاقات الدولية، إن تصريح ناصر بوريطة خلال الندوة التي جمعته بنظيره الأوكراني في الثاني والعشرين من ماي الجاري يؤكد أن الموقف المغربي كان متوازنا، “فمن ناحية يؤكد التزامه بالشرعية الدولية في احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وهذا يعتبر دعما لأوكرانيا التي تعرضت أراضيها للغزو”.

وأضاف في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن تصريحات وزير الخارجية، تشير من ناحية أخرى، إلى أن المغرب ليس طرفا في هذا النزاع، بمعنى أن المغرب محايد ولا يقف ضد روسيا.

وتابع: “هذا الموقف هو الذي عبر عنه في التصويت الأخير في أكتوبر 2022 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على القرار الذي يدعو روسيا إلى سحب قواتها من أوكرانيا وإنهاء القتال. بينما كان المغرب في القرار الأول في مارس 2022 قد انسحب ولم يشارك في التصويت، لأن القرار آنذاك كان يدين روسيا ولا يكتفي بدعوتها للإنسحاب من أوكرانيا وإنهاء القتال”.

بدوره، حسن بلوان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أشار إلى أن المغرب ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا اتخذ موقفا حياديا إيجابيا من الصراع على غرار مجموعة من الدول العربية، ونجح في الحفاظ على علاقات متوازنة مع البلدين المتصارعين رغم الضغوط التي مارستها الدول الغربية على دول العالم.

واعتبر أن هذه العلاقات المتوازنة، مبنية على ثلاثة محاور، أولها الحفاظ على الدعوة لاحترام سيادة ووحدتها الترابية، والحفاظ على العلاقات مع روسيا واستمرار الاتصالات بينهما، إضافة إلى عدم انخراط هذا المغرب في خطة تفعيل العقوبات الغربية على روسيا.

وزاد في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية: “حاول المغرب التعامل بحساسية في الموضوع الروسي الأوكراني من خلال الغياب أو الامتناع عن التصويت ثارة في إدانة روسيا، والتصويت لصالح وقف الحرب ثارة أخرى دون الدخول في مواجهة مع أحد الطرفين”.

وبعد اندلاع الحرب في فبراير 2022، شرعت المملكة في تعزيز العلاقات مع الكتلة الغربية الموالية لأوكرانيا ومع خصومها الروس أيضا. ففي أبريل، حضر ممثلون مغاربة مؤتمرا في قاعدة عسكرية أمريكية في ألمانيا، لمناقشة تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية لأوكرانيا. ودعم المغرب أيضا جهود الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات الإنسانية على الأوكرانيين.
وفي يونيو، أرسل الملك محمد السادس رسالة إلى بوتين تحتفي بالعلاقة بين البلدين. وبعد أربعة أشهر، توصلت وزارة الطاقة إلى اتفاق بخصوص الطاقة النووية مع شركة روس آتوم الحكومية، التي يقول الغرب إنها تُسهم في المجهود الحربي الروسي.

هل يخدم هذا التوازن مغربية الصحراء؟

ويرى أحمد نور الدين، أن أوكرانيا ومن خلال تصريح وزير خارجيتها في أول زيارة لوزير خارجية أوكراني للمغرب، أكدت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.

وبالنسبة للموقف الروسي، فيشير المتحدث، إلى أنه من ناحية يدعم مغربية الصحراء من خلال اتفاقات الصيد البحري التي تشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو موقف تاريخي لروسيا حتى في عهد الاتحاد السوفياتي.

ومن ناحية أخرى، يؤكد المحلل السياسي، أن موسكو  التي تمتنع عادة عن التصويت على القرارات الأممية المتعلقة بالصحراء، ترغب في الحفاظ على صفقات السلاح الكبرى التي تربطها بالجزائر، والتي تعتبر الزبون الثاني أو الثالث للسلاح الروسي على المستوى العالمي بحجم سنوي لا يقل عن 5 مليارات دولار وقد يتجاوز أحيانا ضعف هذا الغلاف المالي.

وفسر نور الدين، عدم تصويت موسكو على القرارات المتعلقة بالصحراء، وبعيدا عن الجزائر، بمناكفة واشنطن التي تعتبر حاملة القلم في قضية الصحراء، أكثر منه معاكسة لمصالح المغرب.

وبحسب بلوان، فإن ضمان استمرار روسيا في الموقف من قضية الصحراء المغربية، واستمرار الموقف الإيجابي الأوكراني من نفس القضية، “ثمرة” الموقف المتوازن للمغرب.

