أمازيغية

  القضيةُ الأمازيغية في قلبِ اهتمامات صحفيين بالإعلام الأمازيغي

  القضيةُ الأمازيغية في قلبِ اهتمامات صحفيين بالإعلام الأمازيغي

ثلاثُ بروفايلات إعلامية، بصمت الصحافة الأمازيغية المغربية، سواء المكتوبة أو السمعية البصرية، واكبت النقاش حول دسترة الأمازيغية سنة 2011، وواكبت تطلعات الحركة الأمازيغية إلى تفعيل هذه اللغة، التي تعكس هوية وثقافة متعددة الروافد والتجليات.

في هذا الملف، نتوقف عند مسار كل من الصحفي عبد الله الطالب علي، بإذاعة تمازيغت، الصحفية أمينة ابن الشيخ اوكدورت، مديرة جريدة العالم الأمازيغي، وكوثر أزيرار، صحفية ومقدمة برامج بالقناة التلفزية الأمازيغية، ثلاث بروفايلات إعلامية تقاسمت مع مدار21 تجارب الاشتغال من موقعها الإعلامي لتناول القضية الأمازيغية، والانفتاح على روافدها الثلاثبن بالرغم من مختلف التحديات والصعوبات.

عبد الله الطالب علي: اجتهدنا في تكريس المصطلح الأمازيغي الأكثر تداولا

تجربة إعلامية تعودُ بداياتها لسنة 1978، بعد التحاقه بإذاعة “تمازيغت”، وبمصلحة إنتاج البرامج انطلق مساره المهني. يقول عبد الله الطالب علي “كنتُ من الأوائل إن لم أقل وبكل تواضع أول من قدم على أثير الإذاعة الأمازيغية برنامجا تفاعليا بالمباشر، إذ وجدت أن كل البرامج والمواد الإذاعية التي تبث على أثير هذه الإذاعة ومنذ عقود كانت تقدم معلبة وبطريقة كلاسيكية وكانت شبكة برامجها نمطية ولا تتغير طوال المواسم والفصول”.

وهنا يضيف الصحفي “لابد من الإشارة إلى أنني عانيت وعانى معي زملائي من الشباب في فرض التغيير والتحديث الذي أتينا به، وتأثرنا به من خلال متابعتنا واهتمامنا بما تقدمه محطات إذاعية أخرى وطنية ودولية”.

تدرَّج بعد ذلك في العديد من المهام الإعلامية بدار البريهي، إذ كانت التجربة الثانية بقسم الأخبار بالإذاعة، تلتها مهمة تحرير وتقديم نشرة الأخبار بالأمازيغية بالتلفزة المغربية، إلى جانب صحفيين يعتبرهم من الجيل الجديد الذي انتمى إلى أسرة الإعلاميين الأوائل الذين اشتغلوا بالروافد الأمازيغية الثلاث بالإذاعة.

غير أن المسار المهني للمتحدث لم يكن سهلا، إذ كانت الصعوبات بالنسبة إليه “كثيرة ومتشعبة”، يختصرها في “لغة التواصل مع المستمعين والمشاهدين”، موضحا قولهُ: ” قمنا باختيارات واضحة وتلمَّسنا لغة العامة من الناس واجتهدنا في تكريس المصطلح الأمازيغي الأكثر تداولا محليا في مختلف المناطق والجهات ذات الكثافة السكانية الناطقة بتمازيغت وأعني هنا المغرب العميق بجبال الأطلس بسوس والنواحي”.

الأمازيغيةُ كانت أكثر من مجرد هوية، بالنسبة للصحفي ذاته، بالرغم مما اعتبره خلافا حادا كان بيننا، يقول المتحدث، وبين الجيل السابق في هذا الموضوع خصوصا وأن جلهم وليس كلهم طبعا يعتمدون على الترجمة الحرفية من النصوص المحررة بالعربية وكان هذا هو المعمول به في قاعات تحرير الأخبار.

