امرأة

ثغرات قانونية تُنعش العنف الرقمي ضد نساء المغرب ومطالب بكسر جدار الصمت لردعه

ثغرات قانونية تُنعش العنف الرقمي ضد نساء المغرب ومطالب بكسر جدار الصمت لردعه

بالرغم من إقرار المغرب قانونا يجرم العنف ضد النساء، دخل حيز التنفيذ في عام 2018، إلا أن صعوبات مختلفة ما تزل تواجه تطبيقه على أرض الواقع بعد أكثر من أربع سنوات على اعتماده، فضلا عن كونه يثير جدالا واسعا بين من يعتبرونه قانونا “ثوريا” ينصف المرأة ويضع حدا لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها، سيما في ظل ظهور أشكال وتلاوين جديدة للعنف ضد النساء في سياق الثورة الرقمية.

وترصد هيئات حقوقية وسياسية ومدنية، تعاظم واستمرار معاناة النساء والفتيات من ظاهرة العنف والتحرش التي انتقلت من الواقع الاجتماعي والفضاءات العامة نحو الفضاءات الافتراضية، متجاوزة بذلك الطرق التقليدية نحو شكل جديد من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، وهو ما يعرف بالعنف الرقمي.

ويعتبر العنف المبني على النوع الاجتماعي خرقا صارخا لحقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، من شأنه أن يعرقل الجهود المبذولة لبلوغ المساواة بين الجنسين ويحد من مشاركة النساء ويدفع بهن إلى المزيد من العزلة والانطواء، ويكبد المجتمع تكاليف اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، مما ينعكس سلبا على إمكانيتهم الإنتاجية وعلى تنزيل ورش خطة التنمية المستدامة.

ويعرف العنف الرقمي، أنه استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال من طرف شخص مجهول أو معروف بالنسبة للضحية لإلحاق الضرر، سواء عاطفيا أو نفسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو جسديا أو غير ذلك، باستعمال الشبكة العنكبوتية ومنصات الوسائط الاجتماعية ورسائل البريد الإلكتروني.ويستهدف العنف الرقمي النساء بسبب نوعهن الاجتماعي بشكل غير متناسب، والمغرب شأنه شأن باقي دول العالم والدول العربي شهد انتشار ظاهرة العنف الرقمي بمختلف أنواعها.

أرقم مقلقة عن العنف الرقمي

وأظهرت نتائج البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط حول انتشار العنف ضد النساء، أن أن استعمال التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصالات، ساهم بنسبة 19% في العنف ضد النساء بجميع أشكاله. فمع مع هذا الانتشار للتكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصالات وتوسع شبكات التواصل الاجتماعي.

وبرز العنف الرقمي بجميع أشكاله، حسب ما أوضحت المندوبية، ضمن مذكرة أصدرتها تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة 08 مارس 2023، مع معدل انتشار ناهز 14%، فإن قرابة 1,5 مليون امرأة هن ضحايا العنف الإلكتروني بواسطة الرسائل الإلكترونية، أو المكالمات الهاتفية، أو الرسائل النصية .

ويرتفع خطر التعرض لهذا النوع من العنف بشكل أكبر عند نساء المدن (16%) والشابات المتراوحة أعمارهن بين 15 و19 سنة (29%) واللائي لديهن مستوى دراسي عالي (25%) والعازبات (30%) والتلميذات والطالبات (36%). ويرتكب هذا الشكل من العنف في 73% من الحالات، من طرف رجل غريب، بينما ترجع باقي حالات العنف الإلكتروني، وبنسب متساوية تناهز تقريبا 4%، لأشخاص لهم علاقة بالضحية ولا سيما الشريك، أو عضو من العائلة، أو زميل في العمل، أو شخص في إطار الدراسة أو صديق(ة).

وفي المجمل، يساهم العنف الإلكتروني في حدود 19% من مجموع أشكال العنف ضد النساء. وترتفع هذه المساهمة إلى 34% لدى الفتيات المتراوحة أعمارهن بين 15 و19 سنة وإلى 28% لدى النساء المتراوحة أعمارهن بين 20 و24 سنة.

وكشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب إنه أنجز دراسة شملت 180 حكما قضائيا يتعلق بقضايا العنف ضد النساء، مسجلا أن العنف الرقمي ضد النساء يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 31 في المائة، يتبعه العنف الجنسي بـ26 في المائة، ثم العنف الاقتصادي بـ20 في المائة، فالعنف النفسي بـ18 في المائة، ثم العنف الجسدي بـ5 في المائة.

وحسب تقرير قدمه المجلس الجمعة 11 مارس في الرباط حول “تشجيع التبليغ ضد العنف ضد النساء والفتيات”، فإن نحو 60 في المائة من المتابعات تخص متابعات في حالة سراح (إفراج)، و40 في المائة تخص متابعات في حالة اعتقال. وأشار المجلس إلى أن عددا من المحاكم شرعت في تخصيص جلسات مستقلة لبت قضايا العنف ضد النساء، بهدف تخفيف أعباء المحاكمات، وتسريع وتيرة بت هذه القضايا ومراعاة وضع الضحايا.

