سياسة

الدخول السياسي الجديد.. تحديات تختبر وعود الحكومة لتخفيف وطأة الأزمة

الدخول السياسي الجديد.. تحديات تختبر وعود الحكومة لتخفيف وطأة الأزمة

يطرح الدخول السياسي والبرلماني الجديد، مجموعة من التحديات على الفاعل السياسي، تحديات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية أفرزتها مجموعة من التحولات على المستويين الوطني والدولي، بفعل تداعيات الجائحة واستمرار الحرب الأوكرانية من نجم عنها تأثير على امدادات الطاقة.

وتُشكّل هذه التحولات اختبارا جديدا للنخب السياسية، وخاصة الفاعل الحكومي حول مدى قدرته على مواكبة هذه التحولات، في ظل سياق دولي متقلب يستوجب منها اعتماد مقاربة جديدة وتفعيل آليات عمل مبتكرة، قصد إغناء النقاش السياسي العمومي، واقتراح حلول تستجيب لتطلعات المواطنين.

وعلى صعيد المؤسسة البرلمانية، تؤثث الأجندة التشريعية للسنة الثانية من الولاية الحكومية الحالية، مشاريع قوانين مهيكلة ذات أهمية بالغة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لاسيما في سياق وطني ودولي موسوم بتناسل الأزمات وتعاظم التحديات.

وفي هذا السياق، أكد محمد غيات رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، أن الدخول السياسي المقبل محكوم بأجندة مكثفة بعضها يرتبط بتنزيل للتوجيهات الملكية خصوصا في قضايا الأسرة والجالية والاستثمار، مسجلا أن هذه الأوراش تستوجب من الحكومة والبرلمان اتخاذ عددا من القرارات والتدابير والنصوص خلال الدخول السياسي المقبل، من أجل إعادة النظر في المنظومة القانونية المنظمة للقضايا التي اثارها الملك.

الوفاء بالالتزمات

وأضاف غيات في حديث لـ”مدار21″، أن الدخول السياسي، محكوم كذلك بأجندة البرنامج الحكومي خصوصا فيما يتعلق بوفاء الحكومة بالتزاماتها على مستوى اصلاح المنظومة التعليمية والصحية، مردفا أنه “لا ننسى أن السنة المقبلة ستكون نقطة بداية لتنزيل أهم قانوني اطار يتعلقان بالتربية والتكوين والمنظومة الصحية”.

وأوضح غيات، أنه بالإضافة إلى الأهمية البالغة الخاصة بتدبير الأمن المائي والطاقي الذي أصبح يتصدر السياسات العمومية للدولة، لتأمين احتياجاتنا الطاقية وضمان الماء الصالح للشرب في عدد من المناطق المغربية، هناك أولوية أخرى تتعلق بالاستمرار في معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد 19.

وزاد رئيس فريق الحمامة بالغرفة الأولى للبرلمان قائلا: “نحن لم نتجاوز الأزمة بعد، ولا زالت بعض القطاعات تعاني منها السياحة، النقل، الصناعة التقليدية، المقاولات، الفلاحة، وهو  ما يتطلب مزيدا من القرارات العمومية لمعالجة مخلفات الجائحة”.

من جانبه، أكد رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب ادريس السنتيسي، أن هذا الدخول السياسي له خصوصية لأنه يأتي بعد سنة من عمر الحكومة الحالية التي ستأتي بأول ميزانية سنوية لها، على اعتبار أن التوجهات الكبرى لمالية 2022 وضعتها حكومة العثماني السابقة، لافتا إلى أن هذا الدخول، سيشكل فرصة الجميع أغلبية ومعارضة، لتقييم حصيلة تنفيذ البرنامج الحكومي، على ضوء الوعود الانتخابية التي تعهدت بها أحزاب التحالف الحكومي.

وسجل السنتيسي، في حديثه لـ “مدار21″، أن هذه المحطة السياسية الهامة، ستكون أيضا فرصة للوقوف عن قرب على الحلول والكاملة والشاملة والعملية التي تقترحها الحكومة لتخفيف وطأة الأزمة، على المواطنين في سياق استمرار موجة غلاء الأسعار، سيما مع الارتفاع القياسي لنسبة التضخم الذي لا يتناسب مع حجم الزيادة التي أقرتها الحكومة في الزيادة للحد الأدنى للأجور المحدودة.

ملفات حارقة

ويرى رئيس فريق “السنبلة”، أنه في مقدمة القضايا التي يتعين أن تتجاوب معها الحكومة، القوانين الإطار التي جاءت بفضل الدعم الملكي ويتعلق الأمر بالقانون الإطر لإصلاح المنظومة الصحية ومشروع قانون الإطار الخاص بمثابة ميثاق الاستثمار، فضلا عن تنزيل عدد من النصوص المصاحبة في سياق تنزيل الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية وتشجيع المواطنين، على المساهمة والانخراط في هذا الورش عبر التحفيز على تسديد الأقساط الشهرية.

