سياسة

اتحاديون يحكمون المؤسسات..هل يُكَافَأ “حزب بوعبيد” عن تجاوزات الماضي؟

اتحاديون يحكمون المؤسسات..هل يُكَافَأ “حزب بوعبيد” عن تجاوزات الماضي؟

مُنذ حكومة اليوسفي إلى اليوم، أينما وليّت وجْهك تُجاه المؤسسات الدستورية والهيئات الاستراتيجية الوطنية، إلا وجدت على رأسها شخصية بانتماء اتحادي، فمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى المجلس الوطني لحقوق الانسان مرورا بالمندوبية السامية للتخطيط والهيئة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والمجلس الوطني للصحافة والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ووصولا إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين، كلها مؤسسات تسير تحت قيادة أسماء اتحادية سبق لعدد منها أن تقلب في مناصب المسؤولية.

ويتعلق الأمر على الخصوص، بكل من أحمد رضا الشامي، وأحمد الحليمي العلمي، وأمينة بوعياش وعمر الساغروشني، والحبيب المالكي، مصطفى الكثيري ويونس مجاهد، وهي أسماء اتحادية إلى جانب قيادات أخرى من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تقود اليوم أو تحظى بعضوية عدد من الهيئات والمؤسسات الوطنية باختلاف مجالاتها واهتماماتها.

ودَأَب مسؤولو الاتحاد بمختلف المؤسسات، دونما أيّ حَرج على اقتراح وتعيين أسماء من الحزب الاشتراكي وعلى مقرّبة منه، على غرار هيئة ضبط الكهرباء والمجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي تعرضت مؤخرا رئيسته آمنة بوعياش لانتقادات شديدة، من قبل هيئات حقوقية وسياسية، على خلفية اقصاء عدد من المكونات السياسية من عضوية اللجنة التي أحدثها للمجلس لإعداد مذكرة حول تعديل مدونة الأسر.

ولم يتوقف الأمر عن هذا الحدّ، بل تم إبعاد أسماء تنتمي إلى أحزاب سياسية مغربية مقابل افساح الطريق لتعيين شخصيات اتحادية ببعض هيئات الحكامة، على غرار الأسماء المقترحة من طرف السلطتين التنفيذية والتشريعية لعضوية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي تنتمي أغلبها إلى حساسيات يسارية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

ووسط حالات نادرة واستثنائية، بدا لافتا هيمنة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على رئاسة عدد من المؤسسات الدستورية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا الحضور الدائم لـ”حزب بوعبيد” على رأس المؤسسات الوطنية، مقابل غياب واضح لعدد من الأحزاب المغربية، التي يكاد تواجد بعض منها يكون منعدما بهذه المؤسسات.

وتتباين مواقف وتحليلات المراقبين، حول أسباب هذه الهيمنة التي بات يبسطها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على المؤسسات رغم فشله في الوصول إلى قيادة الحكومة طيلة العقدين الماضيين، حيث ظل الحزب يتأرجح ما بين المشاركة في الحكومات المتعاقبة وبين التخندق في صفوف المعارضة منذ مع عرف بقبوله “الانقلاب على المنهجية الديمقراطية” سنة 2002 في أعقاب قبوله المشاركة في حكومة جطو آنذاك رغم إبعاد كاتبه الأول ساعتها الراحل عبد الرحمان اليوسفي.

وفيما يرى عدد من المتتبعين للشأن السياسي الوطني، أن أسباب هذه الهيمنة قد تعود إلى السعي نحو مكافأة الحزب على قبوله م سمي بـ”الانقلاب على المنهجية الديمقراطية” والتنازل عن قيادة الحكومة سنة 2002، رغم تصدره للانتخابات، تذهب خلافا لذلك تحليلات أخرى، إلى أن الحزب الاتحادي فرض نفسه كمدرسة وطنية لتخريج الكفاءات القادرة على خدمة الوطن من واجهات متعددة ومختلفة، ومشتلا لإفراز النخب وتنظيما سياسيا وديمقراطيا يولي أهمية قصوى لوظيفة التنشئة السياسية.