ومن خلال عينة الأحكام، يتبين أن 65 في المائة من قضايا العنف ضد النساء تُبَت في جلسات عادية، بينما لا تتجاوز نسبة الأحكام التي تم البت فيها في جلسة خاصة بقضايا العنف ضد النساء 35 في المائة. كما تبين أن 96 في المائة من قضايا العنف يتم التبليغ عنها من طرف الضحايا أنفسهن، بينما لم تتجاوز نسبة قضايا العنف التي تم التبليغ عنها من طرف الغير 3.33 في المائة، من ضمنها حالات قام المتهمون أنفسهم بالتبليغ عنها.

ووفقا لمسح أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان في سنة 2021، شهدت 85 في المائة من النساء اللواتي لديهن إمكانيات الوصول إلى الإنترنيت عنفا رقميا ضد نساء أخريات، و38 في المائة تعرضن له شخصيا، كما أن حوالي 65 في المائة من النساء تعرضن للتنمر الإلكتروني والكراهية والتشهير.

في المقابل، أظهرت دراسة تم الكشف عنها في  2020، أن ما يقارب 87 في المائة من النساء ضحايا العنف الإلكتروني في المغرب فكرن بالانتحار، وما يقارب 20% منهن حاولن، فيما أقدمت سيدة واحدة منهن على الانتحار بالفعل.

وكشفت نتائج الدراسة التحليلية، التي أجرتها جمعية “التحدي للمساواة والمواطنة” حول العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، أن 60 بالمائة من المعتدين هم أشخاص معروفون لدى الضحية، في حين أن 40 بالمائة منهم أشخاص مجهولون.

وحسب الدراسة، فإن جل الاعتداءات الرقمية تتم باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي. ويبقى أكثر الوسائل استعمالا للعنف الرقمي هو “واتساب” بنسبة 43 في المائة، يليه “فيسبوك” بنسبة 22 في المائة، ثم “إنستغرام” بنسبة 17 في المائة وموقع “ميسنجر” بنسبة 14 في المائة.

#image_title

وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، اعتبرت هذه الأرقام مقلقة، وتستدعي إذكاء الوعي المجتمعي حول العنف الرقمي والتحسيس بمخاطره التي تتعدى تهديد السلامة البدنية للمرأة إلى مسارها الدراسي والمهني.

ودعت حيارة ، بمناسبة إطلاق الحملة الوطنية التحسيسية الـ20 لوقف العنف ضد النساء والفتيات، بتاريخ 25نونبر 2022 بالرباط، إلى تحصين الفضاء الرقمي بترسانة قانونية قوية تحمي النساء والفتيات من العنف الرقمي، مشددة، خلال إعطاء انطلاقة الحملة الوطنية التحسيسية الـ20 لوقف العنف ضد النساء والفتيات، على ضرورة خلق مناخ عام رافض للعنف والتمييز بكافة أشكاله لحماية هؤلاء النساء.

وأكدت أن الوزارة الوصية تهدف عبر هذه الحملة الوطنية إلى توعية الضحايا بإمكانية التبليغ عن هذا العنف وأن الهيئات المختصة لديها ما يكفي من الوسائل لمعرفة مرتكب هذا العنف وتتبعه ومعاقبته من خلال إشراك مختلف الفاعلين، مبرزة أن هذه الحملة ستستمر إلى ما بعد الأيام الأممية الـ16، عبر تقديم مقترحات تروم محاربة هذه الظاهرة، والتركيز على الذكورية الإيجابية لبناء علاقات مجتمعية سليمة.

وأضافت حيار، أن الوزارة اختارت أن تتمحور حملة هذه السنة حول موضوع “مخاطر العنف الرقمي على النساء والفتيات” لاعتبارات متعددة، تروم أساسا تسليط الضوء على تنامي هذا الشكل من العنف الذي جاء نتيجة التغيرات المتتالية التي يشهدها المغرب على غرار باقي دول العالم في مجال التطور الرقمي والإقبال المتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضحت أن هذا الإقبال تتعرض على إثره العديد من النساء والفتيات إلى أشكال متنوعة من العنف الرقمي، من ابتزاز جنسي وتشهير وتنمر وتعذيب ومختلف الإساءات التي يمكن أن تتعرض لها ضحايا العنف الرقمي.

ويمكن القول إن الانتشار القوي للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإلكترونية شكل بيئة خصبة لتفشي هذا الجرم، لنجد أنفسنا أمام أفعال التحرش والتنمر والعنف اللفظي، وارتفاع وتيرة إنتاج خطابات الكراهية المعادية للنساء وحقوقهن، والابتزاز والتشهير وحملات تشويه السمعة من خلال نشر مغالطات أو صور وفيديوهات تدخل في نطاق حميمية النساء وحياتهن الخاصة، بهدف إلحاق الضرر بهن أو إلى الحد من تواجدهن.

ويستمد العنف الرقمي أصوله من الاختلال الاجتماعي في الأدوار بين الرجل والمرأة وتدعمه المفاهيم السلطوية الذكورية المتغلغلة في مجتمعاتنا العربية والتي تنعكس على العالم الرقمي، غير أن عواقبه وأبعاده النفسية والاجتماعية تصل إلى العالم غير الافتراضي.

مشاهد وأساليب العنف الرقمي

ولا يختلف اثنان على أن النساء لهن الحق الكامل في الوصول المتساوي إلى المنصات الرقمية دون أدنى عائق، إلا أن المضايقات والانتهاكات تنهال وتكاد لا تتوقف تجاه النساء والفتيات في هذا الفضاء، مما يؤثر على حياتهن الخاصة وصحتهن النفسية والجسدية، الشيء الذي تكون له تبعات عميقة وأشد فتكا على مسارهم الاجتماعي والعلمي والتعليمي.

