رياضة

كيف انتشل الدكيك منتخب “الفوتصال” من التهميش إلى عرش إفريقيا؟

كيف انتشل الدكيك منتخب “الفوتصال” من التهميش إلى عرش إفريقيا؟

بلغت كرة القدم داخل القاعة بالمغرب أوج تألقها تحت قيادة الناخب الوطني، هشام الدكيك، الذي يجني ثمار سنوات من الصبر والعمل القاعدي، إضافة إلى ثقة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في مشروعه.

واكتسح “الفوتصال” المغربي القارة السمراء باحتكاره لقب النسختين الأخيرتين لكأس إفريقيا، ليحوّل الوجهة صوب المسابقات العالمية، وعلى رأسها كأس العالم، التي كانت حتى وقت قريب حلما يصعب تحقيقه.

وركب الناخب الوطني، هشام الدكيك، كل التحديات وتجاوز كل العقبات التي وجدها في طريق تطوير لعبة كانت مهمشة بالمغرب، متسلحا بخبرته وعصاميته وثقة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي آمنت بمشروع ابن مدينة القنيطرة وفي قدرته على تسلق سلم المجد رغم أن المغرب لا يملك تقاليد عريقة في اللعبة.

الدكيك.. أسطورة من صنع مغربي خالص

منذ تولي هشام الدكيك دفة قيادة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة سنة 2010، والمغرب يحصد الأمجاد سنة تلو أخرى، سيما السنوات الأخيرة التي شهدت سيطرة مغربية على الصعيد الإفريقي والعربي وتألقا عالميا جعل “أسود الفوتصال” تحت الأضواء الكاشفة لكبريات المنتخبات والصحف العالمية.

وتدرّج الدكيك في الفئات السنية للنادي القنيطري، فريق المدينة التي رأى فيها النور أول مرة سنة 1973، وشق طريقه ببطء مستعينا بخبرته مع “فارس سبو” و7 سنوات التي قضاها مع المنتخب الوطني، ليُصبح أبرز مدربٍ وطني يحق للمغاربة الافتخار به وبإنجازاته التي تضاهي، بل وتتجاوز، ما أنجزه مدربون في بلدان تولي لكرة القدم داخل القاعة أهمية مضاعفة وترصد لها ميزانيات ضخمة.

يقول الدكيك في تصريح لجريدة “مدار21” إن كلمة السر وراء التألق “كانت هي العمل الجدي، لأني وضعت مشروعا متكاملا ووظفت أيضا مسيرتي لاعبا مع المنتخب الوطني والتي استفدت منها كثيرا، ثم خضت تكوينات مكثفة في التدريب كما أني أصبحت مكوّنا معتمدا بالاتحاد الدولي لكرة القدم في وقت مبكر سنة 2010، وهذا خول لي رؤية كرة القدم في العالم واحتككت بأساتذة كبار أيضا”.

ولم تكن الطريق معبدة لبلوغ كرة القدم داخل القاعة أوجها، بل عانى الدكيك كثيرا. لم يجد، في بادئ الأمر، عندما تولى مهمة قيادة الأسود سنة 2010، آذان مصغية لمشروعه، ولا حتى مسؤولين يثقون في قدرته على السير خلف أحلامه الطموحة التي كانت تبدو “أضغاث أحلام” لا غير.

وانتظر الدكيك سنة 2013، عندما تولى فوزي لقجع رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لتنال كرة القدم داخل القاعة قسطا أكبر من الاهتمام من المسؤولين، وتدخل بذلك منعرجا حاسما كان الناخب المغربي الشخص الوحيد الذي يحس بثقل ما ينتظره من مسؤولية ورهانات.

يوضح صاحب الـ49 عاما بهذا الصدد “الطريق لم تكن مفروشة بالورد، كما أن إقناع المسؤولين بمشروعي كان معضلة حقيقية، ولم يكن شيئا هيِّنا”، مضيفا “لهذا أحرص دائما على شكر رئيس الجامعة (فوزي لقجع) لأنه آمن بالمشروع رغم أن هذه الرياضة لا تذر على الجامعة أي مداخيل من المستشهرين بل هي من تموّل المنتخب الوطني وأيضا البطولة المغربية”، وهو الأمر الذي وفّر للدكيك أجواء مكنته من المحافظة على استقرار “عرين الأسود” واستمرارية منحاه التصاعدي في مختلف التظاهرات التي شارك فيها.

ما قبل الثورة.. سنوات عجاف

ولم ينجح المنتخب الوطني لـ”الفوتصال” في إثبات نفسه قاريا نهاية تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، إذ كان أكبر إنجاز أدركه احتلال وصافة البطولة العربية في نسختي 1998 و2002، قبل أن يكتفي بالمركز الرابع سنة 2007.