مشتل للنخب

وفي هذا الصدد، يرى عبد الرحيم شهيد، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورئيس فريقه النيابي بالبرلمان، أن الأمر لا علاقة له بالهيمنة من عدمها، لأن تحمل مسؤولية إدارة المؤسسات الدستورية تتطلب كفاءات محددة غالبا ما توفرت في شخصيات انتمت أو تنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

ويعتبر شهيد في حديثه لـ”مدار21″، أن نيل مجموعة من الأسماء الاتحادية ثقة الملك لتحمل المسؤوليات العمومية وتدبير مؤسسات الدولة أمر يبعث على الاعتزاز، ويُبين أن الاتحاد من خلال مناضلاته ومناضليه قادر على خدمة الوطن في واجهات متعددة ومختلفة.

وأكد القيادي الاتحادي، أن هذا الأمر غير مرتبط بتحمل الحزب لمسؤولية تدبير الشأن العام، بمعنى أن ربط تحمل مجموعة من القيادات الاتحادية للمسؤوليات في المغرب، لم ينطلق مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي، بل يسجل التاريخ أن المغفور له الحسن الثاني سبق أن وضع ثقته في العديد من المسؤولين الاتحاديين وكلفهم بمهام مختلفة.

تبسط قيادات الاتحاد الاشتراكي الهيمنة على 6 أو 7 مؤسسات دستورية، وهذا أمر غير مسبوق في التاريخ السياسي المغربي، بما في ذلك لحظات هيمنة حزب الاستقلال على الحياة السياسة في المغرب المستقل، وفق تأكيد عبد الصمد بنعباد، باحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي.

بنعباد سجل ضمن حديثه لـ”مدار21″، أنه يتعين الإقرار بأن أحزاب الحركة الوطنية، مثّلت دوما خزانا للأطر والكفاءات، وأنها هي من تزود الدولة بحاجاتها إلى النخب، ويشكل الطلب على أبناء أحزاب الحركة الوطنية اعترافا رسميا بأن التكوين والتأطير الحزبي هو صمام أمان الدولة والوطن.

وسجل شهيد، أن تحمّل الاتحاديات والاتحاديين مسؤوليات رسمية، أو مسؤولية تدبير شؤون مؤسسات دستورية، أمرا عاديا وطبيعيا لكل متتبع للظاهرة الحزبية وللمشهد الحزبي بالمغرب، مضيفا أنه “لا مجال للاستغراب ونحن نعلم أن الاتحاد الاشتراكي شكل دائما مشتلا لإفراز النخب وتنظيما سياسيا وديمقراطيا يولي أهمية قصوى لوظيفة التنشئة السياسية.”

وأكد رئيس الفريق الاتحادي بمجلس النواب، أن حزبه استطاع على مدار أجيال وأجيال أن ينتج كفاءات مؤهلة في مختلف المجالات، وأن يسهم في صناعة النخب السياسية ببلادنا بفضل جودة تأطيره السياسي والفكري.

ثقة متزايدة بالاتحاد

لكن كيف يمكن تفسير هذه الثقة المتزايدة في أطر وقياديي الحزب الاتحادي مقابل ما يمكن وصفه بـ”تهميش” قيادات باقي الأحزاب؟

سؤال يُجيب عنه شهيد، بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مدرسة سياسية وطنية تضع المصلحة العليا للوطن ضمن الأولويات السياسية التي تدافع عنها في مختلف الوثائق والأدبيات الحزبية، مضيفا “وهي مدرسة تمكنت عبر تاريخها النضالي الحافل من إنتاج تصورات سياسية مهمة مما جعلها قوة اقتراحية مجددة تستمد تميزها من تنوع وتعدد الكفاءات الحزبية التي تشتغل في إطارها”.

ويرى القيادي الاتحادي، أن هذه الكفاءات ذات حضور سياسي وفكري وازن في المشهد السياسي الوطني، ومنها من نمتلك حضورا بارزا على الصعيد الإقليمي والدولي، معتبرا أن “تزايد هذه الثقة يجعلنا في الاتحاد الاشتراكي حريصين على المساهمة في استمرارها وتعزيزها من خلال تجديد خطابنا السياسي وتطوير ممارستنا السياسية والانفتاح على الكفاءات والفعاليات داخل المجتمع.

أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط رضوان عميمي، ضمن حديثه لـ”مدار21″، أكد أنه بالنسبة لاستمرار تعيينات شخصيات من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبة أو مقربة منه على رأس مجموعة من المؤسسات الدستورية يمكن تفسيره بعديد من العوامل التي قد لا تقتصر فقط على الخبرة والكفاءة والتجربة السياسية.