واضطرت الكثير من الفتيات لمغادرة فصولهن الدراسية أو وظائفهن بعد أن قام أحدهم بالتشهير بهن ونشر صور أو شرائط فيديو تمس حياتهن الخاصة، كما تعاني أخريات من ويلات الابتزاز بمقابل مادي أو بالإكراه على ممارسة العلاقات الجنسية حتى لا يقوم أحد المقربين أو من كانت لها به علاقة سابقة بنشر صور أو مقاطع فيديو خاصة

ويسلك المتحرشون طرقا أخرى للإيقاع بالضحايا انطلاقا من قرصنة الحسابات، الولوج إلى المعطيات والبيانات المعلوماتية ذات الطابع الشخصي، بالتالي الاستيلاء على الصور الخاصة ثم استخدمها للابتزاز والتشهير وتشويه السمعة، ناهيك عن فبركة المعطيات الخاصة والتلاعب بها وفق ما يخدم مصالحهم للتأثير على الشخصية المقصودة بالشكل المرغوب فيه لخدمة مصالح جهات معينة.

كما تواجه العديد من المراهقات مخاطر التعرض للعنف الرقمي بشكل أكبر باعتبارهن أقل الفئات وعيا بمخاطر المنصات الرقمية وكيفية التعامل معها، وفريسة سهلة لاصطياد والاستقطاب، وهو ما تؤكده عدد من التقارير الإعلامية، حيث أن الفتيات المراهقات يكن أكثر إقبالا واستعمالا لوسائل التواصل ومنصات التعارف.

وفي حال استدراجهن لإرسال صور معينة أو مقاطع فيديو خاصة يصبحن أمام مجموعة من المضايقات والابتزازات الصادرة سواء من شخص مجهول يتوارى خلف شخصية افتراضية وهمية، أو من شخص كانت تجمعهن به صداقة أو علاقة غرامية، ما يكون له أثر بليغ على نفسيتهم قد يصل حد الانعزال والانطواء والاكتئاب المؤدي في الكثير من الأحيان إلى العزلة الاجتماعية والانسحاب من الحياة العامة وصولا إلى الانتحار.

ولا يمكن إغفال العنف الرقمي الذي تواجهه بشكل خاص الناشطات الحقوقيات السياسيات والصحفيات المدافعات على قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، حيث يواجهن مجموعة من المضايقات نتيجة مواقفهن وآرائهن المدافعة والمناصرة للمرأة و حقوق الإنسان بشكل عام، إذ يواجهن السب والقذف والتشهير ونشر محتويات مضللة حول مواقفهن تجاه قضايا سياسية أو اجتماعية بهدف إلحاق الأذى النفسي والجسدي.

إلى جانب ذلك، يتم في كثير من الأحيان نشر خطابات الكراهية المحرضة والتعليقات المسيئة والمساس بحياتهن الخاصة، والاستيلاء على بيناتهن الشخصية ونشر صور ومعطيات خاصة بغرض التشهير وتشويه السمعة، وصولا إلى التهديد بالاختطاف والتعذيب والاغتصاب والقتل، مما يؤثر سلبا على أدائهن المهني وفعاليتهن وحضورهن في ظل غياب الضمانات والنصوص القانونية الكافية للحد من هذا النوع من الجرائم الإلكترونية ناهيك عن الثغرات القانونية التي تحول دون إقرار الحماية الشاملة لهذه الفئات.

ويتخذ العنف الرقمي المسلط على النساء أشكال مختلفة لا حصر لها في ظل تعدد خصائص ومقومات المنصات الرقمية، مما يشكل إزعاجا ورعبا حقيقيا لمعظم النساء ويدفعهن في أغلب الأحيان للصمت وكثم جراحهن. هذا النوع من العنف تحديدا لديه قدرة كبيرة على التطوير من آلياته باستمرار نتيجة طبيعته الديناميكية.

ومن أبرز أشكاله نجد المضايقات والتنمر والتعليقات المسيئة ذات البعد الجنسي، إرسال مقاطع إباحية، التشهير وتشويه السمعة، المساس بالحياة الخاصة، إلحاق الضرر النفسي، التهديد بالضرب والجرح الاغتصاب والقتل أو الاختطاف، وكذا إنتاج ونشر خطابات تمس بالغير أو تدعو للتكفير أو التصفية الجسدية، فضلا عن التحكم الإلكتروني والمراقبة والتعقب السيبراني والتجسس وسرقة المعطيات والهوية والتحكم السيبراني، الانتقام الاباحي، الابتزاز.

وتمتد صور العنف الرقمي، إلى  الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، الترويج لخطابات الكراهية والتحريض على انتهاك أمن وسلامة النساء، السب والقذف الإلكتروني العلني وغير العلني، إلى جانب التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع صور لأشخاص أثناء تواجدهم في أماكن خاصة دون موافقة مسبقة، وتوزيع تسجيلات أو بث عبر الإنترنيت لمحادثات ومعلومات صادرة بشكل سري دون موافقة أصحابها، وكذا بث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، عبر الأنظمة المعلوماتية دون موافقته، أو بث أو توزيع ادعاءات و وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.

