دولي

الصين في مواجهة أمريكا.. قمم كبرى تعيد رسم خارطة القوى والتحالفات في العالم

الصين في مواجهة أمريكا.. قمم كبرى تعيد رسم خارطة القوى والتحالفات في العالم

يشهد العالم اليوم إعادة كتابة للتحالفات والقوى الرئيسية، ومن قمة مجموعة السبع المنعقدة في مدينة هيروشيما اليابانية، إلى قمة الصين وآسيا الوسطى المنعقدة في مدينة شيان الصينية، يمكن قراءة مقدمات للمشهد المقبل.

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بين دول الحلفاء ودول المحور، بدأت القوى الكبرى تتموضع حول القوتين الأبرز في ذلك الوقت، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، لينقسم العالم إلى محور شرقي شيوعي ومحور وغربي رأسمالي، وتنطلق الحرب الباردة بين المعسكرين منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي، والتي استمرت حتى تفتت الاتحاد السوفياتي مع مطلع التسعينات.

وبقيادة أميركية أحادية، نشطت الولايات المتحدة في قيادة العالم سياسياً واقتصادياً، حتى تشكل التحالف الاقتصادي الأول في عام 1998 تحت مسمى الدول الصناعية الثماني الكبرى، والذي ضم كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا، إضافة إلى روسيا، وكانت هذه الدول تمثل نحو 65 بالمئة تقريباً من القوة الاقتصادية عالمياً.. لكن التحالف اقتصر على سبع دول مع تجميد عضوية روسيا في عام 2014 عقب تدخلها العسكري في شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

كما شهد العالم انطلاق منتدى اقتصادي أوسع في عام 1999، عقب الأزمة المالية الآسيوية، هو مجموعة العشرين، التي استهدفت تأسيس منتدى يجمع بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية ذات الوزن من أجل مناقشة أبرز القضايا التي تتصل بمستقبل الاقتصاد العالمي.

وبحسب المعلومات المعروفة، فإن مجموعة العشرين تضم 19 دولة هي – بحسب الترتيب الأبجدي الإنكليزي – كل من الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى مقعد للاتحاد الأوروبي. ويمثل أعضاء المجموعة حوالي 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75 بالمئة من التجارة العالمية، وحوالي ثلثي سكان العالم.

لكن عقب تولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (الرئيس 45 للولايات المتحدة) مقاليد السلطة في الولايات المتحدة عام 2017، ظهر إلى العلن الصراع بين أميركا والصين التي بزغت كقوة اقتصادية وصناعية وتجارية لا يستهان بها، ما أدى إلى اشتعال أزمة حرب التجارة بين البلدين بعدما أعلن ترامب في 22 آذار (مارس) 2018 عن اتجاه لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار على السلع الصينية، وهو ما تبعه رد انتقامي من بكين بفرض رسوم على أكثر من 120 سلعة أميركية في ما عُرف بحرب الرسوم الجمركية.

ومع تولي الرئيس الحالي جو بايدن مقاليد الأمور، وعد بتهدئة الحرب التجارية، وبدأت بالفعل لقاءات ثنائية لحلحلة الأمر مع وعود بمضاعفة التعاون والتبادلات التجارية، خاصة من الجانب الصيني.. لكن أزمة كورونا أعاقت إتمام الاتفاق كثيراً… لكن العالم تغاضى بشكل ما عن الخلاف وما تبعه، مع فورة اقتصادية وآمال في الانتعاش المشترك بعد انقضاء ذروة الشدة الوبائية في أركان الأرض.

وبعد نتائج أعمال مبشرة في بداية عام 2022، استيقظ العالم في أواخر فبراير على اجتياح روسي لأوكرانيا، ما أدى إلى إعادة تموضع الدول الكبرى خلف الأخيرة في مواجهة موسكو، والتي سعت بدورها إلى صياغة تحالفات جديدة مع دول نامية كبرى في مناطق جيوستراتيجية عدة، وعلى رأسها الصين والهند ودول الشرق الأوسط.

وبالتزامن، عادت نبرة التخوف من الصين تعود إلى الغرب، لتصل إلى حد رص الصفوف في مواجهة ما يرونه من “اختراق” للأمن القومي الأميركي والأوروبي والياباني، مع مخاوف من زيادة الاعتمادية على الواردات الصينية التي لا تجد لها منافساً.

