رأي

ما الذي أصاب أمة قيل عنها خير أمة أخرجت للناس؟

العزوزي

سؤال محير تلوكه السنتنا والقلوب تكاد تعانق الحناجر من شدة غصة غير مسبوقة، وأكيد أن الغرض من إعادة طرح ذات السؤال ليس ترفا فكريا عابرا علما أن منطق الأشياء لا يخجل حين يرى باقي الأمم طرحته على نفسها أملا في الكشف عن مواطن الخلل في أوضاعها ورهاناتها التي كثيرا ما يعتريها مصاب جلل لا يمكن القفز على تفاصيله اذا ما أرادت هذه الامم تقدين نقد ذاتي والفرق طبعا بين هذه الامم وبيننا لا يخضع لأي قياس والفوارق بين المقيس والمقيس عليه لا يمكن تصوره.. نحن أمة لا تدرك كيفية استنطاق قدراتها الذاتية علما أن لها منها ما لا تملكه باقي الأمم سيما القدرات البشرية التي لا تفكر على الاطلاق الاستثمار فيها، ولا كيفية تنميتها قياسا لأروبا مثلا وهي قارة عجوز في كل شيء.. ولا نتعجب من أمتنا إذا وجدناها تحارب هذه الطاقات بشتى الوسائل إلى درجة لا يمكن لعاقل أن يتقبل هذا المنطق، بل الامر يحتم علينا أن لا نفكر في كيفية إحياء استحقاقاتنا التاريخية المغروسة في قلوبنا كرها، مع التحفظ على كل ما درسوه لنا وأخاف أنه لا اثر له في ذات التاريخ والدليل أصبحنا نراجع بعض الحقائق التاريخية التي كتبت تحت الطلب ولا مجال لذكر حتى الجزء اليسير منها.. وهل يحق لهذه الامة ونحن نعيد نفس السؤال أن تحثنا ثانية وثالثة ورابعة.. على محاولة الخوض في غمار تشكيل وعي تاريخ يمكن لطاقات شبابنا أن إعادة بنائه الهش؟ ولنفرض جدلا ونحن نصدق تفاصيل تاريخ هذه الامة المضروبة على أم رأسها هل يا ترى لنا من الآليات والمقومات تخول لنا محاورة أمجاد التاريخية قيل لها من صنع أجدادنا – معذرة أجدادنا- هذا ما صنعوه في غيابكم بجماجمنا، وها نحن لم نتمكن رغم إكراه ذواتنا الحسم في هذه المحاورة المحاربة في مهدها من قبل لوبيات لم نعد نكنه كيف أصبحت تصنع معيشنا على نقيض تاريخ أراه دخل غرفة الانعاش ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف.. ترى وصلنا حقا الى حد تخريب حدودنا الذاتية، وتشطيب ملكاتنا الروحية والرمزية في زمن قياسي في الوقت الذي اصبحنا نرى الامم التي كانت بالأمس في نقطة درجة الصفر ابتعدت عنا بمسافات ضوئية..

هنا بالضبط تستوقفنا مرجعيات لها وزنها لأنها وليدة أفكار باحثين لا يمكن تجاوز حقولهم العلمية والذين علمونا ولا زالوا يعلمونا على أن أرقى أنواع الوعي هو أولا وأخيرا الوعي بالذات، فما بالك ونحن طلقناه طلاقا بائنا بينونة كبرى مكرهين لا أبطالا؛ وبالمقابل نبهونا ونحن نقرأ لهم تنظيراتهم على أن الجهل هو الجهل بها، والحال أن جهلنا لا يمكن أن يختلف عنه اثنان أنه من صنف الجهل المركب. على هذه الامة والساهرين على ايقاعات خطواتها أن تعلم علم اليقين أن الوعي بالذات المعطى الذي يعوزنا طبعا لا يعتبر انغلاقا على الذات بل هو صحوة لا مناص منها، وكما عليها أن تعلم أنها لا يمكن بحال من الاحوال أن تلصق بها تهمة تقديس نزواتها وكأنها في حاجة الى من يحجر عليها؛ هنا بالضبط على الخائف من هذه الذات أن يدرك الجميل والصواب في حدودها إلى جانب الاستجابة لشروط وجودها بغية الحفاظ عليها والرقي بها إلى درجات لا شك أنها لن تكون إلا معطاء.