ثغرات قانونية للتجريم

لا تزال القوانين المغربية التي تستهدف مناهضة العنف الرقمي ضد النساء قاصرة عن أدائها كل المهام المنوطة بها، وذلك راجع للغموض والاضطراب المفاهيمي حيث استعان المشرع بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الجنائية الغير الواضحة والتي تفتقر إلى الدقة، كما أن القانون رقم 103.13 يشمل العديد من الثغرات ومواطن الضعف والنواقص، أبرزها أنه لا يتوفر على أي إشارة صريحة أو حكم مستقل يدين فعل التهديد والابتزاز عبر الإنترنيت والشبكات الاجتماعية، والتجسس والتتبع الجغرافي باستعمال برامج دقيقة.

كما أن جرم انتحال صفة بغرض التشويه وتلويث سمعة الغير على منصات التواصل غير مشمولة في القانون الجنائي، رغم أنه يمثل ظاهرة تعاني منها الكثير من النساء اللواتي يتعرضن للقرصنة والاستيلاء على صورهن الشخصية بغرض إنشاء حسابات وهمية بطابع جنسي لابتزازهم أو لاستغلالهم في النصب على آخرين، إلا أن تطبيق القواعد الجنائية على هذه الجرائم يتسم بالصعوبة لكون رجال القضاء يجدون أنفسهم أمام انتهاك مستجد وغير مجرم، ما يدفعهم إلى اللجوء لقياس الفعل المجرم مع فعل مماثل له نسبيا غير مجرم.

علاوة على ذلك، نجد أن النصوص القانونية، حينما وضعت تعريفا للعنف، ربطته بضرورة توفر الركن المادي للضرر الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الاقتصادي للنساء، مما يبقي كل أشكال العنف المرتكب دون رصد ضرر مادي غير مجرمة.

#image_title

وطالب الفريق الاستقلالي بمعاقبة وزجر العنف الرقمي ضد النساء من خلال تخصيص مواد جديد في القانون في الباب الثاني المتعلق بأحكام زجرية، بعدما أظهر الواقع أنه لم يعد من المستساغ أن يبقى هذا الشكل من العنف مغيبا في النص، مبرزا أن مندوبية التخطيط كشفت أن ما يقارب 1.5 مليون إمرأة يقعن ضحايا العنف الرقمي عبر البريد الإلكتروني.

وقال أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحافظ أدمينو، إن المندوبية السامية للتخطيط توصلت في دراسة لها، أن ما يقارب 1.5 مليون امرأة يقعن ضحايا العنف الرقمي عبر البريد الإلكتروني، مؤكدا أن هذا المعطى لوحده يكفي لإبراز خطورة هذا الشكل من العنف على المرأة، وما يفرزه من آثار صحية ونفسية عليها، ويحول دون مشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعيق تمكينها في مختلف المجالات.

وأوضح أدمينو، إلى أن من المستجدات التي جاء بها المقترح الاستقلالي لمراجعة قانون العنف ضد النساء، وضع ديباجة للنص تحيل إلى المرجعيات الدولية والوطنية المؤطرة للقانون التي تنظر إلى العنف ضد المرأة كممارسة مدانة وأن محاربته مسؤولية الجميع، كما أشارت إلى مخاطر العنف الرقمي كشكل جديد من أشكال العنف.

وبحسب الخبير القانوني، فقد اقترحت المبادرة التشريعية المذكورة، التوسيع في الباب الأول الذي كان يتضمن تعريف العنف وأشكاله بالتنصيص على مواد جديدة تحدد محتوى القانون، المبادئ المؤطرة له، وأهداف النص، كما تم تضمين في مادة التعريفات تعريف العنف الرقمي وتحديد المقصود منه وفقا للقانون.

كما اقترحت، يضيف أدمينو، وضع إطار للشراكة بين السلطات العمومية والمؤسسات المعنية بحماية حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني من أجل القيام بالتدابير الوقائية من العنف ضد المرأة، والتزام الأفراد بالشهادة وتقديم الشكايات عن العنف ضد المرأة وكل امتناع عن الشهادة يعرض صاحبه للعقوبات.

وفي هذا الصدد، قدم حمزة عبد المهيمن، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بالرباط، قراءة في تجربة خلايا التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف، حيث خلص إلى أن اختصاصها ضيق، لأنه يقتصر فقط على مرحلة البحث التمهيدي حيث يمكنها تلقي الشكايات والاستماع ثم الإحالة على الضابطة القضائية.

وأوضح عبد المهيمن، أنه بعد مرحلة البحث التمهيدي ثم التقييم تنتهي مهمة هذه الخلايا، مشددا على ضرورة أن تتوسع مهمة هذه الخلايا لكي تواكب مرحلة المحاكمة وصدور الحكم ثم الطعن ثم تنفيذ الأحكام القضائية أو المقررات المتعلقة بها.

وسجل، أن خلايا التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف كانت موجودة في المحاكم قبل 2018 بناء على دورية وزير العدل والآن أصبح لها إطار قانوني، وتم تعميمها على جميع المحاكم، مضيفا أن أحد نواب وكيل الملك هو الذي يترأس الخلية، بالإضافة إلى أطراف أخرى.

وأشار إلى أن هذه التجربة فيها إشكال، أولا هناك غياب للتخصص، أي أن نائب الوكيل الذي يشتغل على قضايا الاعتقال والاستنطاق هو نفسه الذي يشتغل على هذا الموضوع، أي أن التخصص في هذه المادة التي تعتبر أسرية واجتماعية وقانونية، مضيفا أن الإشكال الكبير هو غياب التفرغ وهو ما يجعل من هذه المهمة لدى نواب وكلاء الملك ثانوية أو مكملة لمهامهم.