وسجل عميمي، أنه لا يمكن انكار توفر حزب الاتحاد الاشتراكي خاصة واليسار المغربي عموما على مجموعة من القيادات والكفاءات التي راكمت مسارا متميزا من النضال السياسي والحقوقي خاصة خلال فترة احتدام الصراع على السلطة في المغرب ما قبل التناوب التوافقي، مستفيدة من الرصيد الفكري الذي ساد خلال تلك الفترة، والذي توج بقيادة الاتحاد الاشتراكي لحكومة التناوب، قبل أن يتراجع وهج الحزب سياسيا وإيديولوجيا مقابل تزايد رصيده من التعيينات في مناصب الدولة خاصة على صعيد المؤسسات الدستورية.

“التكنوقراط الحزبي”

وتذهب بعض التحليلات إلى أن التركيز على قيادة الاتحاد الاشتراكي لشغل مناصب المسؤولية على رأس الهيئات الدستورية، قد يجد تفسيره في كون البروفيلات المبحوث عنها يتعين أن تجمع ما بين الخبرة وما يمكن تسميته بـ”التكنوقراط الحزبي”، وهو الأمر الذي يتوفر عليه الاتحاد على اعتبار أن هناك أسماء اشتراكية تملك قدرا من الخبرة التقنية وحدّ أدنى التصور السياسي، دونما إغفال امكانية طلب هذه الشخصيات نفسها للمسؤولية وفق المسالك المتاحة بشكل مباشر أو غير مباشر.

عبد الحفيظ ادمينو أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أوضح أن حضور عدد من ممثلي الأحزاب السياسية وفي مقدمتهم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على رأس مجموعة من الهيئات والمؤسسات الدستورية، يمكن قراءته من زاويتين:

الأولى، أنه ربما أن اختيار هذه القيادات الحزبية هو نابع من تمرسها وخبرتها في المجالات التي تعنى بها هذه المؤسسات الحبيب كأستاذ جامعي وباحث ورئيس مرصد ليس بعيدا عن هذا مجال التعليم والتربية والتكوين علاوة على تمرسه السياسي في تقلده منصب وزير التربية الوطنية ورئاسته لمجلس النواب، حيث تمكن من مراكمة خبرة مؤساستية مهمة بغضّ النظر عن انتمائه السياسي، وهذا الأمر يقاس على قيادات أخرى.

من زاوية ثانية، يرى ادمينو في حديثه لـ”مدار21″، بأن هذا الاختيار ايجابي وصائب من حيث أنه لا زالت الأحزاب السياسية قادرة على تخريج قيادات من هذا الحجم لرئاسة مؤسسات دستورية، هذه القيادة الحزبية وإن كانت لا تمثل الحزب رغم انتماءها إليه لها رمزيتها وثقلها، وبالتالي نبتعد عن التقنوقراط الذي يتوفر على شهادات عليا فقط في تخصصات معينة دون أن يكون قد مر من أي تجربة سياسية.

وأكد ادمينو، أن المؤسسات الدستورية، سياسية بطبعها بالرغم من كون بعضها مؤسسات لإنتاج الخبرة والمعرفة حول تدبير الشأن العام، لكن كذلك خلفيتها سياسية لأن من المفروض أنها تعد آراءها وتوصياتها التي توجهها للفاعل السياسي، سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو بالحكومة، وبالتالي من الأفضل أن يوجد على رأسها أشخاص لديهم تجربة في المجال ورصيدهم السياسي الذي لا يقل عن التجارب العلمية أو الاقتصادية أو الفنية

وأشار ادمينو، إلى أن هذه القيادات باستثناء الحبيب المالكي، لم تعد لها صلة مباشرة بالحزب، من قبيل رضا الشامي، الذي لم تعد له أي علاقة مع الحزب، بل إنه على خلاف منذ مدة مع القيادة الحالية لحزب الاتحاد الاشتراكي ونفس الأمر مع رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان آمنة بوعياش، التي قطعت صلتها بالحزب منذ سنوات، حيث كانت مرتبطة به على عهد اليوسفي لكن لم تعد تربطها أي صلة بالحزب بل إنها أخذت مسارات أخرى في مجال حقوق الانسان.

