سياسة

محمد عبد الجليل.. وزير بانتماء “غامض” وحصيلة هزيلة يلاحقه كابوس الإعفاء

محمد عبد الجليل.. وزير بانتماء “غامض” وحصيلة هزيلة يلاحقه كابوس الإعفاء

المتتبع لمسارات الوزراء داخل حكومة عزيز أخنوش منذ تعيينها إلى اليوم، تُحاصره علامات الاستفهام وهو يبحث عن أعذار لاستمرار وبقاء بعضهم طيلة هذه المدة، دون أن يسفر حملهم للحقائب الوزارية عن أي نتائج إيجابية يمكن أن تشفع لهم حين تدق طبول “التعديل الحكومي” المعلّق.

محمد عبد الجليل، الذي -لمن لا يعرفه- هو وزير النقل واللوجستيك، منذ أكثر من سنة، يعد من بين هذه الأسماء، التي لولا حسابات التحالف بين “الحمامة” و”الميزان” لما وجدت لنفسها مكان داخل الحكومة، بحكم “الضعف” الكبير الذي أظهره الرجل، خلال هذه الفترة، على أكثر من صعيد.

طيلة الفترة التي انقضت من عمر الحكومة، يبدو للمتتبع أن محمد عبد الجليل كائن “شفاف”، ليس من الشفافية، بل نسبة إلى عدم ظهوره، واختفائه الدائم عن ساحة النقاش، حتى حينما تتطلب اللحظة خروجه إلى العلن، ولعل تكرار فواجع السير وملف دعم مهنيي النقل، من أبرز الملفات إلى جانب أخرى، التي كانت شاهدة على إخفاقه.

عبد الجليل، بالرغم من المسار المهني الذي قطعه، تبدو سيرته السياسية فقيرة، مقارنة بالحد الأدنى المطلوب في وزراء حكومة، يفترض أنها جاءت لتطوي صفحة عشر سنوات من تدبير “البيجيدي” للمشهد السياسي، فالرجل لا يكاد يذكر ضمن شخصيات الحزب، كما أن علاقته بحزب الاستقلال لا تزال مشوبة بالكثير من الغموض إلى اليوم، الأمر الذي يسائل أسباب نزار بركة في اختياره واقتسام حقيبة وزارية معه، ظلت على امتداد حكومات تدبر بإشراف وزير واحد.

وبالرغم من أن انتظارات المغاربة الكبيرة من القطاع الوزاري، الذي يرأسه الوزير الاستقلالي محمد عبد الجليل، إذ يعد من أهم القطاعات الاستراتيجية، التي ترتبط بها كثير من رهانات المغرب المستقبلية، إلا أن الوزير يبدو وكأنه ارتدى عباءة أكبر من حجمه.

دعم مهنيي النقل

في الوقت الذي يعد ملف دعم مهنيي النقل بسبب غلاء أسعار المحروقات من بين أوضح الإجراءات التي قامت بها الحكومة عبر وزارة النقل واللوجستيك، إلا أن الوزير محمد عبد الجليل لم يسجل خرجات عمومية للدفاع عن هذه المبادرة الحكومية، رغم الانتقادات التي وجهت إليها، حتى من مؤسسات رسمية.

دعم مهنيي النقل، الذي كلف الميزانية ملايير الدراهم، بعد وصوله إلى الدفعة السادسة، لم يخضع إلى أي تقييم حقيقي لفعاليته من طرف الوزارة، لاسيما فيما يتعلق بانعكاسه على القدرة الشرائية للمواطنين، بالرغم من دفاع الحكومة على أنه نجح في تفادي سيناريوهات أكثر سوءا كان يمكن أن يؤدي إليها غلاء المحروقات، مما أدى إلى مطالب برلمانية بحضور الوزير عبد الجليل إلى البرلمان لتقييم الحصيلة.

وتوزع الحكومة منذ أشهر 2200 درهم لسيارات الأجرة الكبيرة، و1600 درهم لسيارات الأجرة الصغيرة، و1800 درهم لعربات النقل المزدوج بالعالم القروي، بالإضافة إلى 7000 درهم لحافلات نقل المسافرين بين المدن، و6200 درهم لحافلات النقل الحضري.