انعكاسات العنف الرقمي

#image_title

للعنف الرقمي مجموعة من الآثار النفسية والمعنوية الوخيمة التي ترغم النساء في الكثير من الأحيان على الانعزال التام والابتعاد عن مشاركة الحياة العامة في الفضاءات العمومية والافتراضية، قد ينتج عن هذا الفعل أضرار اقتصادية واجتماعية تطال هذه الفئات، فعندما يتم نشر صور تخص إحدى النساء أو مقاطع مصورة ذات طابع جنسي على المنصات الرقمية ومحركات البحث، يصبح من الصعب على هذه الضحية إيجاد فرصة عمل و الاندماج في سوق الشغل مجددا.

كما أن هذا النوع من التشهير قد يكلفها خسارة محيطها الاجتماعي نتيجة نظرة المجتمع النمطية وسلطته المطلقة على المرأة، حيث تتحول هذه الأخيرة في منظور المجتمع من ضحية إلى متهمة تواجه النظرة الدونية واللوم وحدها، ما يسبب لها معاناة وآلام مضاعفة، فضلا عن تراجع ثقتها بنفسها وقدرتها على الظهور والمواجهة والبحث على فرص وإمكانيات جديدة مما يكلف المجتمع خسارة طاقة فاعلة ومنتجة قادرة على العطاء في مختلف المجالات والميادين.

وأكد سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن التمييز الافتراضي ضد المرأة يترتب عنه صورة سيئة إزاء المغاربة وكذلك على تنافسية المملكة المغربية، مشددا على ضرورة إيلاء الأهمية للتربية الجنسية وعلاقتها بالتمييز الافتراضي ضد المرأة، وإحداث دليل افتراضي للممارسات الفضلى تجاه المرأة والالتزام به كمرجع للمتابعات القانونية، مع إبداع ميثاق وطني ضد التمييز الافتراضي للمرأة.

ودعا السوسيولوجي المغربي، إلى إحداث مرصد وطني ضد خطاب الكراهية من أجل ضبط المعجم والسلوكات التي تدخل في إطار العنف الافتراضي ضد المرأة، وخلق مراكز الاستماع للعنف الافتراضي، والتحسيس بالممارسات والآليات الإجرائية والتدابير القانونية ضد العنف الافتراضي.

وشدد بنيس على ضبط الحقول الدلالية التي ينبغي أن سيتم تجريمها بقوة القانون، مثل العنصرية والازدراء الشكلي ووصف المرأة بأوصاف حيوانية، وتعزيز مسارات المواطَنة، ومأسسة التسامح النوعي من خلال التفاوض المجتمعي، إضافة إلى اعتماد مادة التربية القيمية في المدرسة لتغليب سوق القيم على سوق الشغل والتحسيس بالتمييز الافتراضي.

من تبعات العنف الرقمي كذلك، نجد أن الفتيات والنساء اللواتي تعرضن لهذا الانتهاك يصبحن أكثر خوفا وانعداما للرغبة في الاندماج في الحياة العامة والمنصات التواصلية، إذ تسيطر عليهن مخاوف التعرض لحالات عنف رقمي أخرى في حال ولوجهن الفضاء الرقمي مرة أخرى، وهو ما يحد من مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في استعمال العالم الرقمي، كما أن تأثير الصدمة لا ينتهي بشكل كلي، فقد تعيش الكثير من النساء أمام تبعات الجرم المقترف في حقهن باسترجاعهن المتواصل لشريط الذكريات المتعلق بتلك الحادثة مما يعمق جراحهن ويصعب مهمة النسيان والتجاوز.

وفي هذا الإطار، أكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، أن الرقمنة بقدر ما أصبحت رافعة أساسية للتنمية وتمكن الفئات الهشة من الولوج بسهولة إلى الخدمات الاجتماعية والمعرفة والعلم، بقدر ما باتت تشكل تهديدا على الصحة النفسية وسلامة العديد من النساء والفتيات، داعية، في هذا الإطار، إلى تحصينها بقوانين قوية لكي لا تشكل خطرا على هؤلاء النساء.

وأبرزت أن الوزارة تحرص على عدم جعل هذه الحملة مجرد تقليد سنوي للاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، الذي يتزامن مع الـ25 من شهر نونبر لكل سنة، “بل محطة أساسية لإحداث تعبئة اجتماعية وخلق مناخ عام رافض للعنف والتمييز بكل أشكاله ضد النساء، والتحفيز على الانخراط الإيجابي في تنفيذ الإصلاحات التي تقودها بلادنا في هذا المجال”.

تجريم العنف الرقمي

وبالعودة إلى التأطير القانوني لتجريم العنف الرقمي، نجد أن القانون 103.13 والمتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، تضمن مقتضيات تعاقب على التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية، ويروم هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ في 13 شتنبر 2018 إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف الرقمي، من خلال أربعة أبعاد، تتمثل في ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقبات والتكفل الجيد بالضحايا، وذلك وفقا لما جاء في المادة 447.1 التي وضعت تعريفا للعنف الرقمي وأقرت تجريم المساس بالحياة الخاصة.

وحددت عقوبات تتراوح من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة مالية من 2.000 إلى 20.000 درهم لكل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال صادرة بشكل خاص، أو سري دون موافقة أصحابها، ويعاقب بنفس العقوبة من قام عمدا، بأي وسيلة بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صور شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته.

