سياسة

الكراوي يقرأ طالع حرب المستقبل ويتوقع تهميش قضية فلسطين ويؤكد حاجة إفريقيا لنخبها

الكراوي يقرأ طالع حرب المستقبل ويتوقع تهميش قضية فلسطين ويؤكد حاجة إفريقيا لنخبها

لم يقف الخبير ادريس الكراوي، رئيس جامعة الداخلة المفتوحة، والرئيس السابق لمجلس المنافسة، عند حدود الظاهر من الحرب الأوكرانية الروسية، بل تعداه إلى ما تخفيه من حرب للفكر الاستراتيجي، ستحكم توجهات العالم المستقبلية، مقدما وصفته الثلاثية، لمواجهة تحديات هذا المستقبل الخطر، القائمة على الاقتصاد والتكنولوجيا والحكامة.

وقدم إدريس الكراوي، خلال ندوة تجيب على معالم ما بعد الحرب الأوكرانية، من تنظيم منتدى أصيلة مجموعة من الخلاصات حول حرب الفكر الاستراتيجي التي تخفيها الحرب الأوكرانية الروسية، مقدما ملامح مستقبل صراعات العالم، متوقعا تأثير التحالفات والتوجهات الجديدة على الإسراع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وتهميش حل بعض النزاعات العالمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

الكراوي محّص النظر كذلك في مستقبل العالم العربي وإفريقيا، ضمن التحولات التي سيعرفها العالم، متوقعا أنها لن تكون فاعلة في مشهد الغد، لمجموعة من الاعتبارات، منها اقتصاداتها التابعة وتخلفها التكنولوجي وحكامتها غير الناجعة والبعيدة عن هموم شعوبها، ثم أساسا في كونها “يتيمة من نخبها”.

خطيئة الغرب!

أول خلاصات حرب الفكر الاستراتيجي، وفق الكرواي، هي “استمرار وتجديد دهاء الفكر الاستراتيجي الأمريكي القائم على الاستثمار الذكي للحرب وإذكاء الصراعات لضمان استمرار هيمنتها على العالم وللإجابة على أزماتها الاقتصادية معتمدة في هذا ركيزتين أساسيتين، أولهما مركب صناعي عسكري قوي، ثم منظومة استثنائية للابتكار في مجالات حيوية هدفها ضمان استمرارية قوتها وإضعاف منافسيها، وعلى رأسهم الصين وروسيا اعتماد على مبدأ جديد هو استراتيجية الخراب، المعتمدة على مقاربة ذكية”.

ثم الخلاصة الثانية، وهي تخلف الفكر الاستراتيجي الأوروبي، “الذي طالما أخطأ تاريخيا، ولم يزل، في تحديد أعدائه”، مشيرا إلى اختياره لروسيا كعدو يمكن اعتباره “خطيئة جسيمة” ستكلف أوروبا الكثير على أكثر من صعيد إقليميا ودوليا.

الخلاصة الثالثة، تكمن في تطور “وعي مواطَني عالمي جديد في تمثلات المجتمعات والدول الغير أوروبية لعالم اليوم، كعالم مهَيكل حول قطب عدو للشعوب وللعالم هو الغرب، وعالم متعدد الأطراف حضاريا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا تواق إلى فك مختلف أشكال التبعية إزاء هذا الغرب”.

في السياق ذاته، يتابع الكراوي أن هذا الفكر الاستراتيجي يوجد في طور البداية، لكنه سيعرف تطورا، وقد يُهيكَل في إطار تشكيل “أقطاب مستقبلية جديدة”.

أما الخلاصة الرابعة، من أنواع الفكر الاستراتيجي، هو بزوغ معالم فكر استراتيجي جديد على صعيد الأقطار غير الغربية، قوامه الاعتماد على الذات وعلى القدرات الداخلية، وعلى تطوير جيل جديد من التحالفات الجيواستراتيجية مخرجاتها ومراميها تحقيق المصالح العليا الداخلية لهذه الأقطاب، يفسر الكراوي.

أقطاب جديدة تعيد ترتيب العالم!

هذه التوجهات، وفق الكراوي، “توحي أننا، في هذا الوضع، أمام تحولات عميقة على صعيد الفكر الاستراتيجي، ستفرز أقطابا قوية جديدة، وتحالفات جديدة، وأشكال متنوعة من التعاون الشراكة والاندماج مبنية على بناء جديد لكن قويم للمصالح في أبعادها الإقليمية والقطرية، وفي تمظهراتها الاقتصادية والمالية والبشرية والأمنية والعسكرية”.