صفقة أم مكافأة؟؟

وحول ما إذا كان من الممكن تفسير هذه الهيمنة، بأنها “صفقة أو مكافأة” لهذا الحزب مقابل قبول الانقلاب المنهجية الديمقراطية، ويرى عبد الرحيم شهيد، أنه بالعودة إلى تاريخ تعيين إدريس جطو وزيرا أولا بعد تشريعيات 2001 التي تصدر نتائجها الاتحاد الاشتراكي، أن جميع الأحزاب السياسية باستثناء حزب واحد، كانت غير رافضة لتعيين جطو، بطبيعة الحال إلى جانب الاتحاد الاشتراكي الذي صاغ بيانا وصف هذا التعيين بالخروج عن المنهجية الديمقراطية.

وأضاف، أن هذا المفهوم الذي بات متداولا اليوم هو منتوج اتحادي خالص ينضاف إلى العديد من المفاهيم التي أغنى بها الحزب القاموس السياسي المغربي، مشيرا إلى أن البيان المذكور، أعلن من خلاله الاتحاديات والاتحاديون حينها موقفهم من عدم تعيين وزير أول منهم، على اعتبار أن حزبهم من تصدر نتائج الانتخابات، لكنهم أعلنوا كذلك دوافع قبولهم لهذا القرار ومبررات استمرارهم في الحكومة.

وشدد القيادي الاتحادي، على أن الأمر لم يتعلق بصفقة، ولم يكن صورة من صور الغبن التي تستوجب الانصاف أو المكافأة، بل كان موقفا سياسيا تجاه قرار سياسي، وباستحضار أن   الاتحاديين قد تحملوا مسؤوليات رسمية، ومسؤوليات أولى بالعديد من المؤسسات حتى قبل حكومة التناوب التوافقي، يجعل هذا الرأي مردود على من يتبناه.

من جانبه، استعبد عبد الحفيظ ادمينو، فكرة مكافأة الحزب نظير خدماته التي أسداها للدولة، وقال إنها فكرة غير دقيقة يمكن القبول بها لو تعلق الأمر بالقيادات الحالية للاتحاد الاشتراكي هي التي تم تعيينها على رأس هذه المؤسسات، مضيفا أن ” المكافآت تكون عندما يتعلق بتعيين القيادات التي ما تزال تمارس على رأس الحزب والتي عاصرت هذا الحدث وبالتالي تتم مكافأتها”.

وقال أستاذ القانون العام بجامعة الرباط، إن هذه أمور لا يمكن الاعتماد عليها لأنها تحتاج إلى حجج دامغة، ولأنه ليس هناك ما يفيد أن “الانقلاب على المنهجية الديمقراطية” هو السبب وراء اختيار أغلب رؤساء المؤسسات الدستورية من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وخلص ادمينو، إلى أن مسألة تعيين رؤساء المؤسسات الدستورية، هي سلطة تقديرية للملك وبالتالي لا يمكن تصور أن الملك يمكن أن يعمد إلى إقصاء هذا المكون السياسي أو ذاك أو أن يتخذ قرارات مرتبطة بما يسمى بـ”الاقصاء المنهجي”،  مشيرا إلى أنه يتم اقتراح مجموعة البروفايلات وفي نهاية المطاف التقدير الملكي يبقى الحاسم في الاختيار .

“مكايدة المجتمع”

وفي مقابل خريجي أحزاب الحركة الوطنية، يرى عبد الصمد بنعباد الباحث في العلوم السياسية، أن وهْم التكنوقراط لايصمد في اللحظات الصعبة، حيث تقول الدولة إن التكنوقراط عبئ يثقل كاهلها ومؤسساتها، ففي المحطات الحساسة من التاريخ، يشتد الطلب على المناضل خريج الحزب السياسي، لأنه الأكثر قدرة على التفكير لصالح الدولة، في مقابل نموذج التكنوقراط الذي لا يحسن إلا التنفيذ.

وبرأي عبد الصمد بنعباد، ينبغي التفرقة بين ملاحظتين، الأولى، خلفيات التعيين، والتي تقترب من “مكايدة” المجتمع، مشيرا إلى  أن الاتحاد الاشتراكي كان من سنوات السبعينات إلى التسعينات هو الحزب الأكبر في المغرب، وكان وجهة عشرات آلاف المغاربة، أطرا وكوادر ونخبا، وبالتالي تمثيل الأطر الاتحادية في مؤسسات الدولة، كان تعبيرا “طبيعيا” عن الحجم الاجتماعي للحزب.