ويعاقب الفصل 447.2 من القانون المذكور بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاثة سنوات وغرامة مالية من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك أنظمة المعلومات، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع وقائع كاذبة، بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم”.

و نص الفصل 447.3 على عقوبة حبسية تتراوح من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 447.1 و447.2 في حالة العود وفي حالة ارتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية وسلطة أو مكلفا برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر.

وبالرجوع إلى الفصل 503.1، نجد أن المشرع أقر عقوبة حبسية من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير وارتكاب فعل التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية وغيرها بمختلف الوسائل لأغراض جنسية، وتضاعف العقوبة في حال كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية وغيرها.

عوائق التبليغ عن العنف الرقمي

في العادة لا تبلغ العديد من الضحايا عن تعرضن للعنف والتحرش الرقمي،  لعدة أسباب منها الوعي الكافي بالمساطر القانونية والجنائية التي تحمي النساء من هذه الممارسات، وضعف ثقتهن بالتشريعات القانونية وقدرتها على إنصافهن، والخوف من مواجهة المجتمع والمحيط العائلي خوفا من إلقاء اللوم عليهن أو التعرض للتعنيف من طرف الأهل في بعض الحالات، ولاجتناب النعوت وتلويث السمعة في مجتمع يمارس سلطة مطلقة على أجساد النساء وتحميلهن مسؤولية أي اعتداء أو تحرش طالهن في الفضاءات العامة والافتراضية.

هذا الأمر يجعلهن يفضلن الصمت ويفقدن الرغبة في التصريح بما يتعرضن له من مختلف أنواع العنف والتحرش، في ظل غياب الوعي المجتمعي الكافي تجاه مخاطر هذه الآفة وانعدام النصوص القانونية الكافية الرادعة لهذا الفعل الإجرامي.

وحثّ السوسيولوجي سعيد بنيس، على التبليغ عن العنف الافتراضي كسلوك مواطناتي، وضرورة تحسيس المشرع المغربي لشركات الجافا بخصوصية الحالة المغربية، وإعتبار الفضاء الافتراضي فضاء عامّا تسري عليه نفس القوانين والتدابير المتخذة فيما يتعلق بالفضاء العام الواقعي : العنف الرقمي يتساوى قانونيا مع العنف الواقعي.

وتختار النساء عدم التبليغ تحسبا لملاحقة الجاني، وحتى لا ينتقم مرة أخرى بنشر صور جديدة ومعطيات أخرى خاصة. ويعد الخوف من الملاحقة القضائية من أكثر عوائق التبليغ التي تحول دون تقدم الضحية بشكاية لدى المصالح الأمنية، خاصة أن الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي يجرم العلاقات الجنسية الرضائية بين غير المتزوجين وقد تصل عقوباتها إلى عام من السجن.

غير أن جنوح النساء إلى عدم الإبلاغ والإفصاح عن العنف الرقمي المسلط عليهن يصعب من إمكانية رصد حجم بشاعة انتشار الظاهرة، والأرقام الحقيقية للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات على حد سواء.

#image_title

المجلس الوطني لحقوق الانسان، كان أطلق حملة وطنية ما بين نونبر 2021 إلى نونبر 2022، للحد من ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات، باعتباره، انتهاكا لحقوق الإنسان قائم على النوع الاجتماعي، ضحيته ليست المرأة أو الفتاة لوحدهما، بل المجتمع بأتمه.

وتهدف هذه الحملة، إلى  التشجيع على التبليغ لضحايا العنف، بكل أشكاله لأنه يساهم في تطوير النقاش العمومي والانكباب، من خلال حالات، على العنف بالجدية الضرورية والمطلوبة. وقد أثبتت عدد من التجارب الدولية، أن التبليغ وسيلة فعالة لتعبئة المجتمع لمناهضة العنف والتحرش والابتزاز.

كما سعت الحملة، إلى التأكيد على عدم الإفلات من العقاب، والنهوض بالطابع الاجرامي لكل أشكال العنف، حتى لا يتطبع المجتمع مع هذه الجرائم، واعتبارها وضعية عادية، وضرورة إعمال القواعد القانونية كوسيلة حضارية لفرض التوازن داخل المجتمع، يحمي نسائه وفتياته من الانتهاك الجسيم.

وكشفت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان آمنة بوعياش، عن خلاصات تقرير الحملة، من خلال العمليات المتعددة الني قام بها سواء خلال  جلسات استماع أو لقاءات مباشرة او ندوات عن مدى تشجيع النصوص القانونية الموضوعية والاجرائية والممارسات لضمان حق الناجيات من العنف للوصول الى التبليغ بما يكفل فعلية الحق في ولوجهن الى القضاء وتحقيق الانتصاف ويحول دون الإفلات من العقاب .

وأوضحت بوعياش ضمن ندوة نظمها المجلس الجمعة 11 مارس الجاري، حول ” العنف وعدم الانصاف يُعْدِمُ الإرادة الإنسانية للمرأة”، أن التقرير وقف على الإشكالات العملية التي تواجه الناجيات من العنف عند التبليغ، ورصد التجارب الجيدة سواء على مستوى الموضوعي أو الاجرائي، ورصد الثغرات التي تحول دون فعلية ولوج النساء الناجيات من العنف الى الانتصاف وكذا اقتراح توصيات متعددة الجوانب لضمانها تزامنا مع مشروع مراجعة قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وباقي القوانين ذات الصلة.

