سياسة

خبير يستعرض لـ”مدار21″ أوراق ضغط المغرب في حال التصعيد ضد فرنسا

خبير يستعرض لـ”مدار21″ أوراق ضغط المغرب في حال التصعيد ضد فرنسا

لا يبدو أن مواجهات المغرب مع العديد من الدول لأجل توضيح مواقفها من قضية الصحراء المغربية ستتوقف في الأفق المنظور، فبعد المعارك الدبلوماسية القوية للمغرب مع كل من إسبانيا وألمانيا، والتي انتهت بمكاسب مهمة، تتجه الأنظار اليوم إلى دول أخرى يضع المغرب حسم موقفها على رأس الأولويات.

الخطاب الملكي الأخير، خلال الذكرى الـ69 لثورة الملك والشعب، أعطى إشارات صريحة لمجموعة من البلدان التي تقف في المنطقة الرمادية من قضية الوحدة الترابية للمغرب لتعديل موقفها، وهي فرصة لتفادي الوصول إلى خيار المواجهات الدبلوماسية التي يبدي المغرب استعدادا لخوضها.

وجعل خطاب ثورة الملك والشعب من المواقف تجاه قضية الصحراء المغربية المعيار الأساس لدرجة التقارب بين المغرب وشركائه، دون أن يستثني من ذلك الشركاء التقليديين، ما دفع الكثيرين إلى توجيه الأنظار تجاه دولة فرنسا، التي تعد من أكبر شركاء المغرب المحافظين على موقف ملتبس من النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية المغربية، إذ لا تزال متشبثة بدعم الحكم الذاتي دون أن تتخطاه إلى الاعتراف بالسيادة المغربية الكاملة على ترابه.

مجموعة من التوقعات ذهبت إلى أن المواجهة المستقبلية للمغرب ستكون مع فرنسا، ما جعل التحليلات تنصب حول أبرز الأوراق التي سيحركها المغرب لسحب مواقف متقدمة من فرنسا، وهي أوراق كثيرة وفق صبري لحو، الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء، الذي تحدث لـ”مدار21″ مستعرضا نقاط قوة الموقف المغربي.

الاقتصاد.. اليد الموجعة لفرنسا

من خلال حجم العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا، في جميع المجالات، يتبين أن الاقتصاد سيكون هو اليد الموجعة لفرنسا، في حال لجأ المغرب إلى تعليق علاقاته الاقتصادية مع فرنسا أو تخفيضها إلى أدنى المستويات.

وأوضح صبري لحو، الخبير في العلاقات الدولية، أن فرنسا فقدت في السنوات الثلاث الأخيرة صفة الشريك الاقتصادي الأول، ولكن لا زالت تعتبر المستثمر الأول بالمغرب، إذ يعتبر هذا الأخير وجهة للشركات الفرنسية، ونستحضر هنا الصفقة الكبيرة لإطلاق القطار الفائق السرعة التي استفادت منها شركة فرنسية، ما يعني أن المشاريع الكبرى والاستراتيجية بالمغرب تحظى بها الشركات الفرنسية.

وأكد لحو أنه “بإمكان المغرب إعادة النظر في الشراكة والتعاون والصفقات، وأن يشكل ضغطا شديدا على الاقتصاد الفرنسي وعلى المستثمرين الفرنسيين، نظرا لكون الرأسمال الفرنسي بالمغرب يحظى بالعديد من الامتيازات والاعفاءات”.

وتابع الخبير نفسه في حديثه لـ”مدار21″ أن “المستثمر الفرنسي في حال الضغط عليه من طرف المغرب سيكون لوبي حقيقي ضد الرئاسة الفرنسية وآليات صنع القرار بفرنسا”.

المغرب بوابة إفريقيا

المغرب يعد، وفق الخبير في العلاقات الدولية، هو الباب الفرنسي لإفريقيا، لأنه راكم “تجربة حقيقية حتى سار يعتبر المنجد الإفريقي للأعمال والاستثمارات الفرنسية، وبالتالي إن فقدت فرنسا المغرب فهذا سيشكل ضغطا كبيرا عليها”، يؤكد لحو.

واسترسل صبري لحو “لا يمكن أن نقول إن المغرب يشكل ضغطا يزاحم فرنسا في مستعمراتها الإفريقية القديمة، وخاصة في غرب إفريقيا، بل إن فرنسا محكوم عليها أن تتعاون مع المغرب وإلا فإن هذه المزاحمة التي هي عنوان بعض الصحف وبعض المحللين ستكون حقيقية وسيلقى المستثمر الفرنسي في إفريقيا منافسة شرسة من طرف المغرب لإزاحته”.

