دولي

هكذا حافظ المغرب على توازن مواقفه من الحرب الروسية الأوكرانية

هكذا حافظ المغرب على توازن مواقفه من الحرب الروسية الأوكرانية

الحفاظ على المواقف المتوازنة زمن الحروب مهمة شاقة، لا سيما حينما يتعلق الأمر بصراعات تخوضها دول كبرى، وبحروب معقدة من ناحية خلفياتها وأطوارها، ما جعل التعامل المغربي مع الحرب الروسية الأوكرانية يثير انتباه العديد من المهتمين بالشأن الدولي.

استطاع المغرب منذ نهاية فبراير 2022، موعد انطلاق الحرب الأوكرانية الروسية، أن يحافظ على موقف متوازن من الحرب، ما مكنه من الحفاظ على علاقاته مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يصطف ضد دولة روسيا، التي تربطه بها هي الأخرى علاقات مهمة، منذ الزيارة الملكية إلى موسكو سنة 2016.

والمتتبع للعلاقات المغربية مع كلا من روسيا وأوكرانيا يدرك أن المغرب تمكن من نحت موقف متوازن لا يغضب طرفي الصراع، كما لا يرضيهما بالكامل، وهو ما جعله يتخلص من ضغوطات سحب المواقف التي شنتها أقطاب الصراع بداية الحرب لحشد الداعمين لكل طرف.

الموقف المغربي..

في هذا الصدد أكد بلال التليدي، الكاتب والباحث في العلوم السياسية، في تصريح ل”مدار21″، أنه “إذا تأملنا السلوك السياسي للدولة المغربية مجسدا في سياستها الخارجية تجاه كل من روسيا وأوكرانيا، يمكن أن نلاحظ أن المغرب اتجه نحو اعتبار أن للحرب جملة دوافع وأسباب ومحددات، لا يتقاسم المغرب فيها وجهة النظر الأمريكية والأوروبية”.

وشرح التليدي أن الموقف المغربي يدعو “إلى أن يتم الحوار السياسي بين الطرفين وأن يتم تفهم مصالح الطرفين معا، وأن الحل لا يمكن أن يكون إلا عبر التفاوض وليس عبر التدخل العسكري، مع تأكيد المغرب على أن هذا الأخير ليس حلا للأزمات”.

مصالح اقتصادية

ومن جهة الممارسة السياسية، يضيف المتحدث نفسه، أن المغرب له حسابات خاصة تتعلق بإدارة علاقاته الخارجية، مذكرا في هذا السياق بأن ” مع زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو ولقائه بفلاديمير بوتين تطورت العلاقات التجارية مع روسيا بشكل كبير وأصبح جزء مهم من الصادرات الفلاحية المغربية يصل إلى روسيا”.

ويتابع التليدي بأن المغرب له مصالح في روسيا، وأيضا تربطه بروسيا وأوكرانيا معا علاقات تجارية مرتبطة بتأمين جزء من الأمن الغذائي، متعلق أساسا بالحبوب والحبوب النباتية التي يصنع منها الزيت.

الصحراء المغربية

بالإضافة إلى ما سبق يوجد، وفق تصريح التليدي ل”مدار21″، “ملف الصحراء والحاجة إلى تحييد الموقف الروسي، لأن المغرب خسر بعض النقاط في مسار إدارته لملف الصحراء عبر ترك المحور الروسي بدون اشتغال”.

واليوم يبدو أن المغرب، وفق الكاتب والمحلل السياسي المغربي، تفطن إلى هذه القضية وأصبح بالإضافة إلى رهانه على شركائه التقليديين يراهن على مجموعة من البلدان، وذلك ما يظهر من خلال الاعتراف الأمريكي والشراكات التي تجمع المغرب مع بلدان مجلس الأمن.

هذا المنطلق جعل المغرب، وفق التليدي، يتجه إلى “رؤية متوازنة في إدارة علاقاته مع روسيا، وهذا ما يمكن ملاحظة مجموعة من المؤشرات الدالة عليه، ومنها أن المغرب لمرتين لم يشارك في التصويت بمجلس الأمن ضد روسيا، وهذه الأخيرة تتفهم جيدا بأن مثل هذا القرار هو مكلف بالنسبة للدول، وبالتالي لا يمكن أن تمضي بعيدا في معاداة المصالح المغربية في الصحراء”.

