مجتمع

سنة من المعارك غير المتكافئة ضد الإجهاد المائي والمغاربة يترقبون سماء 2023

سنة من المعارك غير المتكافئة ضد الإجهاد المائي والمغاربة يترقبون سماء 2023

لعل أحد أكبر المواضيع التي شغلت ولا تزال المغاربة والدولة خلال سنة 2022، هي موضوع أزمة الماء ووضعية الإجهاد المائي التي باتت تؤثر على معيش الناس، بسبب معركة غير متكافئة ضد الجفاف وقلة التساقطات المطرية والتغيرات المناخية التي ترخي بظلالها على منطقة المتوسط، الشيء الذي جعل المغاربة يترقبون انفراج في الأوضاع بمزيد من التساقطات المطرية خلال سنة 2023.

وضعية الإجهاد المائي أصبحت ملموسة خلال سنة 2022، سواء من خلال ارتفاع أسعار مجموعة من المواد بسبب الجفاف، أو مع النقص الحاد في الماء الشروب، التي دفعت السلطات إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات، آخرها قطع صبيب المياه خلال ساعات الليل على مجموعة من المدن المغربية.

واستأثر موضوع أزمة الماء باهتمام كبير من أعلى هرم الدولة، الملك محمد السادس، الذي استحضره في أكثر من خطاب، إضافة إلى مبادرة الحكومة ووزارة الداخلية ووزارة التجهيز والماء إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات لمواجهة الإجهاد المائي، غير أن مختلف الجهود لا تزال غير قادرة على احتواء الأزمة المتزايدة.

2022.. سنة مواجهة الجفاف

بسبب التغيرات المناخية التي تعرفها منطقة البحر الأبيض المتوسط، يعيش المغرب واحدة من أشد موجات الجفاف التي ضربته منذ عقود، وذلك إثر الندرة الكبيرة في التساقطات المطرية، وتراجع حقينة السدود، التي يقابلها ارتفاع في الاستهلاك وتبذير المياه، لا سيما في سقي المساحات الخضراء وبعض الخيارات الفلاحية.

وللتغيرات المناخية، وفق تصريح سابق لنزار بركة وزير التجهيز والماء، انعكاسات تتمثل في ارتفاع مستوى الحرارة التي يكون لها وقع على التبخر وعلى النباتات والفلاحة مما يفضي إلى تداعيات على الصعيد الاجتماعي، مسجلا أن ارتفاع الحرارة، خلال هذا السنة وصل نسبة ارتفاع تقدر بدرجة إضافية مقارنة مع متوسط السنوات الماضية، بل أكثر من ذلك شهر أكتوبر الماضي مدينة تطوان على سبيل المثال بلغ الفرق 5 درجات وفي غالبية المدن تجاوز ثلاث درجات ما يبين الوقع الحقيقي للتغيرات المناخية بالنسبة للمغرب.

وسبب هذا الوضع لجأت وزارة الداخلية إلى تطبيق قيود على تدفق المياه الموزعة على المستهلكين، وحظر ري المساحات الخضراء وملاعب الغولف بمياه الشرب والمياه السطحية والجوفية، إضافة إلى حزر غسل الشوارع والأماكن العامة بمياه الشرب، ومنع استخراج المياه بصورة غير مشروعة من الآبار والينابيع والمجاري المائية وقنوات نقل المياه، إلى جانب ملء المسابح العامة والخاصة مرة في السنة مع تجهيزها بنظام إعادة التدوير، ومنع استخدام مياه الشرب في غسيل السيارات والآلات.

ومن جهتها أعلنت وزارة التجهيز والماء أن البلاد في “حالة طوارئ مائية” جراء تناقص الموارد المائية وارتفاع الاستهلاك. وقالت الوزارة، في بيان لها، إنّ “المغرب في حالة طوارئ مائية، إذ في الوقت الذي تتناقص فيه الموارد المائية، يعرف منحنى استهلاك المياه ارتفاعاً بين المستخدمين”. مشدّدة على ضرورة “التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء حفاظاً على الموارد الحالية، ومن أجل ضمان التوزيع العادل للمياه لفائدة الجميع”.