ولعل تحقيق هذه الآمال المفقودة في عالمنا العربي والاسلامي جملة وتفصيلا لا يمكن الوصول اليه الا عن طريق شحذ وتعميق الوعي بالممارسات الالوطنية التي اصبحنا نعيش في دهاليزها الى درجة انها غدت تسيجنا بشكل لا يبعث عن التفاؤل المفقود. وهذا ما يجعلنا لا نتوقف عن التساؤل المضنى ونحن نرى اوضاعنا تتعفن بشكل غير مسبوق، ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر واقع تعليمنا وصحتنا وعدلنا وو.. وهذا ما يجعلنا نؤمن اكثر من ذي قبل ان تاريخنا لا يعيد نفسه فقط وانما يعيد ملابساته وعقرب ساعاتنا لم يبرح مكانه تماما.. فالصحوة تستدعي منا معشر الباحثين اولا والسياسيين على تفاهتهم المكشوفة ثانيا، والحكومات التائهة مكرهة ثالثة أن لا نقف على سطح الواقع، بل العمل على استكشاف ما تحت السطح، وما اخبث ما تحته بني امي؛ وهذا يجعلنا نؤمن بإيجاد البديل ويكون طبعا بديلا مضادا يحثنا على تعميق الوعي فيه بالذات، وايجاد آليات بديلة تخلخل واقعا لا يبشر بخير بعيدا عن رفع الشعارات والخطوة الى الوراء، ولعمري إن هذا من صنع أمتنا تتفرد به ولا تخجل من عالم ينظر إليها اشفاقا.. ألا يكفينا من إعادة الاخفاقات وإعادة إنتاج الأزمات تتشكل كل وقت وحين إلى درجة تدمر فيها إنسانية المواطن العربي والمسلم على حد سواء، فيغيب الوعي التاريخي بل حتى الحاضر وصولا إلى مستقبل لن يكون إلا استجابة شرطية لهما معا.

وما دام الشيء بالشيء يذكر علينا أن نعترف بتبعيتنا لأروبا بل الغرب قاطبة وهذا ما يجعلنا نفقد كل شيء، فلا نحن عرب ولا من المسلمين ولا حتى ننتمي إلى الغرب، ومن هذا المنطلق يمكن ونحن نتساءل كما كنا ولا زلنا عن أوضاعنا، في الوقت الذي لم يعد الغرب يدق أبوابنا كما كان بل أصبح يتحكم في حركاتنا وسكناتنا وبشكل مكشوف وكأننا أصبحنا فئران التجارب، والصحيح كان لحكوماتنا وأنظمتنا أن تتحرر نسبيا كي نستطيع أن نتحرك من منطلقاتنا التاريخية الحقيقية لا المزيفة والمكتوبة تحت الطلب في زمن انكشفت فيه عورات أممنا سرا وعلانية، وأكيد أن الدعوة إلى هذا التحرر لا يمكن أن يكون في حل من منطلقات تاريخية مترابطة ومنظمة ما دمنا نعيش في قارات تتواصل مع بعضها البعض لضروريات الحياة التي تتحكم فيها مصالح متبادلة لا يمكن الاستغناء عنها، والدليل أن أممنا وقعت هي الأخرى على معاهدات ومواثيق دولية، وهكذا ومن الأكيد أن وعينا الفكري سيتكامل نظرا لما يحيط بنا، وبالتالي ستتاح لها فرص الاستيقاظ عقليا، ونعتبر هذه القفزة النوعية تحفيزا روحيا واجتماعيا وحضاريا مشتركا رغم الخصوصيات التي لا يمكن تجاوزها البتة. ولعل هذه الأمور التي ذكرنا جزءا منها تجعلنا نطل على منهجية مشتركة لا تكلف فيها، والحال أننا عبرها سنكون شئنا أم أبينا إزاء تحد حضاري لا افراط فيه ولا تفريط، وهذا ما يحتم علينا الاستناد في تساؤلاتنا هذه ونحن نعيش أحداثا تسير وتتطور بسرعة لا يمكن تصورها ولا يمكن أن ننكر على أنها أصبحت تنبئ بالأخطار المحدقة، وعلينا الحرص على الانفتاح على الواقع في كل أبعاده وملابساته، كما علينا تغيير رؤيتنا إلى ذات الأبعاد التي لم يغفل عليها الغرب بينما تخلفنا عنه في وقت كنا نعتقد أنه المخلص مما نحن فيه.

تعليقات الزوار ( 3 )

  1. شكرا العظيمين المفكر د.عبد السلام فزازي وكذا المنبر الذي اكيد سيتألق مع هذا الباحث الاستثنائي..جد سعيدة.. لست أدري هل يمكن توزيع هذا المقال عبر وسائل التواصل الاجتماعي

  2. وأخيرا يتواصل معنا الدكتور عبد السلام فزازي، بل هذا المنبر تبنى فكره الغني ومن يدري قد يستمر تلاقينا مع قامتين: قامة المفكر وقامة المنبر..سأنشر المقال اذا لم يكن مانع لدى المنبر اما استاذنا فكل ما كان يكتبه يقول: حين تنشر أعمالي تصبح ملكا للمتلقي

  3. تماما مثلما توقعت، فهذا المنبر الرائد اراه يعطي أهمية الباحث مغربي تنويري، انها التفاتة بدورها تنويرية، اما انت استاذنا وتستحق منا انحناءة علمية وانسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News