مجتمع

منها “حراك الريف” و”كورونا”.. سوسيولوجي يفسر سبب ارتفاع الثقة بالمؤسسات السيادية وضعفها بالمنتخبين

منها “حراك الريف” و”كورونا”.. سوسيولوجي يفسر سبب ارتفاع الثقة بالمؤسسات السيادية وضعفها بالمنتخبين

أكدت نتائج دراسة ميدانية حديثة من إنجاز مرصد الشمال لحقوق الإنسان “ONDH” بتعاون مع مؤسسة “Future Elite”، تحت عنوان “مؤشر ثقة الشباب في المؤسسات سنة 2022″، ارتفاع منسوب الثقة في المؤسسات السيادية، غير المنتخبة، وهي الجيش، والأمن الوطني، الدرك الملكي والقضاء تحوز ثقة الشباب، مقابل ثقة ضعيفة في نظيراتها المنتخبة من قبيل البرلمان، والحكومة، والأحزاب السياسية.

وفي هذا الصدد، قال زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع بكلية الحقوق بمراكش، إنه يمكن تفسير ارتفاع منسوب الثقة في المؤسسات الأمنية وانخفاضه بالنسبة للمؤسسات المنتخبة من خلال المؤشرات المرتبطة بطبيعة النظام السياسي، وتداعيات “حراك الريف”، وأثره في الثقة في المؤسسات، بالإضافة إلى تداعيات فترة كورونا، التي ساهمت في رفع منسوب الثقة حيال المؤسسات الأمنية.

بخصوص المؤشر الأول، أكد أكضيض، في حديث إلى جريدة “مدار21″، أن “طبيعة النظام السياسي في المغرب باعتبار أن بنية السلطان هي بنية مركزية تمنح مساحة محدودة بالنسبة للفاعل المنتخب، والمؤسسات المنتخبة، على حساب فاعلين آخرين، بمعنى أن بنية السلطة في النظام السياسي، المنتخب أو المؤسسات المنتخبة تمتلك فعالية محدودة في صنع القرار السياسي، وحتى في صنع السياسات العمومية، وهذا ما يلاحظ في مجموعة من القرارات التي يصاغ جزء منها خارج المؤسسات السياسية”، وفق تعبيره.

وأردف المتحدث نفسه في السياق ذاته: “في ظل هذا النظام السياسي الذي يحد من مشاركة الفاعل المنتخب في صنع القرار، مما يعطي أرضية تُفقد المنتخب ثقة  المواطنين لاعتباره غير قادر على إحداث التغيير، وهو ما يلاحظ في الاحتجاجات، إذ دائما ما تُرفع صور الملك لثقة الأفراد في إمكانية حله للمشاكل”.

وفي ما يتعلق بالمؤشر الثاني، أفاد السوسيولوجي ذاته بأنه يرتبط بـ”حراك الريف”، أي منطقة الحسيمة حيث تم إجراء هذه الدراسة، مشيرا إلى أن المنطقة شهدت حراكا “غير مسبوق، والذي ما تزال تداعياته حاضرة إلى غاية الآن، على اعتبار أن هذا الحراك أعاد مساءلة علاقة الدولة بالفرد”، مضيفا أن هذه العلاقة من المفروض أن تكون “منظمة من خلال الوسطاء كالجمعيات، والنقابات، الأحزاب، وهي المؤسسات التي أثبتت، في نظره، “محدوديتها” في هذه المنطقة في التفاعل مع مطالب الساكنة، ومطالب الشباب، مما ساهم في بروز الحراك الذي كان في مواجهة مع مؤسسات الدولة.

وأوضح أكضيض قائلا: “فمن خلال تجربة “حراك الريف” يمكن أن نفهم انخفاض الثقة في الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة باعتبارها لم تعد قادرة على نقل مطالب الأفراد وتحويلها إلى سياسات عمومية وقرارات سياسية. وهذا المؤشر المرتبط بحراك الريف مهم جدا، لأنه يجعلنا نفهم تداعياته وأثره في الثقة تجاه المؤسسات المنتخبة”.

أما المؤشر الثالث، فربطه المتحدث نفسه بـ”تداعيات جائحة كورونا، التي أثبتت أن مؤسسات وزارة الداخلية ربحت الشيء الكثير من تجربة كورونا، منها مؤسسة القايد، والمقدم، وغيرهما”، لافتا إلى أنه بناء على ذلك فمن الطبيعي أن تحظى هذه المؤسسات بثقة المغاربة، لأن “جميع القرارات التي تم اتخاذها خلال هذه الفترة قرارات تم تصريفها عبر هاته المؤسسات، أي مؤسسات القرب المرتبطة بالدولة”.

وتابع بالقول: “لذلك طبيعي جدا أن تستمر هاته المؤسسات في المحافظة على الثقة التي حصلت عليها في تجربة كورونا، خاصة وأن المغاربة ارتبطوا بعدد من القياد في مختلف المناطق المغربية على سبيل المثال “القايدة حورية”، مما يُفسر ارتفاع منسوب الثقة في هاته المؤسسات”.