واعتبر السنتيسي، أن موضوع غلاء المعيشة، هو من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة خلال الدخول السياسي الجديد، ويتعين أن تعجل الحكومة ببلورة حلولا ناجعة للتعاطي مع الأزمة، معبرا في السياق ذاته عن رفضه فريقه للمبررات التي تقدمها الحكومة في تعاطيها مع التقلبات التي يفرضها السياق الدولي، لاسيما أن الجفاف سبق للمغرب أن عانى منه والحرب المندلعة في أوكرانيا، عايشت المملكة مثيلا لها في أعقاب نشوبها في دول أخرى، فضلا عن علم الحكومة المسبق بالصعوبات الناتجة عن جائحة كورونا.

السنتيسي

وتابع، أن الدخول سيكون ساخنا مهما كانت الوعود، حيث نسمع أن هذه الهيئة السياسية ستلتحق بالفريق، الحكومي وأخرى ستغادر وتوزيع الوعود بالاستوزار، مضيفا “نحن بعيدون عما يروج بشان التعديل الحكومي المرتقب لأننا نريد اليوم التغيير بدل التعديل حتى يشعر المواطن المغربي بأن هناك إجراءات حكومية عملية لحماية قدرته الشرائية ولتحسين أوضاعه الاجتماعية التي تضررت بفعل الأزمة”.

أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس عبد الحفيظ أدمينو، إن أحزاب الأغلبية “مطالبة بأن تدفع قدما بالعمل الحكومي، من خلال تعزيز التنسيق وتفعيل الآليات التي تم اعتمادها من قبل هذه الأحزاب، وخاصة تلك المنصوص عليها في ميثاق الأغلبية، بما يعزز تنسيق أنشطتها أساسا على مستوى المؤسسة التشريعية، لاسيما أن هذه الأحزاب مطالبة أمام الرأي العام بتنفيذ برامجها الانتخابية، وكذا برنامجها الحكومي الذي قدمته أمام المواطنين.

وسجل أدمينو، أن أحزاب الأغلبية لديها قناعة على الرغم من الاختلافات الموجودة بين مكوناتها بضرورة انجاح هذه التجربة الحكومية وهناك مؤشرات تؤكد ذلك وهو ما يظهر في الاتفاقات المشتركة لدعم تشكيل تحالفات جهوية واقليمية على مستوى عدد من الدوائر في الانتخابات الجزئية الأخيرة.

خصوصيات ومميزات

وبشأن خصوصيات ومميزات هذا الدخول السياسي مقارنة بسابقيه، اعتبر غيات، أنه سيكون دخولا برهانات اقتصادية ومالية كبرى لإعادة الروح للاقتصاد المغربي في ظل مشاريع كبرى أشّر عليها الملك محمد السادس، في مجال قوانين الإطار المتعلقة بالاستثمار والجبايات ومشروع القانون المالي، كما أنه دخول برهانات إصلاحية عميقة في مجال منظومتي التعليم والصحة.

وسجل غيات، أن الدخول السياسي لهذه السنة، له خصوصيات تميزه، أولا، لأن هذا الدخول يشكل في الواقع أول سنة في عمر الحكومة من حيث إعداد مشروع القانون المالي، لأن المشروع الأول من عمر أي حكومة يكون معظمه معدا سلفا ومحكوم باستمرارية الولاية السابقة.وبالتالي لا يكون امام الحكومة الجديدة هوامش وحيز زمني لإعادة النظر في المشروع.

ويرى رئيس فريق “غيات”، أن هذا الدخول يتميز بإعداد مشروع يحمل الهوية الكاملة لهذه الحكومة وأغلبيتها، ويتميز الدخول بكونه سيشكل مرحلة تأسيسية لاستكمال ركائز الدولة الاجتماعية، لافتا إلى أن السنة المقبلة ستكون سنة حاسمة في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية في مجال التغطية الصحية والسجل الاجتماعي.

وأكد عبد الحفيظ أدمينو أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الدخول السياسي الجديد سيكون صعبا بالنسبة للأغلبية الحكومية، خاصة من حيث طبيعة الأجندة المكثفة والثقيلة وكذلك الأجندة التي سيكون لها تداعيات مالية كبيرةعلى ميزانية الدولة في ظل الأزمة العالمية.

صعوبات وتحديات

وقال أدمينو، في حديثه لـ”مدار21″، سنكون إزاء دخول يتميز بكونه سيشهد مناقشة قانونيين مهمين ويتعلق الأمر بالقانون الإطار الخاص بميثاق الاستثمار الذي شرع البرلمان في مناقشته والذي يُعوّل عليه لمساعدة الاقتصاد الوطني، من حيث توفير شروط الملائمة لجاذبية الاستثمارا الأجنبية. وبالتالي الرهان على الاستثمار الخارجي لكي يساهم في تعويض الصعوبات المالية التي تواجه القطاع الخاص المغربي، لاسيما بالنسبة للمقاولات الصغرى و المتوسطة.

