سياسة

حاملا ضغط الغرب للامتناع عن دعم روسيا.. ماذا وراء زيارة ماكرون إلى الصين؟

حاملا ضغط الغرب للامتناع عن دعم روسيا.. ماذا وراء زيارة ماكرون إلى الصين؟

“الصين هي الدولة الوحيدة القادرة على إحداث تأثير فوري وجذري على الصراع (الروسي – الأوكراني) في اتجاه أو آخر”، القناعة التي حملها معه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى بكين بحكم قربها من موسكو، لإقناعها بلعب دور وسيط محايد، ووضع خط أحمر أمام أي دعم لها بالسلاح.

ماكرون، يدرك جيدا أن فرنسا ليست ندا للعملاق الصيني، لذلك رافقته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في رحلته لموازنة الثقل الصيني بثقل الاتحاد الأوروبي، بل اتصل أيضا بالرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى لا يثير حفيظة واشنطن، التي تسعى لخنق بيكين لا الانفتاح عليها.

وتلقى الرئيس الفرنسي دعما معنويا آخر من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي اعتبر “أي مساعدة عسكرية من جانب الصين لروسيا ستكون خطأ تاريخيا له تداعيات بالغة”.

كل هذا الضغط الغربي حمله ماكرون معه إلى بكين، إلا أن الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) غير متفائلة كثيرا بشأن إمكانية فك الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا.

فبعد ختام ماكرون زيارته إلى الصين، بين 5 و7 أبريل الجاري، لم يحصل من الزعيم الصيني سوى وعد بدعم “أي جهد للسلام في أوكرانيا”، دون إدانة للهجوم الروسي.

فقبل نحو أسبوعين من زيارته إلى موسكو، وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ، علاقته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بـ”الصداقة الأبدية”، بينما قال فلاديمير بوتين، إن كلاهما يقفان “كتفًا إلى كتف” في مواجهة “الجهود الأمريكية العنيفة بشكل متزايد لردع روسيا والصين”.

وفرنسا لا تملك ما تقدمه للصين للتخلي عن هذه “الصداقة الأبدية”، في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطات شديدة على بكين في ملف تايوان، وتفرض عليها تطويقا استراتيجيا عبر حلفائها الآسيويين.

بل وصل الأمر إلى فرض واشنطن عقوبات على الشركات التكنولوجية الصينية مثل “هواوي” و”تيك توك”، وتحاول حرمان بيكين من تكنولوجيا أشباه الموصلات (الرقائق الالكترونية)..

وكلما زاد الضغط الأمريكي على الصين كلما اقتربت أكثر من روسيا، وعززت تحالفها معها، ما يهدد بهزيمة الجيش الأوكراني المدعوم غربيا إذا ما قررت بيكين دعم موسكو بالأسلحة والذخائر.

وهذه هي مهمة باريس، استبدال التشدد الأمريكي بلغة حوار هادئة يحترم فيها الغرب مكانة الصين كقوة عالمية لا يمكن تجاهلها.

وبدل دفع بكين نحو موسكو، يتم فتح المجال لها لكي تكون شريكا للغرب، سواء اقتصاديا أو كوسيط في الحرب الأوكرانية، مع التلويح بعصا العقوبات إذا اختارت الصين تموين الجيش الروسي بالسلاح.

ففرنسا تدرك أن الصين لعبت الدور الأبرز في إضعاف تأثير حزمات العقوبات المتتالية على الاقتصاد الروسي نظرا لعدم انخراطها فيها.

فوصول المبادلات التجارية بين روسيا والصين إلى 190 مليار دولار في عام 2022، بزيادة 30 بالمئة عن عام 2021، يعكس الدور الذي لعبته بكين في تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية على موسكو، وتحويل جزء من الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي نحو الصين بعد أن قررت أوروبا التخلي عنها تدريجيا.

ومن بكين، اعتبر ماكرون، أن دعم “المعتدي الروسي” يعني التحول إلى شريك له، في إشارة إلى الصين، التي ترفض إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا

وهنا تكمن صعوبة مهمة ماكرون، في كسر التحالف بين بيكين وموسكو، المتواجدتين ضمن مجموعتي “بريكس” و”شنغهاي للتعاون”، الساعيتين لبناء عالم متعدد الأقطاب.

لذلك أكثر ما يتوقع أن يحققه ماكرون في زيارته الثالثة إلى بيكين، أن يقنع الزعيم الصيني، بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، وهو ما لم يرفضه “شي جين بينغ”، وفق ما تحدث عنه الإعلام الفرنسي.