وفي هذا الصدد، يتذكرُ الطالب علي ما أسماه “سطوة الأجهزة الرقابية في زمن الداخلية والإعلام”، حين يتم التصرف في تداول المصطلحات الأمازيغية الأصلية، مُعتبرا أن الهامش المسموح لهم بهذا الخصوص كان “ضيقا”، لكنه لم يكن مُحبَطا، لأن ممارسة المهنة كانت بالنسبة إليه “شغفا كبيرا مقرونا بنضالية في المجال الثقافي الأمازيغي”، قوَّت اهتمامهم لتحديث الخطاب الإعلامي من خلال التواصل مع مناضلي الحركة الثقافية.

وارتبط المسار المهني للطالب علي ببرنامج موضوعاتي موجه للجالية، يقول عنه “بفضلِ حصصنا الإذاعية التفاعلية المباشرة والترفيهية تمكنا من التواصل الجيد مع مواطنينا بالخارج، وساهم ذلك من الجانب التقني في سهولة التقاط أمواج إذاعتنا عبر الساتل”.

وبحماس يُضيف الصحفي، “تواصلي مع أفراد الجالية كان ترفيهيا في البداية ثم خدماتيا مكننا من ملامسة وطرح إشكالات الهجرة من جميع جوانبها وتعاملنا في ذلك ولازلنا مع العديد من الفعاليات الجمعوية والسياسية ببلدان المهجر”.

صيتُ البرنامج الذي كان يقدمه الصحفي استجابت له الجالية السوسية بالخارج، متذكرا أنه “كم مرة قامت مؤسسات بنكية وطنية باحتضان برامجنا الموجهة للجالية، وتحضرني هنا ذكرى قيامي بمهمة تغطية مخيم صيفي لأبناء أفراد الجالية القادمين من إنجلترا إلى أگادير ومدى استغراب الفريق التقني المرافق لي حين انتبهوا إلى أن كل هؤلاء الأطفال لا يتكلمون إلا لغتين: الإنجليزية والأمازيغية”.

ارتباطُ أفراد الجالية بهويتهم الأمازيغية، يعتبره المتحدث وهو المنتج لبرامج بالإذاعة الأمازيغية، دافعا لتمسكهم الدائم بتقاليدهم وأعرافهم وفنونهم كذلك، وهو ما تعكسهُ مشاركاتهم المتواصلة في البرامج، مُستحضرا أن “أحد منتجي البرامج الوثائقية بباريس اعتمد في إنجاز وثائقي عن فنان المهجر الرايس ابراهيم بيهتي الذائع الصيت، على حلقات خصصتها له في برنامجي الإذاعي “.

الإذاعة الأمازيغية، يعتبرها المتحدث مدرسة حقيقية حافظت على “تداول اللغة الأمازيغية الراقية ولقَّنتها لأجيال وأجيال من أبناء المغاربة”، مُشيرا إلى أنها احتفلت مؤخرا بالذكرى 80 لتأسيسها، مناسبة لتأكيد “الخدمة العمومية المنوطة بها مؤسساتيا ومهنيا لم تحد عن دعم التنزيل القانوني للمقتضيات الدستورية المتقدمة جدا والتي جاء بها دستور 2011″، يقول المتحدث.

أمينة ابن الشيخ اوكدورت: “العالم الأمازيغي” صحَّحت المغالطات حول الأمازيغ

“بالنسبة لبداياتي في الصحافة فهي كانت نتيجة عوامل منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي”، تقول الصحفية أمينة ابن الشيخ اوكدورت، مُديرة جريدة العالم الأمازيغي، موضحة أن العامل الذاتي ارتبط بمسار التكوين الجامعي بشعبة القانون الخاص بكلية الحقوق، فكانت الاختيارات المهنية محصورة في إمكانيتين؛ إما الوظيفة العمومية أو مزاولة مهنة المحاماة.

لكن الحاسم في الاختيار، تقول ابن الشيخ “ولأني لا أرى نفسي بتاتا في الوظيفة العمومية فلم أبحث أبدا عن وظيفة، لأني كما الآن أريد أن أعيش حرة في الزمان و المكان و المواقف، فاخترت مهنة المحاماة”، لتستدرك “لم  أوَفَّق في مباراة الأهلية رغم أني كنت أقوم بكل مهام المحامي من إجراءات في المحكمة وكتابة مقالات و استقبال الزبناء”.