حياد روسيا

ويضيف الكاتب المغربي بلال التليدي أن “المغرب شارك مؤخرا في لقاء كازان وهذا أيضا مؤشر ينضاف إلى المؤشرات السابقة، بالإضافة إلى تصريحات صدرت من مسؤولين روسيين على أعلى مستوى تتحدث عن أن روسيا مستعدة لتضاعف مبادلاتها مع المغرب عشر مرات، لاسيما في الجانب الفلاحي.

وشرح التليدي أن معنى هذا أن “مستوى العلاقات مع روسيا في وضع جيد والمغرب يحرص على أن يبقي العلاقات في هذا المستوى أو أن يحسنها أكثر، حتى يضمن بذلك حياد روسيا في موضوع الصحراء، ليتقدم بنقاط كثيرة”.

ويستحضر التليدي في هذا السياق كيف خرج قرار مجلس الأمن رقم 2602 وأغضب الجزائر والبوليساريو، في حين أن روسيا لم توقف هذا القرار ولم تصوت ضده، وإنما امتنعت عن التصويت، وهذا أقصى ما يمكن أن يطلب من روسيا، يضيف المتحدث.

ويعتقد التليدي أن المغرب “يدير علاقاته مع روسيا بحكمة وتوازن حتى يبقيها في الخط الذي كانت عليه لحظة امتناعها عن التصويت على قرار 2602، وهذا الأمر سيكون جد إيجابي بالنسبة إلى المغرب”.

انعكاسات الموقف المغربي

وجوابا عن سؤال انعكاسات الموقف المغربي على علاقاته مع الغرب، استبعد التليدي، في تصريحه ل”مدار21″، أن يؤثر الموقف المغربي من الحرب الروسية الأوكرانية على علاقات المغرب مع الدول الغربية.

وأشار التليدي في هذا السياق إلى أن “الدول العربية كلها سارت في هذا المنهج وكذلك الأمر بالنسبة للعديد من الدول ومنها بعض دول العالم الإسلامي، وبالتالي فعندما تكون كتلة كبيرة تسير في نفس الاتجاه يصعب على القوة الدولية بمنطق معاقبة من لم يكن معها”.

الغرب لن يستطع معاقبة ثلثي العالم

وأضاف التليدي أنه “يصعب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية أن تتحالف ضد أكثر من ثلثي العالم”، مشيرا إلى أن هناك قوى تتفهم المصالح الأوروبية وهناك قوى أخرى تضم فئة عريضة من الدول، تقول بأن للغرب تدخل في الحرب الروسية الأوكرانية، وبأنه ينبغي أن نتفهم المصالح الروسية وأن الحل الوحيد هو التفاوض وليس التدخل العسكري.

وتابع التليدي أن هناك ثلاثة مواقف وليس اثنان فيما يخص الأزمة الروسية الأوكرانية، والمغرب لم ينحاز مع روسيا ضد أوكرانيا، ولكن هو في الخط الثالث إلى جانب عدد من الدول، وسيصعب معاقبة كل هذه الدول إضافة إلى الدول المساندة لروسيا في تدخلها العسكري.

الغرب اليوم في وضع صعب جدا، في نظر الكاتب المغربي، إذ يعيش أثار الحرب الروسية على أوكرانيا، ويبحث بشكل كثيف عن الإمدادات الطاقية، ولا يمكن له أن يحرك آليات العقوبات في وجه دول ستمكنه من أن يخفض مستوى ارتهانه إلى روسيا في المجال الطاقي.

لا نتصور اليوم، وفق التليدي، أن أوروبا بإمكانها أن تعاقب السعودية أو الإمارات أو قطر أو الدول المصدرة للنفط والغاز لمجرد أنها لم تتبنى نفس موقفها من الحرب، لأن هناك حسابات كثيرة جدا.

وحتى المغرب يعول عليه بشكل كبير من طرف الدول الغربية، يضيف التليدي، لأن هناك نفوذ إيراني وروسي بدأ يبحث عن موطأ قدم في شمال روسيا وفي غرب إفريقيا، ذلك أنه ورقة مهمة يعتمد عليها في بناء منظور للأمن الإقليمي بالمنطقة، والغرب له من الذكاء ما يجعله يتعامل بناء عدة اعتبارات وليس اعتبار واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News