وبلغت مبالغ الدعم الحكومي للمهنيين مليارين و75 مليون درهم، وقد تصل إلى خمسة مليارات درهم، وفق عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي انتقد لجوء الحكومة إلى الدعم المباشر، ومع ذلك يبدو أن هذا الدعم لم يرق المهنيين الذين يقرون بمحدوديته ويطالبون برفعه، مسجلين الكثير من الاختلالات في العملية، منها استفادة شركات لا تتوفر على عربات وتضرر مهنيين بسبب أخطاء المعلومات.

وبينما كان ينتظر من محمد عبد الجليل الخروج للإقناع بصوابية قرار الحكومة، التحف الوزير بالصمت راميا بكرة الدعم “الحارقة” إلى يدي الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، الذي برر الحاجة إليه بارتفاع أسعار المحروقات، وعدم توفر آليات الاستهداف المباشر للفئات المحتاجة.

ولا يعرف إلى اليوم دور الوزير “الغامض” في هذا الملف، بسبب تنصله من مسؤوليته السياسية فيما يخص الدعم وتبرير استمراره إلى اليوم، في وقت تبدو محدودية فعالية الإجراء جلية للجميع، بمن فيهم حتى المهنيون المستفيدون أنفسهم.

حرب الطرق

بالرغم من أن حرب الطرقات سابقة عن فترة تدبير الوزير الاستقلالي محمد عبد الجليل لوزارة النقل واللوجستيك، إلا أن كثير من المتابعين يؤاخذون عليه عدم التحرك للقيام بإجراءات تخفف من حدتها، خاصة فيما يتعلق بالحالة الميكانيكية للعربات ووقف فوضى رخص السير بالمغرب، باستثناء مواصلة سياسة الوزارات السابقة نفسها.

وقد لا يمتلك الوزير جرأة النبش في “أعشاش الدبابير” داخل وزارته لتنزيل رؤيته، إن كانت له، لكن المسؤولية الأخلاقية والسياسية كانت تقتضي من الوزير الاستقلالي تسليم المفاتيح بعدما سجلت حقبته واحدة من أكثر حوادث السير فجاعية قبل أسابيع.

فاجعة خريبكة التي أسفرت عن 25 قتيلا، إثر انقلاب حافلة للنقل العمومي، كان يتوقع أن تجر مساءلة ومحاسبة لوزير النقل واللوجستيك، وكانت لتدفع به إلى تقديم استقالته كأقل ردود الفعل الممكنة، لكن الوزير لم يكلف نفسه حتى عناء التأسف والاعتذار عن مسؤولية وزارته فيما جرى.

وإن كانت مسؤولية فواجع السير غير مقتصرة على وزارة عبد الجليل وحدها، فإن ذلك لا ينفي تقصير الوزارة في مراقبتها للحالة الميكانيكية للحافلات، وتغاضيها عن فوضى شركات النقل بالمحطات الطرقية، وتركها الباب مشرعا أمام دخلاء على المهنة يقامرون بحياة المغاربة على الطرقات.

انتماء غامض

على الأوراق، وبمنطق “الغنيمة” الذي يطبع توزيع الحقائب الوزارية، ينتمي محمد عبد الجليل إلى حزب الاستقلال، لكن بعيدا عن هذا، يظل الانتماء السياسي للرجل غامضا، إذ لم يسجل حضوره ضمن أي نقاش حزبي، ولم ينخرط في أي نشاطات تنظيمية تذكر.

محمد عبد الجليل، الذي شغل مهمة رئيس مجلس إدارة شركة “مرسى ماروك” قبل تعيينه وزيرا، لم يرتق سلم الحزب وفق التطور الطبيعي المعهود في مناضلي الأحزاب، بل إن ابن ثانوية “ليوطي”، وخريج المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بفرنسا نزل بـ”باراشوت” على الحزب والحكومة.