وحسب نتائج الثقة في المؤسسات السيادية (غير منتخبة)، أكدت الدراسة أن مؤسسة الجيش جاءت في المرتبة الأولى بنسبة ثقة إيجابية بلغت 75 % مقابل ثقة سلبية بلغت 17 %، ثم مؤسسة الأمن الوطني في المرتبة الثانية بنسبة ثقة إيجابية بلغت 72 % وثقة سلبية حددت في 27 %. وحل في المرتبة الثالثة كل من مؤسستي الدرك الملكي والقضاء بنسبة ثقة بلغت 61 %، وأخيرا وزارة الداخلية بنسبة ثقة وصلت إلى 51 % وثقة سلبية وصلت إلى 39 %.

وفي ما يخص ثقة الشباب في المؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني، فقد سجلت جمعيات المجتمع المدني، وفق الدراسة نفسها، مؤشر ثقة إيجابية بلغ 64 % مقابل 30 % لا يثقون. وفي المرتبة الثانية جاء الإعلام المغربي بدرجة ثقة إيجابية وصلت إلى 42 % مقابل 53 % ثقة سلبية، فجهة طنجة تطوان الحسيمة في المرتبة الثالثة بنسبة ثقة إيجابية 41 % مقابل 45 % لا يثقون.

وجاءت في المرتبة الرابعة، وفق الدراسة، الجماعات المحلية بنسبة ثقة إيجابية بلغت 40 مقابل 54 % لا يثقون، بينما حل في المرتبة الخامسة التعليم العمومي بثقة إيجابية نسبته 33 %، مقابل عدم ثقة وصل إلى حدود 66 %، والمرتبة السادسة الصحة العمومية ثقة إيجابية بنسبة 23 % مقابل ثقة سلبية بنسبة 76 %.

وأفادت الدراسة أن البرلمان جاء في المرتبة السابعة 21 % كثقة إيجابية مقابل 71 % ثقة سلبية، وفي المرتبة الثامنة، حازت الحكومة الحالية نسبة ثقة إيجابية وصلت 16 %، مقابل ثقة سلبية بلغت 80 %. وأخيرا حازت الأحزاب السياسية ثقة إيجابية بـ15 % مقابل 80 % ثقة سلبية.

وفيما يخص ثقة الشباب في المؤسسات الاجتماعية، فإن الشباب المغربي، وفق الدراسة، لا زالوا يثقون في مؤسسة الأسرة النووية بـ 96 % مقابل 3 % ثقة سلبية، بينما جاءت الأسرة الممتدة (العائلة) في المرتبة الثانية بثقة إيجابية محددة في 65 % مقابل ثقة سلبية بلغت في 33 %. والأصدقاء في المرتبة الثالثة بثقة إيجابية بنسبة 62 % مقابل ثقة سلبية بلغت 36 %، وأخيرا الجيران في المرتبة الأخيرة بمؤشر ثقة إيجابي بلغ 41 % ونسبة ثقة سلبية حددت في 56 %.

وتأتي هذه الدراسة الميدانية، وفق مرصد الشمال لحقوق الإنسان، لقياس وتحليل مستوى ثقة الشباب في مجموعة من المؤسسات: الاجتماعية، السيادية، المنتخبة، منظمات المجتمع المدني والإعلام، حيث أوضح المرصد أن الدراسة حاولت قياس مدى رضى الشباب عن الوضعية السياسة والاقتصادية والحقوقية الحالية، ومدى رضاهم عن البرامج الحكومية الموجهة للشباب كبرنامج انطلاقة، أوراش، فرصة، ومجهودات الدولة في مكافحة الفساد، ومعرفة منحى واتجاهات الشباب في ما يتعلق بتمثلهم للمستقبل من حيث قدرة الحكومة على تلبية حاجياتهم المستقبلية، وكذلك معرفة مخاوفهم نتيجة المتغيرات المتعددة التي يعرفها العالم.

وشملت الدراسة التي تم إجراؤها خلال الفترة الممتدة بين 15 أكتوبر 2022 و 31 يناير 2023، وفق المرصد، المجال الجغرافي لجهة طنجة تطوان الحسيمة، وضمت عينة من الشباب أعمارهم بين 18 و25 سنة. واعتمدت على المنهجين الكمي والكيفي. إذ تم في المنهج الكمي إجراء استبيانات مع 400 شاب وشابة، توزعوا بين 53 % من الذكور و 47 % من الإناث. أما في المنهج الكيفي فقد تم إجراء مقابلات فردية همت 20 شاب وشابة، كما تم إجراء 5 مجموعات بؤرية.

وراعت الدراسة، وفق مرصد الشمال لحقوق الإنسان، مقاربة النوع الاجتماعي من خلال الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين الرجال والنساء في جميع جوانب البحث، حيث استهدفت 53 % من الذكور، 47 % من الإناث. كما قامت بعرض نتائج البحث من خلال التمييز بين الإناث والذكور، وهو الأمر نفسه عند التحليل وعرض النتائج والتوصيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News