واعتبر أن أهمية دعم أوكرانيا لمبادرة الحكم الذاتي، تكمن في أنه يوسع من دائرة البلدان المؤيدة لسيادة المغرب على صحرائه خاصة في أوروبا الشرقية، كما يستفيد المغرب من الزخم الذي تشكله أوكرانيا في المنظومة الدولية حاليا مع تزايد التضامن الغربي والدولي مع هذا البلد الذي يعيش حربا منذ أزيد من سنة.

روسيا أم أوكرانيا.. المستقبل مع من؟ 

فلاديسلاف أنتونوف، المحلل الاقتصادي الروسي، قال في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إن موسكو تعلم أن العلاقات الودية التي تربطه بالمغرب، منذ سنوات وليس فقط قبيل سنة، تتحكم فيها الحوافز الاقتصادية، معتبرا أن المغرب نجح ورغم أنه يعتبر حليفا للغرب، على اتخاذ الحياد وعدم الإنحياز لطرف معين.

وسجل أن حياد المغرب، ورغم الشائعات التي كان يتم تداولها حول دعم عسكري لأوكرانيا والتي أكدت الخارجية الروسية عدم صحتها، ساهم في اتفاق مغربي روسي، تدور رحاه حول رفع واردات البلاد من النفط الروسي إلى أزيد من 735 ألف طن، وهو ما يمثل زيادة قدرها 11 ضعفا عما استوردته عام 2021.

لكنه في المقابل، اعتبر أن المغرب استفاد أيضا اقتصاديا، فبعد أن أعاقت العقوبات الدولية قدرة روسيا، أكبر مصدر للأسمدة في العالم عام 2020، على بيع هذا المنتج المهم. يطمح المغرب لزيادة إنتاجه من الفوسفاط بنسبة 10%.

وأكد بلوان في نفس السياق، أن المملكة المغربية تركن إلى مصالحها الاستراتيجية الداعمة لقضية الوحدة الترابية، ولا تنحاز في نفس الوقت للموقف الأوكراني أو الروسي رغم دعمها لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية.

واستدرك: “لكن المهم هو الحفاظ على التوازن في تنويع الشراكات الجديدة في الشرق ومن بينها روسيا، لكن في نفس الوقت الحفاظ على الشراكات التقليدية التي يشكلها الغرب ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية كطرف رئيسي في الصراع الروسي الأوكراني”.

وخلص إلى أن مواقف السياسة الخارجية للمملكة تخضع لتقييم دقيق من قبل المؤسسات الدستورية الفاعلة في الدبلوماسية التي تبنت عقيدة جديدة تنحاز للمصالح العليا للوطن ولا يمكن إلا أن تقف مع الأطراف الرابحة دوليا وفق منظور استراتيجي واستشرافي بدأت تتضح معالمه من جديد سيعود بالنفع على المغرب وقضاياه الكبرى.

أما أحمد نور الدين، فيعتقد أن المستفيد من هذه الحرب هي واشنطن التي استطاعت تحقيق عدة أهداف استراتيجية بسبب هذه الخطوة الروسية، ومنها توسيع حلف الناتو إلى دول كانت ترفض ذلك في الماضي كالسويد وفلندا، ورفع مساهمة الدول الأوروبية في ميزانية حلف الناتو وهو ما كانت ترفضه سابقا.

وبحسب الخبير بالعلاقات الدولية والمختص في شؤون الصحراء، فقد استفادت واشنطن أيضا، من زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لألمانيا والدول الأوروبية، وتعزيز تواجد قوات حلف الناتو على الحدود الروسية مباشرة، وسيطرة الولايات المتحدة تدريجيا على تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بدل الغاز الروسي، وغيرها من المكاسب.

وقال إن روسيا تتعرض لاستنزاف اقتصادي كبير بسبب الحرب، وفقدت أوكرانيا كشريك تاريخي، وفقدت أوروبا كأكبر سوق للغاز الروسي، وفرضت عليها الدول السبعة الكبرى حصارا تكنولوجيا ينضاف إلى العقوبات الأمريكية السابقة في مجالات اقتصادية مختلفة، وكلها إجراءات ستزيد من عزلة روسيا دوليا، وستضعفها اقتصاديا وتكنولوجيا.

أما أوكرانيا، يضيف نور الدين، فالحرب تدور فوق أراضيها، وبذلك فهي خاسرة على كل المستويات، خاصة من حيث تدمير بنيتها التحتية الاستراتيجية التي كانت هدفا للقوات الروسية منذ بداية الأزمة، ناهيك عن الخسائر البشرية وهجرة السكان نحو أوروبا. وعلى المدى البعيد ستصبح تابعة في قرارها السيادي لواشنطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News