وذهب الخبير إلى أن هناك “انكماشا فرنسيا في إفريقيا وأسبابه عديدة، منها الموقف السياسي الفرنسي الذي لا زال يؤمن بعقيدة التبعية، وهذه السياسية لم يعد أحد يؤمن بها، بل إن البلدان الإفريقية باتت تؤمن بالشراكة من أجل الربح المتبادل، وهي الأن تؤمن بالنموذج المغربي”.

وأكد لحو أن خطة المغرب بإفريقيا، التي تؤمن بالاقتصاد من أجل عائد سياسي، أعطت أكلها، فأصبح هذا العائد حقيقيا وليس عنوانا مبهرا، وبالتالي فإن المعركة بين المغرب وفرنسا يمكن أن تنتقل إلى المجال الإفريقي.

ومن بين ما يلعب لصالح المغرب في هذا المجال، وفق خبير العلاقات الدولية، هو وجود “منافسة بين مجموعة من الدول على إفريقيا من بينها الصين وروسيا وتركيا، ولهذا من الصعب على فرنسا أن تفقد هذا الحليف الاستراتيجي الذي هو المغرب، وبالتالي على القرار السياسي الفرنسي أن يسلم بالأمر الواقع وأن المغرب دولة مستقلة وذات سيادة وستتعامل معه بندية”.

شراكات المغرب تقزم فرنسا

تابع صبري لحو أن “للمغرب ضمانات أخرى وشركاء آخرين قزموا الموقف الفرنسي، لا سيما فيما يخص ملف الصحراء المغربية، وبالتالي على فرنسا أن تجنح إلى الواقعية، وأن تؤمن بأن ليس لها أوراقا كثيرة في مواجهة المغرب، مما يدعوها إلى الوضوح لتبقى مريحة، مثلها مثل إسبانيا”.

وذكر لحو أن إسبانيا كانت قد فقدت موقعها في نزاع الصحراء المغربية، قبل أن تبادر إلى الرجوع إلى خضم السياسة، ما جعل المغرب يفتح أبوابه لها لأنها قدرت مصالحه في لحظة حاسمة، وهو ما ينتظره المغرب من فرنسا.

وقال صبري لحو أن “فرنسا عليها أن تكون واضحة مع المغرب، وإلا فالقطار سيسير ولن يتوقف، لأن المغرب لديه شركاء”، مشيرا في السياق نفسه إلى أن “المغرب يمتلك ضمانات جديدة من دول حليفة”.

وأردف الخبير المغربي أن “ألغاز قوة المغرب تكمن في شراكاته الإفريقية، فخلف المغرب توجد القوة الإفريقية، ما جعله رائدا قولا وفعلا”.

وبخصوص إمكانية استغلال فرنسا لموقعها بمجلس الأمن، فهذا الأخير، حسب المتحدث نفسه، لم يعد مخيفا للمغرب، فما يمكن أن توفره فرنسا للمغرب في هذا الجانب أصبحت توفره له أمريكا، وهذا المعطى قزم فرنسا، وفق رأي لحو.

وأضاف الخبير نفسه ل”مدار21″ أن “فرنسا تغافلت حتى سحبت منها أمريكا وإسبانيا الأولوية، فأصبحت هاتين الدولتين في أعين المغرب دول شامخة وكبيرة، بفضل المواقف التي عبرت عنها”.

وأشار لحو أن “فرنسا تبحث عن طريقة للعودة ولكنها تختار طريقة المساومة والابتزاز عن طريق اللجوء إلى الخصوم”.

الخبرة الأمنية للمغرب تربك فرنسا

بخصوص ورقة الضغط المغربية، أوضح الخبير صبري لحو أن “المغرب راكم تجربة أمنية كبيرة على مستوى المعلومات المخابراتية في تعقب الحركات المتطرفة بأوروبا، وأظهر الدليل والحجة للبلدان الأوروبية في هذا المجال”.

والشهادة التي أعطيت للمغرب في هذا المجال، وفق لحو، ليست ذاتية نابعة من المغرب بل هي شهادة تشترك فيها عدة دول من قبيل ألمانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وأمريكا، بمعنى أن قدرة الأجهزة المغربية فائقة وأعطت الدليل على المستوى العالمي.

وقال الخبير نفسه أن “خبراء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عند بحثهم عن المقاربة الناجعة لمحاربة الحركات الدينية المتطرفة فإنهم وقفوا عند دور المعلومة في وقتها وقبلها، أي قبل أن تتحوّل الأفكار إلى فعل مدمر يلحق الأذى بالمواطنين والممتلكات”.