ولفت الباحث في العلوم السياسية، أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومنذ بداية الألفية الجديدة، وتولي الملك محمد السادس العرش، تقلص وجوده الاجتماعي بشكل حاد، وغادر سفينته آلاف المناضلين والكوادر والأطر والنخب، وفي سنوات التقلص انطلقت عمليات استقطاب نخب اتحادية إلى مؤسسات دستورية.

واعتبر بنعباد أن المخيف إزاء هيمنة الاتحاديين على مؤسسات الدولة، أننا أمام حالة أقرب إلى “عقدة ستوكهولم”، أكثر من كونها مكافأة أو تعويض، لأن أغلب المسؤولين الاتحاديين أصبحوا يقومون بالدفاع عن كثير من التجاوزات التي كانوا هم ضحاياها، في وقت كان المفروض فيهم العمل على عدم تكرار تجاوزات الماضي لا التستر عليها.

رفض الهيمنة

وبدأت هذه الهيمنة تثير حفيظة الأحزاب السياسية المغربية، التي عبرت غير ما مرة عن رفضه لمنطق الاقصاء في المناداة على أطرها لشغل مناصب المسؤولية بالمؤسسات الوطنية، والتي كان آخرها العدالة والتنمية الذي استنكر ما اعتبره، إقصاء تعرض له حزب البيجيدي والنقابة المقربة منه، الاتحاد الوطني للشغل، من تشكيلة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

وعلى لسان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، تساءل الحزب الذي قاد الحكومة المغربية لولايتين متتاليتين، “أليس في حزب العدالة والتنمية كفاءة واحدة تستحق التواجد بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين”، معبرا في المقابل عن استغرابه من تشكيلة المجلس وطبيعة أعضائه.

وردّا على المنزعجين من هيمنة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على رئاسة المؤسسات الدستورية، سجل شهيد، أنه لا وجود لأي صورة من صور الهيمنة، كل ما في الأمر أن هناك كفاءات اتحادية، أو سبق أن كانوا أعضاء فاعلين أو قيادات في الحزب، يحتاجها الوطن اليوم، وهي تؤدي مهامها من مواقعها العمومية، مردفا: “لا أعتقد أن هناك من سيزعجه وجود فاعلين سياسيين لا أولوية لهم غير مصالح الوطن وخدمة الوطن، والاتحاديات والاتحاديين سيظلون في طليعة هؤلاء السياسيين الوطنيين”.

انقاذ تآكل الحزب

وأوضح رضوان عميمي، أستاذ القانون الإداري بجامعة الرباط، وهي محاولة لإدماج الفكر السياسي ضمن دواليب العمل المؤسساتي، لاسيما وأن المغرب عرف انفراجا حقوقيا خلال فترة التسعينيات وبداية الألفين، توج بإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وإقرار المفهوم الجديد للسلطة وهو ما المجلس الذي لطالما طالبت به قيادة اليسار.

وأوضح عميم، أنه يمكن تفسير استمرار هذا النهج حتى بعد دستور 2011، بأنه محاولة للحفاظ على ما تبقى من خبرة الاتحاد الاشتراكي لانقاذه من التآكل خاصة بعد تراجعه السياسي والانتخابي، حيث جرى احتواء النخب اليسارية ضمن شكل جديد من التنخيب الذي وفرته المؤسسات الدستورية التي أحدثها دستور 2011، من مؤسسات الحكامة والتنمية البشرية والتقنين والديمقراطية وغيرها.

لكن هذا لا ينفي، حسب الأستاذ الجامعي، فرضية الحفاظ على التعددية داخل مؤسسات الدولة في ظل هيمنة أحزاب أخرى على التدبير الحكومي لما بعد دستور 2011، مشيرا إلى  أن هذا التنخيب قد يطرح تساؤلات حول مستقبل العمل السياسي من زاوية استمرار عزوف النخب المثقفة عن الانخراط في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام

وأكد أستاذ القانون الإداري، أنه في ظل عدم وضوح الرؤيا فيما يتعلق بالتعيينات والمعايير المعتمدة في شأنها سواء من حيث الخبرة والكفاءة والتخصص والنزاهة، خاصة بالنسبة بالنسبة للنخب الجديدة وكذا مغاربة العام الذين يطمحون لنقل تجاربهم وخبراتهم خدمة للوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News