وبالرغم من ذلك، تحكي ابن الشيخ أنه بفضل ظروف لقائها بزوجها الذي يشتغلُ صحفيا هو الآخر، ومع “انبثاق حركة أمازيغية قوية واكبت آنذاك النقاش حول وثيقة الاعتراف بأمازيغية المغرب، التي حررها الأستاذ محمد شفيق و أمام عدم تطرق المنابر الإعلامية الموجودة آنذاك في الساحة المغربية لهذا الموضوع، ومع توقف أغلب العناوين الصحفية عن الصدور”، قررت التفكير إلى جانب زوجها في “إنشاء شركة إنتاج لإصدار جريدة العالم الأمازيغي وكان ذلك بالضبط أسابيع بعد زواجنا سنة 2000 و أول عدد الجريدة صدر بشهر ماي سنة 2001”.

هذا هو الدافع الموضوعي، بتعبير الصحفية التي كرَّست الجريدة التي عززت المشهد الإعلامي المغربي لخدمة القضية الأمازيغية وتسليط الضوء على الحركة الأمازيغية ومختلف مناضليها، توضح المتحدثة “الجريدة ناطقة بثلاث لغات: الأمازيغية، الفرنسية والعربية، تطبيقا للديمقراطية اللغوية”.

لكن اللغة الأكثر استخداما، كانت اللغة العربية، تقول الصحفية، مرجعة هذا الاختيار أولا لكي “نوصل صوتنا للمسؤولين ولعامة المغاربة الذين لا يقرؤون الأمازيغية، ثانيا لأنه إلى حدود الآن نفتقد للقارئ الأمازيغي نتيجة سياسة إقصاء وتهميش الأمازيغية من التعليم”.

وهنا تُعدِّدُ الصحفية صعوبات الإعلام الأمازيغي، التي تكمن “في هذه السياسة المبنية على احتقار الأمازيغية التي ينتج عنها تلقائيا الخصاص في القراء والكتاب بالأمازيغية وهي من أكبر الصعوبات، كذلك هناك صعوبات مادية لأن اسم جريدتنا العالم الأمازيغي وخطها التحريري يفضحانها، فهي تُحرَم من الإشهار والإعلانات العمومية”.

وفي هذا السياق، تستنكرُ ابن الشيخ حرمان الجريدة من “الإشهار الذي يوزعه بسخاء المجلس الوطني للصحافة على الصحافة الورقية، وترتيب الجريدة في ذيل اللائحة الخاصة بالجرائد المدعمة من الدولة”، وبالرغم من ذلك، فهي تُنوِّه بتجربة الإعلام الأمازيغي المكتوب والسمعي البصري، الذي “لعب دورا مهما أولا في التعريف بقضيتنا، تصحيح الكثير من الأفكار السلبية التي ارتبطت بالأمازيغي، كما حاولنا كسر عقدة الأمازيغية بتصحيح التاريخ عبر فتح ملفات في الجريدة حول مواضيع كثيرة”.

كوثر أزيرار: القناة الثامنة برزت التنوع الأمازيغي لدى المغاربة

تجربة إعلامية أخرى بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعود بداياتها لسنة 2007، تاريخ التحاق كوثر أزيرار بقسم الأخبار بالأمازيغية بالإذاعة الوطنية، ثم بمصلحة الإنتاج الأمازيغي كمُعدَّة ومُقدمة عدة برامج.

ثلاث سنوات بالإذاعة، مكنت الصحفية من الالتحاق بالقناة الأمازيغية، سنة ميلادها في 2010، كانت بذلك من الصحفيات والصحفيين الأوائل الذي بدأوا الاشتغال بالقناة، مُكلَّفة بقسم الأخبار كصحفية ومعدة برنامج إخباري، ولاحقا مقدمة نشرات إخبارية.

تحكي أزيرار عن التحديات التي بصمت مشوارها في الإعلام الأمازيغي “العمل الصحفي بالأمازيغية له خصوصيته التي تتمثل أولا في كونه تجربة فتية وتجربة أولى بالمغرب، خاصة المجال التلفزي، في حين أنه معروف أن الإذاعة الأمازيغية انطلقت في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، كما سبقتها نشرات إخبارية وبعض البرامج القليلة بالأمازيغية في كل من القناة الثانية والقناة الأولى.