وأضاف “المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية اشتغلت على هذا الجانب وتملك رصيدا هائلا وبنكا حقيقيا من المعلومات، ما جعل هذه التجربة والفعالية تلهم كل المخابرات العالمية التي باتت تطلب ود وتعاون الأجهزة المغربية”.

وشدد لحو أنه في حال اتخاذ المغرب لخطوة تعليق التعاون مع فرنسا فإن ذلك سيربك الأجهزة الأمنية الفرنسية. مضيفا أن “المغرب لا يريد أذى بالدولة الفرنسية أو المواطنين الفرنسيين ولكن من حقه أن يعلق التعاون، لأن هذا رأسمال ورصيد يمكنه استثماره، وستكون هذه الورقة ناجعة وفعالة وستؤتي عائدا سياسيا سريعا”، يضيف المتحدث.

التأشيرات.. ورقة فرنسا الفارغة

وقلل الخبير في العلاقات الدولية صبري لحو من أهمية الضغط الذي تمارسه فرنسا على المغرب فيما يخص التأشيرات، لأنها تشكل ضغط في ناتج العلاقات الاجتماعية وعدد المهاجرين المغاربة المتواجدين بفرنسا.

وتابع الخبير أن فرنسا نفسها تنتهك اتفاق 1953 وما تلاه من اتفاقيات 1987 و1998 فيما يتعلق بحرية المغاربة في الخروج والدخول من وإلى فرنسا بدون قيود. مضيفا أنه عندما أخضعت فرنسا المغرب للتأشيرة كان عليه أن يحتج لأن بينه وبينها اتفاقات في هذا المجال تسمح للمغاربة بولوج فرنسا دون قيود، لكن المغرب لم يمارس ذلك الاحتجاج في وقته.

وقال لحو أن التقليل من عدد التأشيرات الممنوحة من طرف فرنسا للمغاربة لا يشكل ضغطا، بل إنه يدق ناقوس الخطر للدبلوماسية المغربية لتتعامل بالمثل مع فرنسا، وأن تفرض التأشيرة على الفرنسيين، ولا يمكن الاحتجاج على فرنسا بهذا الخصوص لأنها مارست حق سياسي، بل يجب على الدبلوماسية المغربية أت تفعل بدورها هذه الورقة، لأن المغرب دولة ذات سيادة وعليه أن يؤمن بقدراته في هذا الباب.

الجالية المغربية.. ورقة ضغط مهمة

أما عن ملف الجالية المغربية في فرنسا أكد صبري لحو لـ”مدار21″ أنها من أكبر الجاليات، فهي تربو على مليوني مغربي، وهي لوبي حقيقي وورقة ضغط مهمة في يد المغرب، ما على المغرب سوى أن يستثمر فيها استراتيجيا من أجل أن تغطي الأكل.

وأوضح لحو أنه “بإمكان المغرب تحويل هذا الكم إلى نوع، فقط عليه أن يعطي اهتماما لهذا الرصيد البشري من الجالية المغربية، لا سيما وأنها ترتبط بالمغرب ارتباطا وثيقا بالرغم من المشاكل الموجودة”.

ودعا الخبير إلى ضرورة تطوير المغرب أدواته “ليجعل من الجالية المغربية في فرنسا وباقي الدول الأوروبية مصدر نفع اقتصادي وسياسي”. متابعا أن هذه الفئة راكمت تجارب مهمة باحتكاكها مع دول الاستقبال، وعلى المغرب الاستفادة منها وأن يتم تجاوز نظرة أنها مجرد مصدر للعملة الصعبة، وأن يحولها إلى كم ناجع وفعال يعطي أسبقية للقضايا ويرافع من أجل الوطن داخل بلدان الإقامة.

الذاكرة الاستعمارية

من الأوراق التي بإمكان المغرب تحريكها كذلك، وفق الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، هي ورقة الماضي الاستعماري لفرنسا بالمغرب، لا سيما وأنها تورطت في نهب خيرات المغرب، وارتكبت فضائع وجرائم حرب في حق المقاومة المغربية، ما يوفر للمغرب ورقة إضافية.

وسيشكل اعتماد المغرب لهذه الورقة محاصرة لفرنسا من الجانب الأخلاقي ومصدر إزعاج حقوقي، لا سيما في حال تأكيد المغرب على ضرورة محاسبة فرنسا على الجرائم المرتكبة خلال الفترة الاستعمارية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News