كما أن هذه التحالفات والتوجهات ستدفع إلى خلق وضع دولي جديد قد يؤدي إلى “الإسراع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وستكون لها انعكاسات على وتيرة إنجاز الأجندات الدولية المهمة والأكثر استراتيجية بالنسبة للأمن الإنساني العام، سواء تعلق الأمر بالانتقال الطاقي أو البيئي، او على صعيد التدبير المشترك للقضايا الكبرى كالهجرة والعدالة الرقمية والأمن الغذائي والصحي والجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف ومحاربة الفقر على وجه الخصوص”.

كما أن هذه التوجهات قد تؤدي، في رأي الكراوي، إلى تعطيل حل بعض النزاعات أو تهميشها، وعلى رأسها “تهميش القضية الفلسطينية”، مشيرا إلى أنها “قد تؤدي إلى تعميق أزمة الحكامة الدولية للحروب والنزاعات، مؤدية إلى تهديد حقيقي للأمن الإنساني، وبالتالي وضع العالم أمام المجهول واللااستقرار والخراب الذاتي، وهذا أسوء ما يمكن ترقبه من انعكاسات لحروب ونزاعات اليوم”.

مقومات ربح رهانات الغد

وحدد الكرواي ثلاثة عناصر ستمكن حكومات الغد من ربح رهانات أمنها واستقرارها، وهي الاقتصاد التكنولوجيا والحكامة.

أما الاقتصاد فهو، حسب الخبير المغربي، لمعالجة معادلة صعبة وليدة واقع اقتصادي جديد، معالمه الأساسية تنامي حاجيات الساكنة، في ظل تنادر للموارد ستزداد وتيرته بفعل الركود الاقتصادي المرتقب وانعكاسات التحولات المناخية والتقلبات الفجائية للأسواق، “مما سيحتم على الدول إنتاج موارد جديدة لتحقيق سيادتها وأمنها الغذائي والصحي والطاقي والعسكري، وذلك ما لن يتأتى دون بناء اقتصاد قوي”.

أما التكنولوجية فتكتسي أهميتها، في تقدير الكراوي، من أن الابتكار اليوم أصبح في صلب تحقيق كل أوجه سيادة الأمم، فالأمم التي “ستصبح فاعلة في عالم اليوم هي الأمم التي تتوفر على منظومة قطرية للتربية والتكوين والبحث العلمي والابتكار، كفيلة بإنتاج العلم والمعرفة والخبرة والذكاء والنبوغ واليقظة الاستراتيجية”.

ثم الحكامة التي تعني، وفق الكراوي، مؤسسات قوية، أي قوة الدول والمقاولات والأحزاب السياسية والمجتمعات المدنية، وأيضا نخب سياسية وإدارية مميزة، وكفاءات ومهارات تسييرية عالية لرفع تحديات مجتمعات الغد الثلاثة.

ويحدد المتحدث نفسه هذه التحديات في “الطبيعة المعقدة لكل القضايا التي ستعالجها السياسات العمومية، وكذا تدبير المخاطر الجديدة وأجيال جديدة من الحروب، ثم تدبير جميع أشكال النذرة التي ستعرفها الأقطار”.

يتم إفريقيا والعالم العربي للنخب

هذه العناصر، في تقدير الكراوي، جعلت طبيعة صراعات اليوم تعرف تغيرات كبيرة في أبعادها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ثم التغيرات الفكرية والسياسية والإيديولوجية التي تعرف بدورها تحولات جديدة، بانتقالها من معادلة مبنية على الشيوعية والرأسمالية، والاشتراكية والليبرالية، ثم الصراع بين الديمقراطية والدكتاتورية، إلى صراع بين بين الأديان والحضارات سيكون أكثر فتكا، لأنه سيغذي العنصرية والفاشية والنازية ومعاداة السامية في أشكالها الخبيثة الجديدة، وهي كلها سمات فترات ما قبل الحروب العالمية.

وعن موقع إفريقيا والعالم العربي اليوم من كل هذه الصراعات وهذا الفكر الاستراتيجي، يؤكد المتحدث، أنه باستثناء بعض الدول يتميز العالم العربي وإفريقيا بثلاث سمات قد تحول أن دون أن يصبحا فاعلا حقيقية في هذه التحولات، وهي اقتصادات تابعة وتخلف تكنولوجي وحكامة غير ناجعة بعيد عن هموم شعوبها.

ينضاف إلى ذلك، وفق الخبير ادريس الكراوي، إن إفريقيا والعالم العربي “يتيمة من نخبها، ليس فقط نخبها السياسية ولكن كذلك نخبها الاقتصادية والإدارية والمدنية والثقافية والعلمية، ولو أن بعض الدول، استثناء، قد تنتج، لكن لن تستطيع كما وكيفا أن تنتج هذه النخب الضرورية لتمكينها من رفع تحديات الغد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News