مسار الرجل كان مهنيا محضا، وحتى أول عهده بالوزارة في عهد الاستقلالي كريم غلاب، سنة 2003، كان فيه بعيدا من السياسة قريبا من التقنوقراط إذ عمل حينها مديرا للبرامج والدراسات.

قرب محمد عبد الجليل من الوزير غلاب حينها جعله يضطلع بمهام أكبر، بعد أن باتت ميزانيات ضخمة تحت تدبيره، وأصبح مشاركا في تطوير الاستراتيجيات ومنسقا لعمل الوزارة من حيث البرمجة ومراقبة الميزانية ونظام المعلومات.

ومن الملفات الرئيسية التي أشرف عليها محمد عبد الجليل، الهندسة المالية لتسريع وتيرة بناء الطرق السريعة، وفتح المناطق المعزولة، وإنشاء صندوق تمويل الطرق وتحرير النقل الجوي، قبل أن يلتحق في دجنبر 2006 بشركة “مرسى المغرب”، التي أصبح مدير مجلس إدارتها، إلى أن أصبح وزيرا.

ملفات اجتماعية

لا يزال الوزير الاستقلالي، منذ تعيينه قبل أكثر من سنة، مرتبكا في تدبير العديد من الملفات الاجتماعية، إذ تخرج بين الفينة والأخرى فئات من الشغيلة التابعة لوزارته للاحتجاج، في وقت يتعثر الحوار القطاعي داخل وزارته.

ومن بين الملفات الموضوعة على طاولة الوزير ما يتعلق بالنقل العمومي للمسافرين، لا سيما معالجة الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على المهنيين وأرباب المقاولات الصغرى والمتوسطة في هذا القطاع، بالإضافة إلى تسريع معالجة الملفات وتبسيط المساطر الخاصة بقرارات اللجنة الوطنية للنقل، وكذا الرؤية المستقبلية لعصرنة القطاع.

سيارات الأجرة، سواء الصغيرة أو الكبيرة، ترفع هي الأخرى مطالب تنظيم القطاع، إضافة إلى الملفات المطلبية المتراكمة داخل أروقة شركة الطرق السيارة بالمغرب، والتي تفرض بالمناسبة اعتماد الجواز على مرتفقيها بطرق لا تخلو من اختلالات.

بالإضافة إلى الملفات الاجتماعية التي يشهرها مهنيو المطارات، ومن بينها ملفات الربابنة، وكذا مراقبو الملاحة الجوية التي خاضت إضرابا مؤخرا كاد يشل المطارات لولا تدخل رئيس الحكومة، وغيرها من الملفات الاجتماعية التي تنتظر تدخل الوزارة لإيجاد حلول مستعجلة لها.

الإعفاء يلاحق عبد الجليل

اسم محمد عبد الجليل متداول ضمن أسماء الوزراء المرشح مغادرتهم حكومة عزيز أخنوش، في حال إجراء تعديل حكومي، لا زال مطروحا بقوة، ذلك أن حصيلة الرجل لن تشفع له في تجاوز “عاصفة” التعديل إن هبت لتعيد ترتيب أوراق البيت الحكومي لتدبير المرحلة المقبلة.

ويبدو عبد الجليل من المرشحين بقوة للمغادرة، لا سيما مع ما يعتمل من تجاذبات، تطفو بعض مظاهرها بين الفينة والأخرى إلى السطح، الأمر الذي يدعو الوزير الاستقلالي إلى العمل على تجاوز تقصيره أكثر خلال المرحلة المقبلة.

ولعل أقل ما يمكن أن يطلب من الوزير هو امتلاك الشجاعة السياسية، في إطار التضامن الحكومي، والخروج إلى العلن للدفاع عن توجهات الحكومة، أو على الأقل الوزارة التي يشرف عليها، خاصة في ظل “صقيع” التواصل الذي يرخي بظلاله على الحكومة منذ تشكيلها.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. وزير عيان لايصلح للمسؤولية حتي المنصب الذي كان يشغله لم يكن يسيره لم تكن له كريزمات قوية لاتخاذ القرارات بل كان يخضع للوبيات هو الذي يعرف لماذا كان خائفا منهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News