التحدي الثاني بالنسبة للصحفية يتعلقُ “بالأمازيغية بروافدها الثلاث، تريفت تمازيغت وتشلحيت، فالصحفي الناطق لأي رافد من الروافد الثلاث يجد نفسه يوجه مادته الإعلامية لشريحة كبرى من المتتبعين الناطقين بالأمازيغية بمختلف روافدها وكان التحدي الأكبر، ولا يزال ولو بنسبة أقل، يتعلق بكيفية تكييف مادته الإعلامية لتصبح مفهومة عند الأمازيغ الناطقين للرافدين الآخرين من الأمازيغية غير الرافد الذي يتحدث به الصحفي”.

وتضيف المتحدثة “كان التوجه في البداية هو استعمال اللغة المعيارية التي تبناها المعهد الملكي  للثقافة الأمازيغية، إلا أنه بمحاولة الصحفي لتوظيف اللغة المعيارية يجد عدة عراقيل أولها عدم توفر تكوينات خاصة في هذا المجال للصحافيين العاملين بالصحافة الأمازيغية ورغم الاجتهادات الفردية لبعض الصحافيين بالاشتغال  وتوظيف المفردات والتعابير المُدرجة ضمن المعيارية إلا أنه يصطدم بردة فعل المشاهد الذي يؤكد على أنه أمازيغي و ناطق بالأمازيغية، غير أنه لا يفهم  الكثير مما يرد على لسان الصحفي الناطق بالأمازيغية”.

وفي هذا السياق، تؤكد الصحفية أن “الصحفيين العاملين في الحقل الأمازيغي عملوا خلال هذه السنوات على تذويب هذا الإشكال من خلال بحثهم في أصول المفردات وأوجه التشابه بين المفردات في لغتهم أو رافدهم الأمازيغي والروافد الأخرى وعبر توظيف لغة سلسة سهلة الفهم، كما أن حب المشاهدين الناطقين بالأمازيغية وتتبعهم المكثف لما يرد على الإعلام الأمازيغي خصوصا القناة الأمازيغية أذاب الكثير من هذه الإشكالات المتعلقة باللغة”.

التحدي الآخر، تضيف أزيرار، مرتبط بالعمل الميداني والتواصل مع أجل استيقاء تصريحات وإعداد حوارات باللغة الأمازيغية وبالخصوص بين شريحة المسؤولين والمثقفين الذين كانوا يتحدثون بها إعلاميا، بالنسبة إليها “هذا الأمر الذي لم يعد واردا بنسبة كبيرة بل بالعكس أصبحنا اليوم نجد العديد من هؤلاء قد نسوا الحديث بلغتهم الأم”.

وبالرغم من ذلك، ترى الصحفية أن وجود الإعلام الأمازيغي ضمن الإعلام السمعي البصري الوطني هو “حقا إضافة نوعية فرضت نفسها من أجل ترسيخ التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب خصوصا بعد دسترة الأمازيغية كلغة رسمية، ساهمت في إبراز التنوع الثقافي واللغوي للأمازيغية والنهوض بالبعد الأمازيغي في الهوية المغربية ككل”.

وهنا تُسجل المتحدثة أن “الإعلام الأمازيغي له نسبة مشاهدة عالية خصوصا فيما يتعلق بالمغاربة الناطقين بالأمازيغية سواء القاطنين في المدن الكبرى والموجودين بالمغرب العميق أو الجالية المغربية بالخارج، الذين يجدون متنفسا لهم قريبا من كينونتهم ومشاغلهم واهتماماتهم اليومية بإيصال المعلومة لهم باللسان الذي يتحدثون به ويفهمونه”.

وأشادت الصحفية بما راكمه الإعلام الأمازيغي من تعبئة وانفتاح على المناطق البعيدة من المغرب و”تسليطه الضوء على الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يعيشها الناس في المناطق النائية، وتأثيرها من أجل تغيير بعض السياسات والعقليات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News