خطة ملكية      

في خطاب افتتاح البرلمان اليوم الجمعة 14 أكتوبر، حدد الملك محمد السادس أربع محاور للتوجهات الرئيسية في مجال الماء، وهي أولا ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وثانيا إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية.

وأكد الملك محمد السادس على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات. وهو ما يقتضي التحيين المستمر، للاستراتيجيات القطاعية، على ضوء الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي، كما شدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، للتكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية، بكل جوانب هذه التكلفة.

وقال الملك إن “الماء هو أصل الحياة، وهو عنصر أساسي في عملية التنمية، وضروري لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية. ومن هنا، فإن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود”.

وأضاف الخطاب الملكي أنه “لمواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية، موردا “وإدراكا منا للطابع البنيوي لهذه الظاهرة ببلادنا، ما فتئنا نولي كامل الاهتمام لإشكالية الماء، في جميع جوانبها. وقد خصصنا عدة جلسات عمل لهذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020 – 2027”.

وأوضح الملك أنه “كيفما كان حجم التساقطات، خلال السنوات المقبلة، فإننا حريصون على تسريع إنجاز المشاريع، التي يتضمنها هذا البرنامج، في كل جهات ومناطق المملكة. ونخص بالذكر، استكمال بناء السدود المبرمجة، وشبكات الربط المائي البيني، ومحطات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى تعزيز التوجه الهادف للاقتصاد في استخدام الماء، لاسيما في مجال الري”.

تساقطات تنعش الآمال

شهد المغرب خلال الأسابيع الأخيرة تساقطات مطرية مهمة، أحيت الآمال في إنقاذ الموسم الفلاحي، حيث كشفت وزارة التجهيز والماء، أن التساقطات المطرية الأخيرة، مكنت من إنعاش حقينة السدود بمليار و 700 متر مكعب، لتتجاوز بذلك نسبة الملء 30,43 بالمائة، مؤكدة أنها تعمل على تنفيذ مجموعة من التدابير من أجل مواجهة أزمة ندرة المياه بعدة مناطق من المملكة.

غير أن وزير التجهيز والماء نزار بركة، دقّ ناقوس خطر تراجع الموارد المائية بالمغرب، والمتعلقة أساسا بالتساقطات المطرية، بالنظر إلى أن هذه السنة عرفت أكبر جفاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، مسجلا أن “النتيجة هي تراجع نسبة التساقطات المطرية بـ47 بالمائة وذلك بعد أربع سنوات متتالية من الجفاف مما جعل الوقع أكبر بكثير مقارنة مع السنوات الماضية”.

أكثر من ذلك، كشف بركة في معرض جوابه على أسئلة مستشارين، ضمن الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية، حول” التدابير والإجراءات الحكومية لضمان الأمن المالي بالمغرب”، أن المساحات المغطاة بالثلوج التي كانت في الماضي تصل إلى 45 ألف كلم مربع، لم تتجاوز هذه السنة 5 ألاف كلم مربع أي تقريبا تراجع ب85 بالمائة، مضيفا ” وبالتالي الواردات المائية التي تأتي من التساقطات المطرية ومن الثلوج شهدت انخفاضا كبيرا تمثل في تحقيق نسبة حوالي 2 مليار متر مكعب (1,980 متر مكعب).

وحول هذه التساقطات قال نزار بركة ”صحيح أن المملكة شهدت ما بين شتنبر الماضي والشهر الجاري، بعض التساقطات المطرية أحسن من السنة الماضية، لكن أقل من المتوسط بـ60 بالمائة، “وهو ما يؤكد أن الإشكال ما يزال مطروحا بالنسبة لهذه السنة”، مشيرا إلى أنه المتوقع أن تشهد الموارد المالية تراجع بنسبة 30 بالمائة بحلول سنة 2050، “وهو سيجعل الوضع أكثر صعوبة وبالتالي من الضروري أن تتخذ تدابير قوية لمواجهة هذا الخطر”.

وتتجه أنظار المغاربة نحو سنة 2023 على أمل هطول المزيد من التساقطات المطرية لإنقاذ الموسم الفلاحي، وتفادي سيناريو استمرار الجفاف الذي يمكن أن تكون له تأثيرات وخيمة على الموسم الفلاحي وعلى أسعار مجموعة من المواد الغذائية، والتي منها الحبوب والحليب واللحوم وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News