طلبة سوريون بالمغرب.. بين سِندان العودة ومِطرقة مآسٍ يومية

سوريون كُثُر جعلوا من المغرب وجهة لهم. وعلى الرغم من مرور سنوات عديدة على إقامتهم فيه إلا أنهم مازالوا يواجهون صعوبات متكرّرة، خاصة لدى الطلبة السوريين، إذ إن حياتهم مليئة بالمُنغّصات النفسية والاجتماعية، كما يقول “أيْهَم” الطالب الجامعي في كلية الحقوق بالرباط في تصريح لـ”مدار21″.
أيْهَم المولود في المغرب، ومتشبعا بتقاليده وثقافته والذي يعيش تفاصيل يومه كأي مواطن مغربي، ويتكلم بلسان المغاربة، حاملا بعض ملامح وطنه المُنهك، التي آثرت الانتقال معه أيضا إلى وطنه البديل لتبقى شاهدة على انتمائه، وجذوره، ومعاناته أيضا، فهو كما يقول مغربي المنشأ يُعامل مُعاملةَ الأجنبي في الإدارات الحكومية، بالرغم من أحقيته في الحصول على الجنسية، فأسرته تمكث في المغرب لأزيد عن أربعين عاما.
“كيف يمكن أن يُطلق عليّ كلمة أجنبي وأنا أعرف المغرب أكثر من المغاربة أنفسهم؟ هل يُدرك الطلبة المغاربة أني مغربي كذلك، أنتمي لبلد قضيت كل ذكريات الطفولة فيه؟ ومازال المغرب يحتضن شبابي وربما عمري القادم”، يتساءل أيهم بابتسامة ساخرة يكسرها شعور بالألم، فهو لم يعش في سوريا، وإنما زارها لمرات خاطفة في حياته.
بعض الطلبة كذلك أشاروا، في حديثهم إلى الجريدة، إلى معاناتهم فيما يخص قلة المردود المادي، خاصة في ظل امتناع الكثير عن توظيفهم بسبب “جنسيتهم السورية”، فكلمة سوري، كما عبّروا عن ذلك، أضحت لصيقة بالإرهاب والتطرّف، ومصدرَ قلقٍ ورِيبة، كما زادت هذه المُعاملة شعورهم بالعجز حتى أصبحوا غير قادرين على العودة إلى وطنهم بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي خلفتها الحرب الطاحنة في سوريا، والتي أوقفت عجلة الحياة منذ عشر سنوات عِجاف مرت حتى الآن، حسب قول من تحدث إليهم “مدار21”.
لكن ما يُكابده “أَيْهَمْ” يكاد يكون نقطة في بحرِ معاناةِ من عاشوا اضطرابا نفسيا بين وطنٍ غادروه، وبلد حلّوا به دون معرفةٍ مسبقة بخصوصياته، تقاليده ونظامه، فحاولوا التكيّف معه، أحيانا دون جدوى، فكانت مأساة الاغتراب أكثر عمقا وأَنكَأ جرحا.
اللّجوء من سوريا نتيجة للاغتراب القسري الذي فُرض عليهم فرضًا، جعل كثيرا منهم يرحل مخلّفا بعض الوثائق الضرورية، نتيجة الخوف والهروب من جحيم الاستبداد والظلم، ممّا وَلَّدَ، على حد قولهم، حالة من التمزّق النفسي في غياب الاطمئنان والسكينة، فعاشوا الاضطراب وعدم الاستقرار، على الرغم من الدافع النفسي للتحصيل العلمي. وهنا أيضا يصطدم السوريُّ بكثير من التعامل الإداري القاسي الذي فرضته عليه ظروف الاغتراب، إلا أن المغرب شكّل منذ بداية الأحداث في سوريا، ملاذا آمنا لآلاف من خرجوا من بلادهم هربا من الموت المحقق، وكثير منهم اعتبروه محطة عبور إلى الضفة الأوروبية عبر إسبانيا أكثر من كونه بلد إقامة واستقرار.