وترى بوعياش، أن الخطوة الأولى نحو التبليغ تتطلب إرادة لاتخاذ قرار شخصي، للخروج للعلن وكسر الصمت عن انتهاك للذات ودعم عائلي، ومؤسساتي، ولأن 97% من التبليغات حول العنف تكون من طرف الضحايا أنفسهم، مذكرة بـ”مرارة حملات التشهير والمس بكرامة نساء تقدمن بشكايات حين تعرضن لعنف جنسي وجسدي ونفسي واجتماعي واقتصادي باعتبارها جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي وقانون الاتجار بالبشر، وقانون محاربة العنف”.

سلاح الوقاية والتوعية

#image_title

تحتاج مكافحة هذا النوع من العنف إلى صياغة نصوص قانونية جديدة أكثر صرامة تعالج جريمة العنف الرقمي، خاصة فيما يتعلق بتحديد مفهومه ومظاهره ووسائل إثباته، إلى جانب تبسيط المساطر القانونية للتشجيع على التبليغ بشكل يحفظ كرامة وخصوصية النساء، وتخصيص خط الاستماع مجاني وسري لتشجيع النساء على التبليغ وإنشاء منصة رقمية خاصة بهن للتبليغ عن تعرضهن للعنف الرقمي مع تقديم النصائح والضمانات الكافية لحمايتهم.

ويرى مروان هرماش، خبير في الأمن المعلوماتي والرقمي، أن العنف الرقمي يهدد النساء بشكل مضاعف، ولأن التطور التكنولوجي وفضاء الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت تُستعمل بشكل سلبي، وجعل منها البعض فضاءً للتحرش والتنمر والعنف عن طريق التشهير وتشويه السمعة والابتزاز المالي أو الجنسي خاصة للنساء والفتيات.

وسجل هرماش، أن هذا النوع من العنف، يحول حياة الضحايا إلى جحيم من الممكن أن يصل إلى درجة الانتحار، وكذا الاغتصاب لأن النساء هن الفئة الأكثر تعرضا لهذه الجريمة البشعة والتي تبقى تبعاتها مع الضحية طوال حياتها، ناهيك عن الحط من كرامة النساء والتشهير بهن.

وقللّ الخبير فيفي شبكات التواصل الاجتماعي من تأثير المقاربة الزجرية في الحدّ من ظاهرة العنف الرقمي، وأكد أنه ينبغي إشراك القطاعات الحكومية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام العامة والخاصة والجمعيات الحقوقية في محاربة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وانخراطهم في حملات تحسيسية توعوية تروم التحسيس وزيادة الوعي بمخاطر العنف الرقمي وطرق مكافحته والحد من انتشار هذا النوع من العنف.

كما شدد هرماش، على ضرورة، تشجيع السلطات المختصة القيام بحملات توعوية في مختلف ربوع المملكة، ومطالبة الجهات المسؤولة بوضع استراتيجية شاملة للحد من العنف الرقمي، ورصد تفعيلها على أرض الواقع.

وفي هذا الصدد، نشرت منظمة النساء الاتحاديات عدة إعلانات  للتوعية بخطورة العنف الرقمي، متعلقة بالابتزاز باعتباره جريمة خطيرة عقوبتها زجرية، لأنه يحول حياة الضحايا إلى جحيم من الممكن أن يصل إلى درجة الانتحار، وكذا الاغتصاب لأن النساء هن الفئة الأكثر تعرضا لهذه الجريمة البشعة والتي تبقى تبعاتها مع الضحية طوال حياتها، ناهيك عن الحط من كرامة النساء والتشهير بهن.

وقالت المنظمة، في بيان، إن التحولات الرقمية كانت بمثابة سيف ذي حدين، وباتت تتحول إلى وسيلة لممارسة أنواع جديدة من الاعتداءات على النساء من خلال منشورات صادمة حافلة بعبارات وأوصاف حاطّة بكرامة النساء وحقوقهن وتطلعاتهن، وأيضاً مواد ومحتويات رقمية تتضمن هجوماً على الحياة الخاصة للنساء وتجعل منهن عرضة للاعتداءات الجسدية أو اللفظية، سواء داخل أسرهن، أو في مقرات العمل، أو في الفضاءات العامة.

ولفتت إلى أن إطلاقها الحملة ضد العنف الرقمي يسعى أولا إلى التنبيه لمخاطر هذه الآفة، والتداول في سبل مواجهتها، وثانيا لحشد كافة القوى والتعبيرات والمنصات المدافعة عن حقوق الإنسان من أجل ترافع حقيقي يهدف إلى الوصول لقوانين تتضمن عقوبات رادعة لمثل هذه الجرائم، مضيفة أن “المشرع المغربي لا يزال لم يدرك خطورة هذه الآفة بما يكفي لجعلها من الأولويات التشريعية”.

وأكدت رئسية منظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب، أن الفعاليات التحسيسية والترافعية، التي تقوم بها منظمتها هدفها مجابهة العنف الرقمي،  بالاعتماد على أربع ركائز أولها: الوقاية وتشمل التوعية بظاهرة هذا النوع من العنف، وتوفير المعلومات حول الحماية القانونية المتاحة، وأيضا فتح فضاءات للنقاش والتثقيف للتصدي للعنف السيبرياني.