في النسخة الأولى للبطولة العربية المنظمة بمصر سنة 1998، تصدر المنتخب الوطني المجموعة الثانية بـ6 نقاط أمام منتخبات ليبيا (4ن) الأردن (2ن) ثم الجزائر، متذيل الترتيب برصيد خال من النقاط، لينتقل “الأسود” مباشرة إلى نصف النهائي حيث تغلبوا على فلسطين (4-1)، قبل الخسارة في النهائي أمام “الفراعنة” بحصة (4-8).

وفي ثاني مشاركة، فشل منتخبنا الوطني من تجاوز إنجاز النسخة الماضية، إذ تصدروا مجموعتهم، التي ضمت ليبيا، العراق والجزائر، بالعلامة الكاملة، وتغلبوا على لبنان في المربع الذهبي (4-8)، قبل أن ينهزموا مجددا أمام منتخب مصر، مستضيف الدورة، بنتيجة (5-1).

أما المشاركة الثالثة، فقد اكتفت النخبة المغربية بالمركز الرابع في النسخة التي استضافتها ليبيا على شكل دوري مصغر بنظام مجموعة واحدة، وعاد اللقب حينها لـ”فرسان المتوسط”. وغاب “الأسود” عن البطولة سنة 2008، وكانت النسخة الأخيرة قبل إيقاف الاتحاد العربي للمسابقة.

وعلى مستوى كأس إفريقيا، التي كانت تعرف مشاركة ضعيفة من منتخبات القارة، تسيد المنتخب المصري المشهد على الصعيد القاري بدون منافس بتتويجه بثلاث نسخ متتالية (1996، 2000، 2004)، فيما توج المنتخب الليبي بنسخة 2008.

وكانت أول مشاركة للمغرب في كأس إفريقيا سنة 2000 وحلّ في المركز الثاني، بينما حلّ ثالثا في نسختي 2004 و2008.

كأس إفريقيا.. أول الغيث قطرة

منذ تولي هشام الدكيك مهمة قيادة “الفوتصال” المغربي والرياضة ذات الشعبية الضعيفة تعيش ثورة حقيقية بالمملكة، حتى أضحى المنتخب المغربي الأقوى إفريقيا وعربيا، منهيا سيطرة المنتخب المصري على القارة.

وعزم الدكيك على تغيير ملامح خارطة اللعبة في القارة الإفريقية، فكانت البداية بالتأهل لأول مرة في التاريخ إلى نهائيات كأس العالم سنة 2012، بعدما احتل “أسود الفوتصال” المركز الثاني في التصفيات خلف “الفراعنة”، لكنهم لم يتجاوزوا الدور الأول للمونديال، بينما تأهل “الفراعنة” إلى دور الـ16 وخسروا أمام إيطاليا.

يوضح الناخب المغربي للجريدة “لقد كان مشروعا كبيرا، ووجد إيمان قويا من الجامعة، وكان هناك تخطيط دقيق لكل شيء وكنا نسير خطوة خطوة”، مضيفا “المشروع كان يلزمه رأسمال بشري، والحمد لله كان هو اللاعبون ونحن الطاقم التقني، ورأسمال مادي ومالي كان ما وضعه رئيس الجامعة والإدارة رهن إشارتنا”.

بعد أربع سنوات، سيقود المدرب الشاب النخبة المغربية لتحقيق مفاجأة بأرض “البافانا بافانا” بالتتويج بلقب كأس إفريقيا للأمم للمرة الأولى في التاريخ على حساب المنتخب المصري (3-2) بمدينة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا.

اللقب القاري الأول أهل كتيبة الدكيك للمشاركة في نهائيات كأس العالم 2016 بكولومبيا، بيد أن المشاركة كانت مخيبة كسابقتها، بالخروج من الدور الأول.

الفوز بكأس إفريقيا والتأهل لكأس العالم في مناسبتين متتاليتين جعل الأضواء تسلط على المنتخب الوطني، ليجد الدكيك وكتيبته أنفسهم تحت ضغط مطالب التتويج بـ”الكان” الذي نظم بالمغرب سنة 2020.

ورغم المنافسة القوية، سيتمكن زملاء سفيان المسرار من إهداء الجماهير لقبا ثانيا على التوالي باكتساحهم مصر بنتيجة (5-0) لتبقى الكأس مغربية إضافة إلى إدراك التأهل إلى المونديال لمرة الثالثة تواليا.

وأصبح المنتخب المغربي قريبا من معادلة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بكأس إفريقيا الذي يملكه المنتخب المصري، المتوج بثلاثة ألقاب.

ليتوانيا.. التاريخ يكتب من جديد

ولأن إنجازات منتخب “الفوتصال” لم تكن محض صدفة، سيواصل هشام الدكيك كتابة ملحمته التاريخية في نهائيات كأس العالم بليتوانيا السنة الفارطة (2021)، بهندسته مشاركة استثنائية في تاريخ كرة القدم داخل القاعة المغربية والإفريقية والعربية.

