خدمات

الصحراء والموقف الإسباني المنتظر

الصحراء والموقف الإسباني المنتظر

إن التغيير الحاصل في الموقف الإسباني الأخير من قضية الصحراء المغربية لا يمكن بحال من الأحوال أن يعزى فقط. لبعض الأحداث التي حصلت في الآونة الأخيرة، بل هو نتاج مسار طويل ساهمت فيه عوامل التاريخ والجغرافيا وأفرزت حقبا تاريخية اتسمت في عمومها بعدم استقرار العلاقات بين البلدين. فكان لكل حقبة مظاهرها وخصوصياتها وكان لا بد من تصحيح هذه المرحلة التي ابتدأت بإبرام البلدين معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون سنة 1991 والتي لم تعكس البتة تسميتها بقدر ما كانت فترة مخاض كاد البلدان فيها أن يدخلا صراعا مسلحا إبان أحداث جزيرة ليلى سنة 2003.

والجدير بالذكر أن بوادر الموقف الإسباني الحالي بدأت تنسج غداة أزمة جزيرة ليلى سنة 2003 حيث تكونت لدى الجانب الأوروبي قناعة بأن (الجمعية الأورومتوسطية) و (السياسة الخارجية والأمن الموحد للاتحاد الأوروبي). PESC. لا يمكنهما الحيلولة دون تفادي أو مواجهة صراع حقيقي قد يندلع في المنطقة، وحدها الولايات المتحدة التي نجحت في. رأب الصدع وإعادة الأمور إلى طبيعتها بالرغم من وجود معاهدة الصداقة و حسن الجوار المذكورة. أي أن هيئات الحماية الأوروبية وحدها عاجزة عن تأمين الاستقرار في مضيق جبل طارق مع ما يمثله من أهميته استراتيجية في مراقبة الحدود الخارجية لأوروبا والتي هي في نفس الوقت الحدود الإسبانية والحدود الجنوبية للحلف الأطلسي من جهة ومن جهة أخرى في كونه يجمع بين المغرب وإسبانيا واللتين تختلفان ثقافيا واجتماعيا وهي حقيقة نصت عليها معاهدة الصداقة المذكورة.

لقد جرت مياه كثيرة تحت جسور العلاقات المغربية الإسبانية منذ أحداث جزيرة ليلى انكب فيها المغرب على تعزيز بنيته التحتية والتي كانت مظاهرها جلية للعيان وعلى رأسها ميناء طنجة. المتوسط و شبكة الطرقات و غيرهما فيما بقيت العلاقات بين البلدين كسابق عهدها تتراوح بين التصعيد و الانفراج محافظة على استمراريتها مكرهة تحت ضغط المصالح التي فرضها التاريخ والجغرافية و التي – أي المصالح – لم تستطع الصمود أمام الخطأ الفادح الذي ارتكبته الديبلوماسية الإسبانية باستقبال رئيس الجمهورية الوهمية وهو الحدث الذي لم يكن في الحقيقة سوى تلك القشة التي قصمت ظهر البعير و فرصة للمغرب لم يشأ إهدارها ومبرر لكي يعلن صراحة ما ينتظره من الجارة الشمالية: يريد منها موقفا واضحا من قضيته المصيرية و علاقات مبنية على الصدق. والثقة المتبادلة.

فكان للمغرب ما أراده من إسبانيا في عز الحرب الروسية الأوكرانية التي عجلت بالموقف الإسباني ومن ورائه – وعما قريب – الموقف الأوروبي بكامله بعد ان باركت بروكسيل الخطوة الإسبانية. ذلك أن أوروبا لا تستحمل مواجهة منطقتين مشتعلتين إحداها في شرقها والثانية – لا قدر الله – في جنوبها أمام تحرشات الجزائر وأذنابها. وأعتقد أن إسبانيا لم تهمل التقرير الأخير للمعهد الملكي الإسباني إلكانو “إسبانيا والعالم سنة 2022. آفاق وتحديات” والذي حذر فيه الباحثون بالمعهد المذكور think-tank’ español. من أن “خطر التصعيد بين الجزائر والمغرب أمر حقيقي. بعد أن قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في غشت الأخير. ولا ينبغي استبعاد مواجهة مسلحة مباشرة أو بمشاركة جبهة البوليساريو مما قد يؤدي إلى إشعال النار في شمال إفريقيا وزعزعة الاستقرار في البحر المتوسط ​​والساحل. و أن إسبانيا مطالبة في هذه الحالة إلى البحث عن طرق لخفض التصعيد لتجنب الأسوء مع إنشاء قنوات للحوار، و إذا لم يؤد هذا المسعى إلى نتائج وكان من شأن الصراع تعريض المصالح الوطنية للخطر، فيجب على الحكومة الإسبانية إداك اتخاذ تدابير أكثر حزما وحازمة، وستكون تلك التدابير ذات أثر كلما حصلت على دعم سياسي واجتماعي أكبر وكلما كان التنسيق متينا على المستوى الأوروبي”، دون توضيح لنوعية الإجراءات الواجب اتخاذها.

لقد اتخذت اسبانيا القرار الشجاع والحكيم والحازم واستمعت لنبض حكمائها مع حلفائها الأوروبيين واختارت مصلحتها وهو اختيار عادل بعد أن انهارت التوازنات التي كانت تسمح لها بالحفاظ على موقفها التقليدي مع الزلزال الجيوسياسي الناجم عن الحرب الروسية الأوكرانية وخطر الحروب الأوروبية التي تلوح في الأفق على القارة بأكملها مع انعكاساتها على جنوبي البحر الأبيض المتوسط.

-باحث و محامي، مهتم بالعلاقات المغربية الإسبانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News