التحدي الآخر، المطروح على أجندة الدخول السياسي الجديد، برأي أدمينو، يتعلق بورش الحماية الاجتماعية والذي يفترض أن يجري استكماله بنهاية سنة 2022 ، من أجل تعميم التغطية الصحية لتشمل حوالي 22 مليون مغربي، وكذلك الالتزام الحكومة ضمن ميزانية سنة 2023 باستكمال باقي الأوراش الأخرى وما يتطلب ذلك  من كلفة مالية قد تكون على حساب عدد النفقات المرتبطة بالجانب الاجتماعي والقدرة الشرائية للمواطنين.

ويرتبط التحدي الثالث، الذي يواجه الدخول السياسي المقبل، وفق أدمينو، بأن الحكومة مقبلة على وضع قانون مالي جديد، حيث تكْمن أهمية مشروع قانون المالية لهذ السنة، في أن المغاربة يُعولون كثيرا على المشروع من حيث طبيعة التدابير الرامية إلى حماية القدرة الشرائية والتقليص من حدة موجة الغلاء لاسيما ما يتعلق بارتفاع أسعار المحروقات في السوق الوطنية.

وسجل أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أنه ينتظر أن تكون هناك تداعيات لتقرير مجلس المنافسة الأخير بشأن ملف المحروقات على طبيعة النقاشات التي سيعرفها الدخول البرلماني الجديد وأساسا على نبرة الخطاب الذي ستحمله قوى المعارضة.

ولفت أدمينو، إلى أن استمرار الأزمة المالية والحرب الأوكرانية وتداعياتها على السوق الوطنية خلال فترة الشتاء المقبل وما لها من تأثير على ميزان أداءات المغرب خاصة ما يتعلق بالواردات مع ارتفاع أسعار الطاقة وتقلب أسعار الدولار،  كلها تداعيات اقتصادية ومالية تفرض على الفاعل السياسي ابتكار حلول ناجعة للتعاطي معها في ظل انتظار موسم فلاحي متوسط وسط تراجع التساقطات المطرية.

تفاعل مع البرلمان

على المستوى البرلمان، الحكومة مطالبة، برأي المعارضة برفع وتيرة تفاعلها مع المبادرات التشريعية والرقابية للمثلي الأمة، وأن تعمل بشكل عاجل على إعادة مشاريع النصوص التي سحبتها وعلى رأسها مجموعة القانون الجنائي وأن تقدم مجموعة المشاريع المصاحبة لتنزيل و تطبيق القوانين الإطار.

وقال السنتيسي، إن قوى المعارضة البرلمانية ، تنتظر تفاعلا أكبر من لدن الحكومة، مع المبادرات البرلمانية خلال الدورة المقبلة، لافتا إلى مراسلة مختلف القطاعات الحكومية لتقديم مخططاتها التشريعي مشيرا إلى أنه باستثناء وزارتي الداخلية والعدل لا وجود إلى مخطط تشريعي لباقي القطاعات الوزارية، من أجل معرفة تصور الحكومة في مجالات الاستثمار والتجيهز والصحة وغيرها من القطاعات.

وسجل أن الحكومة عاجزة، حتى عن التفاعل والحضور للبرلمان، حيث تقدمت الفرق البرلمانية خاصة من طرف قوى المعارضة بعشرات الطلبات، من أجل مثول الوزراء أمام اللجن الدائمة، لكن الحكومة تغض الطرف عن ذلك، وتصر على تجاهل دعوات البرلمان لمناقشة مواضع آنية ومفيدة وتشغل بال الرأي العام الوطني على غرار الدخول المدرسي والجامعي موجة غلاء أسعار المحروقات.

وأكد أستاذ القانون العام بجامعة الرباط عبد الحفيظ أدمينو، أن الحكومة على هذا المستوى، مطالبة بإبداء نوع من التعاون في التعاطي مع مبادرات فرق المعارضة البرلمانية سواء التشريعية منها أو الرقابية،  حيث شاهدنا خلال السنة الأولى من عمر الحكومة حالات من الشد والجدب بين البرلمان والحكومة، خاصة ما يتعلق بالتعامل مع المبادرات النيابية، وما يهم مقترحات القوانين وحضور رئيس الحكومة إلى المؤسسة البرلمانية ضمن الجلسات الشهرية.

ويرى الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بالرباط، أن هذه الدورة التشريعية ستكون “من دون شك” حافلة بالعديد من الرهانات التشريعية “على الرغم من أن دورة أكتوبر غالبا ما يهيمن على الزمن التشريعي فيها مشروع قانون المالية”.

وأبرز أدمينو، أن هذه الدورة التشريعية ستتميز بدراسة والتصويت على مشاريع قوانين ذات أهمية استراتيجية منها تلك المتعلقة بتأهيل المنظومة الصحية، وكذا ميثاق الاستثمار نظرا لأهميته في تسريع التحولات الاقتصادية التي سيقبل عليها المغرب من خلال الرهان على تشجيع الاستثمارات الأجنبية والوطنية.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News