وثانيها الحماية: بإقرار مقتضيات تفرض حذف أو إلغاء المحتويات المرتبطة بالعنف الجندري على الفور، وثالها المتابعة الجنائية: وذلك من أجل عدم الإفلات من العقاب، والحد من الظاهرة، إذ يتوجب إجراء تحقيقات فورية واتخاذ المتعين في حق ممارسي هذا العنف، لتكون الأحكام، التي يجب أن تعمم وتنشر، ورابعها: التكفل بضحايا هذا النوع من العنف  وحمايتهن من الأثر المجتمعي الناتج عن عدم إدراك محيط الضحية بأثره النفسي والصحي.

كسر جدار الصمت

#image_title

وحسب رحاب فإن منظمة النساء الاتحاديات، تدعو الضحايا للتغلب على مخاوفهن وكسر جدار الصمت بالتبليغ عن الجرائم التي تعرضن لها وعدم الرضوخ للابتزاز، مؤكدة أن عدد النساء ضحايا العنف الرقمي وطنيا ودوليا في ارتفاع.

وشددت رحاب على ضرورة رفع شارة ” باراكا” في وجه المبتزين وممارسي العنف الرقمي لأن تبعاته خطيرة وقد تؤثر على حياة الضحية بشكل لا يمكن تصوره، خاصة في مجتمع تهيمن فيه العادات والتقاليد والعقلية الذكورية على طريقة تفكيره، بحيث تحول دون تمكن المرأة من التبليغ عن الجريمة ضد الزوج أو الطليق أو الصديق أو أحد أفراد العائلة أو الزميل في العمل أو المسؤول، خوفا من تعرضها للتعنيف أو التسريح من العمل أو عدم الترقية الوظيفية، أو للحفاظ على النسيج العائلي، ناهيك عن  قصور وسائل الإثبات الكلاسيكية  المعمول بها في مجال وسائل الإثبات،  عن مساعدة المرأة على تعزيز وتدعيم شكايتها في حالة ما قررت رفع دعوى قضائية.

وأكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط سعيد بنيس،  أن تنامي العنف الافتراضي وانتشار خطاب الكراهية، يعود إلى  فشل وتراجع جميع محاضن التربية في التأطير، سواء الأسرة أو المدرسة أو دور الشباب أو الأحزاب أو الجماعات  أو الجمعيات، وبموازاة سطوة وهيمنة مضامين العالم الافتراضي الموسوم بالشحن والتيه الجنسي، خصوصا على مستوى احترام جسم الآخر.

ويرى بنيس، الذي كان يتحدث ضمن لقاء دراسي نظمه الفريق الاستقلالي بشراكة مع منظمة المرأة الاستقلالية، لتقديم مقترح قانون يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أن الدعوة  أصبحت ملحة إلى تنظيم مناظرة وطنية يشارك فيها جميع الفاعلين والمسؤولين والخبراء من أجل تشخيص أهمية وراهنية التربية على الميديا  للتصدي والحد من إشكالات التمييز الافتراضي ضد المرأة.

وشدد السوسيولوجي المغربي، على أن التأطير المؤسساتي ” يوجب إقرار حيز من الزمن المدرسي للتوعية بمخاطر التمييز الافتراضي، للتفريق بين الممارسة الصحية والممارسة المريضة، وكذلك زرع خطاب المصالحة عوض خطاب التصادم”.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع، أن الفضاء الافتراضي يتحول أحيانا إلى بؤر للتوتر المجتمعي وحروب ذات طبيعة هوياتية، أو ما يمكن تسميته بـ”العصيان الافتراضي” محذرا من انتقال  هذا الصراع إلى الواقعي، حيث سيكون خطرا للغاية وسيصبح التمييز الافتراضي تمييزا واقعيا.

ولمعالجة مخاطر العنف الافتراضي، دعا أستاذ الاجتماع، إلى إطلاق حملات مواطنة وذلك في سبيل الرفع من مستوى الرأي العام  كمضادات لثقافة التمييز الافتراضي وبيئة الإحباط والأخبار الزائفة، من خلال هاشتاغات من قبيل “فضاء افتراضي نقي”.

وطالب السوسيولوجي، بتحسيس المشرع المغربي  لشركات “الجافا “بخصوصية الحالة المغربية، و اعتماد  مادة التربية القيمية في المدرسة لتغليب سوق القيم على سوق الشغل، والتحسيس بالتمييز الافتراضي، مع إيلاء الأهمية للتربية الجنسية وعلاقتها بالتمييز الافتراضي ضد المرأة.

كما دعا الجامعي ذاته إلى اعتبار الفضاء الافتراضي فضاء عامّا تسري عليه نفس القوانين والتدابير المتخذة فيما يتعلق بالفضاء العام الواقعي، بحيث يصبح العنف الرقمي متساويا قانونيا مع العنف الواقعي، مع ضبط الحقول الدلالية التي ينبغي أن يتم تجريمها بقوة القانون، مثل العنصرية والازدراء الشكلي ووصف المرأة بأوصاف حيوانية.

وطالب بنيس، بإبداع ميثاق وطني ضد التمييز الافتراضي للمرأة، ومأسسة التسامح النوعي من خلال التفاوض المجتمعي، وإحداث دليل افتراضي للممارسات الفضلى تجاه المرأة  والالتزام به كمرجع للمتابعات القانونية، مسجلا أن التمييز الافتراضي ضد المرأة يترتب عنه صورة سيئة إزاء المغاربة وكذلك على تنافسية المملكة المغربية.

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News