فهذه المكالمة من شأنها أن تمنح دعما معنويا لكييف في حربها ضد روسيا، وأن توازن ولو جزئيا زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو، وتسحبه قليلا نحو مربع الحياد.

ورغم أن الصين تدفع بحيادها دوما في الحرب الروسية الأوكرانية، ولا تعترف بشرعية ضم موسكو لشبه جزيرة القرم وللمحافظات الأوكرانية الأربعة، إلا أن الدول الغربية لا تثق في هذا الحياد، وتعتبر أن بيكين أقرب إلى الموقف الروسي.

ولم يتفاعل الغرب بجدية مع مبادرة الصين للسلام في أوكرانيا، الداعية لوقف إطلاق النار، وتجاهلها تماما، ورفضتها كييف مادامت لا تنص على انسحاب روسي من أراضيها، بينما رحب بها موسكو.

لكن تصريحات ماكرون، بأن الصين، بإمكانها أن “تلعب دورا رئيسيا” لإيجاد “طريق يؤدي إلى السلام” في أوكرانيا، من شأنها أن تفتح النقاش بشأن المبادرة الصينية للسلام، المكونة من 12 بندا، رغم تشكيك واشنطن وحلف الناتو في جديتها، إذ يرى الأخير أن “بكين لا تتمتع بمصداقية كبيرة كوسيط”.

فالمقاربة الفرنسية تجاه الصين أقل تشددا من التصور الأمريكي المشكك في نوياها، ويربط مبادرتها في أوكرانيا برغبتها في استعادة تايوان ولو بالقوة المسلحة، وهذا جوهر الخلاف بين باريس وواشنطن، إلا أنه لا يقسم الحليفين.

وعلق ماكرون، على المبادرة الصينية بأنها “تظهر بذلك إرادة لتولي مسؤولية ومحاولة شق طريق يؤدي إلى السلام”، وهو بذلك يفتح المجال لمناقشتها دون أن يتبناها.

فتسارع الأحداث في أوكرانيا يهدد بتوسع نطاق الحرب، ليشمل بلدان أخرى في أوروبا، خاصة بعد قرار بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وتلويحه بإجراءات انتقامية ضد فنلندا بعد انضمامها إلى الناتو.

ولا تريد فرنسا أن تتحول أوروبا إلى ساحة حرب نووية، لذلك لجأت إلى الصين التي لها صوت مسموع في موسكو، لتخفيف حدة الصراع وتفادي السيناريو الأسوأ، والمتمثل في اندلاع حرب نووية.

الإغراء الاقتصادي
ماكرون، الذي يواجه أعنف مظاهرات وأكثرها انتشارا بعد احتجاجات السترات الصفراء، وجد في زيارته للصين فرصة لإبعاد الأضواء عن الرفض الشعبي لقانون رفع سن التقاعد.

وفي محاولة منه لتدارك تأخر بلاده في دخول السوق الصينية الضخمة التي تحوي أكثر من مليار و400 مليون مستهلك، رافق ماكرون إلى بكين نحو 54 رئيس شركة فرنسية لها ثقلها الاقتصادي.

ففرنسا تواجه صعوبات اقتصادية متزايدة، خاصة مع إعلان ماكرون انتهاء عهد الرفاهية، والسوق الصينية من شأنها أن تحمل بعض الحلول لأزمات باريس، رغم تشبعها مع بداية العشرية الأولى من القرن الـ21، وفق مستثمرين.

لكن ماكرون، يعتزم الاستمرار في الضغط من أجل “وصول أفضل إلى السوق الصينية” و “ظروف منافسة عادلة”، كما حدث خلال زيارته في 2018 و2019، وفق لوسائل إعلام محلية، ونقلا عن مقربين منه.

لذلك لا يريد ماكرون، إقفال أبواب أوروبا في وجه الصين، ويقول إن “أوروبا مطالبة بمواصلة علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع بكين”.

فبقدر ما تسعى الصين لفتح الأسواق الأوروبية أمام سلعها واستثماراتها بعد التعثر الذي حدث في 2021، فإن فرنسا مهتمة أيضا بمنافسة كبار المستثمرين الأمريكيين في الصين على غرار “أيفون” وتسلا لصناعة السيارات الكهربائية.

وكللت زيارته ببعض الصفقات، أبرزها توقيع شركة إيرباص للمروحيات على عقد لتوريد 50 مروحية متعددة المهام من نوع H160.

فماكرون، يسعى ليكون المحاور الرئيسي للغرب مع الصين، بعد أن أخفق في أن يكون المحاور المباشر لبوتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News