وتمكن المنتخب المغربي في مونديال ليتوانيا من تحقيق إنجازات غير مسبوقة قاريا وعربيا، بعدما أصبح ثاني منتخب عربي وإفريقي يتجاوز الدور الأول بعد مصر، كما واصل كتابة التاريخ ببلوغه المربع الذهبي لأول مرة في تاريخ مشاركات المنتخبات العربية والإفريقية بتفوقه على فنزويلا (3-2) في ثمن النهائي.

واصطدم قطار المنتخب المغربي في دور الثمانية بالبرازيل، حامل الرقم القياسي في عدد الألقاب بخمسة تتويجات سنوات 1989 و1992 و1996 و2008 و2012. وعكس الترشيحات، تعذب منتخب “السامبا” كثيرا أمام كتيبة الدكيك قبل حسم التأهل بهدف يتيم (1-0)، ليغادر المنتخب الوطني المنافسات برأس مرفوع.

ويؤكد الناخب الوطني أن الوصول إلى هذا المستوى لم يكن سهلا، فقد كان “علينا أن نخوض مباريات ودية عالمية (قبل كأس العالم)، وهذا ما حدث عندما أصبحنا نواجه منتخبات كبيرة، وكانت نتائجنا متذبذبة بين فوز وخسارة”، مسترسلا “لكننا وجدنا السكة الصحيحة وكان ذلك بالضبط بعد كأس إفريقيا التي نظمت بالمغرب وفزنا بلقبها، وآن ذاك كانت انطلاقتنا الفعلية، وفزنا بعدها بكأس العرب مرتين وبلغنا ربع نهائي كأس العالم للمرة الأولى في التاريخ، ثم توجنا مؤخرا بكأس القارات”.

3 ألقاب.. الشهية تأتي مع الأكل

ولم تتوقف شهية “الأسود” عند كأسي إفريقيا المحرزين سنتي 2016 و2021، بل امتدت السيطرة إلى المسابقات العربية، بعدما توج المغرب للمرة الأولى في التاريخ بلقب البطولة العربية التي نظمت بمصر.

وجددت النخبة المغربية تفوقها على نظيرتها المصرية بأرض الكنانة هذه المرة على المستوى البطولة العربية بفوز كاسح (4-0) في نهائي نسخة 2021، مؤكدة تربعها على عرش اللعبة على المستوى الإفريقي والعربي.

وتواصل التألق المغربي في نسخة 2022 المنظمة بالسعودية بإضافة اللقب الثاني لخزانة ألقاب “الأسود” هو الثاني تواليا، عقب التغلب على العراق في النهائي بثلاثية (3-0)، ليعادل المغرب إنجاز مصر وليبيا المتوجين بالمسابقة في مناسبتين.

واستمر قطار منتخب “الفوتصال” تحت قيادة هشام الدكيك في حصد الألقاب، بعدما تمكن، في منتصف شتنبر المنصرم، من التتويج لأول مرة بلقب كأس القارات عقب الفوز في النهائي على المنتخب الإيراني، المصنف في المركز السادس عالميا، بنتيجة (4-3) بعد التمديد، عقب انتهاء الوقت الأصلي للمواجهة بالتعادل (3-3).

نادي الكبار.. لكل مجتهد نصيب

وبدأ المنتخب المغربي للفوتصال بجني غلّة الإنجازات المدركة في السنوات الست الأخيرة، بعدما دخل نادي الكبار في ترتيب أقوى المنتخبات العالمية.

وارتقى “الأسود” إلى المرتبة الثامنة عالميا، وفقا لآخر تصنيف لموقع “فوتصال وورلد رانكينغ”، المختص في تصنيف منتخبات كرة القدم داخل القاعة، والمعتمد من الاتحاد الدولي لكرة القدم.

واحتل المنتخب المغربي المركز الثامن بـ1441 نقطة، متفوقا على منتخبات عالمية كبيرة على غرار إيطاليا (9)، أوكرانيا (10)، بارغواي (11) زيادة على فرنسا التي تحتل الرتبة الـ19.

وعلى الصعيد الإفريقي، وسّع المنتخب المغربي الفارق مع أقرب مطارديه، منتخب مصر، الذي يحتل المركز الـ33 عالميا والثاني قاريا، ويأتي خلفه المنتخب الليبي ثالثا والـ42 عالميا.

ورغم المراتب المتقدمة التي يحتلها “الأسود” وحصده الأخضر واليابس، ما يزال الناخب المغربي، هشام الدكيك، موقنا أن طريق بلوغ القمة طويلا، ويرى أنه يبدأ بالاقتراب أكثر من المراكز الثلاثة الأولى عالميا حتى يصبح المنتخب المغربي قادرا على المنافسة بشراسة على لقب كأس العالم، لكن، لكن حلمه يصطدم، حتى الآن على الأقل، بضعف البنى التحتية بالمغرب ما يعرقل جهود تطوير اللعبة لتضاهي نظيراتها العالمية دون نسيان ضعف التنافسية على الصعيد الإفريقي بسبب غياب الاهتمام والمسابقات القارية على مستوى الأندية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News