مجتمع

“المولد النبوي” بالمغرب.. طقوس احتفالية لافتة بمولد خير الأنام

“المولد النبوي” بالمغرب.. طقوس احتفالية لافتة بمولد خير الأنام

منذ قرون عدة، يمنح المغاربة لذكرى المولد النبوي رمزية خاصة، حتى أصبحت واحدة من أهم المناسبات الدينية، التي يحرص الشعب المغربي على الاحتفال بها كل سنة.

العديد من البلدان الإسلامية والمجتمعات المسلمة حول العالم، تشهد احتفالات وأنشطة خاصة بالمناسبة.

أما في المغرب، تحيي الأسر المغربية والزوايا والمساجد في جميع المدن المناسبة وسط أجواء احتفالية وبطقوس لافتة، تعبق بالمدائح والقصائد التي تتغنى بالنبي، وأشهرها قصيدة البُردة للإمام البوصيري.

جذور تاريخية
هشام الأحرش، الباحث في التاريخ والحضارة المغربية، قال إن “الدولة جعلت المولد النبوي عيدًا تتعطل فيه الإدارات والمؤسسات بخلاف المشرق العربي، بحيث إنها خصصت يومين للعطلة”.

وأضاف الأحرش أن “أول سنة يحتفل فيها المغاربة بالمولد النبوي هي 1250 ميلادية، في عهد الخليفة الموحدي المرتضى (1248–1266 ميلادية)، حيث أقام ليلة احتفالية بالذكرى في مدينة مراكش”.

وتابع أن “أبا يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، أحيا احتفالًا بمدينة فاس، وفي سنة 1292 ميلادية، أقرّ ابنه بتعميم الاحتفال، فأصبحت عادة متوارثة لدى المغاربة، يتبارون فيها بإظهار كل أشكال التعظيم، حيث تتقدمهم المساجد والزوايا في ذلك”.

وشدد الأحرش على أن “قيمة المولد النبوي توازي الأعياد الدينية، عيدي الفطر والأضحى”، مشيرًا إلى أن “مظاهر الاحتفال تتجسد في اللباس وبعض وجبات الطعام التي تعد خصيصًا للمناسبات.

تقاليد عثمانية
عن طقوس الاحتفال، قال الأحرش إن “المساجد والزوايا بدورها تحيي المولد النبوي من خلال ترديد المدائح والأشعار التي تتغنى بخصال النبي وتعظيمه”، بالإضافة إلى التزيين، “حيث لا يستقيم الاحتفال إلا بالإضاءة”.

وتحدث عن “موكب الشموع الذي ينطلق من ضريح بن حسون خلال ذكرى المولد النبوي”، وقال: “الأمر يرجع في اعتقادنا إلى العلاقة التي كانت تربط السلطان أحمد المنصور الذهبي بوليّ مدينة سلا سيدي عبد الله حسون”.

وأكد الأحرش أن “تقليد الشموع مقتبس من التقاليد العثمانية، نقله السلطان أحمد المنصور الذهبي من إسطنبول التي عاش فيها ردحًا من الزمن”.

ومهرجان موكب الشموع، هو تقليد سنوي مغربيّ، يجوب شوارع المدينة القديمة في سلا، المحاذية للعاصمة الرباط، وصولًا إلى ساحة الشهداء وسط المدينة، تتخلله عروض فرق تقليدية مغربية وأجنبية من دول عربية وإفريقية، مردّدين أهازيج المديح النبوي وحركات صوفية.

احتفالات سنوية
تقليد الاحتفال بذكرى المولد النبوي ترسّخ في الثقافة الشعبية المغربية منذ قرون، حتى أضحت له رمزية خاصة في نفوس المغاربة.

ومع مطلع شهر ربيع الأول، يترقّب المغاربة يوم الـ12 منه كل عام، بقصد الاحتفاء بالمولد النبوي، كما تنطلق فعاليات الاحتفال في عددٍ من المدن المغربية.

زينة وأضواء، حلوى ومأكولات شعبية، أمسيات المديح والذكر… مظاهر عدة للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في المغرب.

نعيمة، سيدة مغربية في الستينيّات من عمرها، تحكي للأناضول ذكريات الاحتفال بذكرى المولد النبوي أيام شبابها في مدينة فاس، حيث “تستيقظ النساء قبل بزوغ الفجر، ويصعدن إلى سطوح المنازل ويبدأن بإطلاق الزغاريد وأهازيج الصلاة على النبي”.

وأكدت أن “مائدة الفطور الصباحي تكون مختلفة عن الأيام الأخرى، يتوسطها طبق “العصيدة”، ومتنوعة بقدر إمكانية الأسر، بالإضافة إلى ارتداء الملابس الجديدة خاصة لدى الأطفال”.

يونس، شابٌ مغربي تنحدر أصوله من الأقاليم الأمازيغية، حدّث الأناضول عن طقوس الاحتفال بالمولد النبوي، التي “تبتدئ بشرب ملعقة العسل الدافئ صباحًا مع ترديد عبارة بالأمازيغية تعني “العسل، العسل يا رسول الله”.

وأردف قائلاً إن “الأسرة تباشر بإنشاد قصيدتي البُردة والهمزية للإمام البوصيري، بعدها تعدّ الأطباق الخاصة بهذه المناسبة والتي يكون العسل مكوّنًا رئيسيًا فيها”.

وذكر أن “الاحتفال يتضمّن زيارة بعض الزوايا التي تحتفي بمولد خير الأنام، عبر ترديد المدائح والقصائد التي تتغنى بفضائل النبي، سواء في فجر العيد أو ليلة الذكرى”.

وأضاف أنه “يتم استقبال الذكرى بارتداء جديد الملابس للأطفال والجلابيب التقليدية للكبار”، مشيرًا إلى أن “المولد النبوي صار عيدًا يوازي في قيمته عيدَي الفطر والأضحى”.

ويرى يونس أن “الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة لتجديد الصلة بالنبي الكريم والتذكير بوصاياه للمسلمين وفضله على العالمين الأجمعين”، مشيرًا إلى أنه “احتفال محمود ومرغوب ما دام ينبني على المقاصد المذكورة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News