ومع وضع كل من روسيا والصين في الزاوية، ظهر جلياً التقارب بين بكين وموسكو مع مصالحهما المشتركة، لتسعى القوى الاقتصادية السبع الكبرى خلال قمتها المنعقدة في هيروشيما لوضع استراتيجية مشتركة من أجل “التصدي لنفوذ الصين المتنامي حول العالم” إضافة إلى وضع مزيد من القيود والعقوبات الاقتصادية على روسيا من أجل إضعافها ووضع حد لحربها في أوكرانيا.

وورد في مسودة لبيان رسمي لمجموعة السبع اطلعت عليها “رويترز” يوم الجمعة أن أعضاء المجموعة مستعدون لإقامة “علاقات بناءة ومستقرة” مع الصين مع التصرف وفقا لمصالحهم الوطنية… مع إقرار زعماء المجموعة بأن “المتانة الاقتصادية تستلزم تقليل المخاطر والتنويع” بعيداً عن الصين ثاني أكبر اقتصادات العالم.

وردت وزارة الخارجية الصينية على مخاوف مجموعة السبع بشأن الحاجة إلى “الانفصال” عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، قائلة: “لا يمكن للعالم أن ينفصل ولا يحتاج إلى التخلص من المخاطر مع الصين كهدف”.

وفي إشارة إلى مساهماتها الضخمة في نمو الاقتصاد العالمي، ذكر متحدث باسم الوزارة أن الصين تجلب فرصاً وليس تحديات.. واصفاً سياسات “الهيمنة” و”التنمر” و”التفكير الذي يعود لحقبة الحرب الباردة” بأنها المخاطر الأكبر للعالم.

ورغم أن بكين أعلنت الخميس عن “زيارة نادرة” يقوم بها وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو إلى واشنطن الأسبوع المقبل للبحث في العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن القيادة الصينية سعت بالتوازي لزيادة تحالفاتها من أجل تقوية موقفها.

وفي كلمة ألقاها خلال قمة غير مسبوقة بمدينة شيان الصينية مع خمس جمهوريات سوفياتية سابقة، حضّ الرئيس الصيني شي جينبينغ رؤساء هذه الدول على “استغلال كامل لإمكانيات التعاون التقليدي في مجالات الاقتصاد والتجارة والقدرة الصناعيّة والطاقة والنقل”.

كما أكد شي خلال القمة التي تعقد بالتزامن مع قمة هيروشيما، ضرورة تطوير “محركات جديدة للنمو مثل المال والزراعة والحد من الفقر وخفض انبعاثات الكربون والصحة والابتكار الرقمي”… وقال إنه يتعين على المنطقة والصين “تولي قيادة” هذا المشروع و”تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة” من أجل “الحفاظ على صداقة دائمة”.

وقالت نيفا ياو الباحثة في قسم الصين في معهد “المجلس الأطلسي” إن “الصين تحاول إقناع دول آسيا الوسطى بأن عالماً متعدد الأطراف في طور النشوء”، مشيرة إلى “موقف موحد” في آسيا الوسطى “من أجل إقامة علاقات وثيقة مع الصين”.

وجدير بالذكر أنه من المقرر أن يتوجه رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، إلى بكين يومي 23 و24 أيار (مايو) الجاري، لإجراء محادثات مع قادة الصين. كما يعتزم المشاركة في منتدى أعمال روسي صيني، في شنغهاي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية يوم الجمعة: “نأمل في أن تعزز تلك الزيارة المقبلة تعاوننا”.

وقال ميشوستين إنه “سيتم بحث قضايا حالية للتعاون الروسي الصيني، في التجارة والاقتصاد”، مع تركيز خاص على مشروعات إمداد الطاقة والبنية التحتية للنقل والزراعة.

كما تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستعد لاستضافة قادة الدول الافريقية في يوليوز بمدينة سان بطرسبرغ، في إطار الجهود الروسية لإقناع دول العالم بأن العقوبات الغربية -وليس الغزو الروسي لأوكرانيا- كانت السبب وراء تضخم اسعار الطاقة ونقص إمدادات الحبوب في السوق العالمية والذي أضر بالدول الأفريقية الفقيرة بشدة.

وفي الشهر التالي، سوف تستضيف مدينة جوهانسبرغ الجنوب افريقية قمة مجموعة بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مع طرح فكرة توسيع نطاق التجمع ليضم 19 دولة محتملة، وإمكانية إطلاق عملة مشتركة لدول التجمع على جدول الأعمال.  والموضوعان من أفكار الصين التي كانت أول من طرح فكرة إيجاد عملة بديلة للدولار الأميركي في التعاملات التجارية بين دول بريكس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News