ويبقى مشكل آخر يَكمُن في عدم القدرة على الاندماج في بادئ الأمر، فاللّهجة العامية المغربية تختلف عن لهجتهم، وهو عائق واجه العديد منهم إلى جانب اختلاف العادات والتقاليد. أما على صعيد الدراسة، فاللّغة الفرنسية لها حضور كبير في مناهج التعليم الوطنية، وهو ما استعصى على بعض الطّلبة، ممن اختاروا الطب والعلوم وغيرها من المسالك التي تتطلب اتقانا للفرنسية، مواكبة الدراسة كما قال “غزوان”، طالب في كلية الطب الذي آثر العودة إلى بلاده ومواصلة دراسته هناك، كوْنه لم يقو على امتلاك ناصية اللّغة.
لكن، لم تقف مشكلة اللّغة عائقا أمام مواكبة البعض منهم لصفوف الدراسة في المغرب فقط، وإنما أيضا حالت دون ولوجهم سوق العمل، بالإضافة إلى العوائق الأخرى التي ترتسم في طريق الحصول على عمل مناسب، على حد قولهم. لكن المغرب استطاع تسوية وضعية كثير من اللاجئين واستقبل ما يفوق عن خمسة آلاف سوري بالمغرب منهم من سُوِّيت وضعيته، ومنهم من ينتظر، خاصة بعدما قرّر المغرب عدم استقبال المزيد من السوريين ومنعهم من الحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي المغربية.
إن مشاهد الدمار، والقتل، والأشلاء المتناثرة في ربوع المدن السورية طبعت مخيلة هؤلاء الطلبة، مما أثّر على نفسيتهم فوجدوا أنفسهم في مقابل واقع مرير مُظلم لا يعرف النور طريقا إليه، وتحدثوا للجريدة عن الموت وكأنه حدث عابر، يَعُدُّونَ أعدَادَ من فقدوا من ذويهم وكأنهم يعدُّون مسألة حسابية، فالإنسان السوري، في اعتقادهم، أصبح رقما عابرا يتردّد كل يوم عبر شاشات الأخبار على تنوعها.
من بين الصعوبات التي يُواجهُها الطلبة أيضا غياب سفارة سورية بالمغرب، إذ تبقى المسائل الإدارية تشغل العديد منهم، ويتعيّن عليهم إيجاد منافذ أخرى للحصول على أوراقهم من سفارات مجاوِرة، الأمر الذي يتطلب وقتا وجهدا كبيرين علاوة على التكلفة المالية التي تُفرض عليهم.
ولعلّ أهمّ ما يشغل الطالب السوري في الغربة هو تحصيله العلمي. فبين ما يهفوا إليه دراسيا وبين الموانع الإدارية والعلمية؛ خاصة من حيث النقاط المحصّل عليها، قد يُصاب بالإحباط أو الفشل مما ينعكس عليه نفسيا. فهو يتأرجح بين الطموح والفشل، وهذا من شأنه أن يصرفه عن الدراسة ويدفعه إلى تأمين احتياجاته اليومية، وفئة من الطلبة، ممن تحدثت إليهم “مدار21″، عزفوا عن التحصيل وتوجّهوا إلى إيجاد فرصة عمل، وهم يتجرّعون كأس المرارة من هذا الواقع الذي عاشوا أو وُجدوا فيه.
وفي انتظار إيجاد حلّ للأزمة السورية بما يضمن إنهاء مأساة السوريين في الداخل والخارج، ومعاناة ملايين اللاجئين عبر العالم، يجد المغرب نفسه في مواجهة تحديات صعبة، خاصة مع تنامي ظاهرة الهجرة، وتزايد الضغط لإيجاد حلول تهم المجتمع المغربي أساسا الذي يعاني من الفقر والبطالة، وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تثقل كاهل الحياة بشكل عام، في ظل غياب وضع سياسات ناجعة تهمّ اللاجئين، والمهاجرين الوافدين إلى المغرب.