نهاية حزينة لقصة ريان.. فصول عملية إنقاذ طفل حبست الأنفاس وشدّت الأنظار

الساعة تشير إلى السابعة مساء من يوم السبت، والمكان قرية أغران، التابعة لإقليم شفشاون شمالي المملكة، والحدث إخراج الطفل ريان أورام، العالق ببئر على عمق 32 مترا منذ زوال يوم الثلاثاء فاتح فبراير الجاري.
على طول الطريق المؤدي إلى باب النفق، الذي أحدثه رجال الإنقاذ بعد عمليات حفر امتدت على مدى خمسة أيام، تصطف قوات الأمن على الجانبين، من أجل تطويق الممر من الحفرة إلى سيارة الإسعاف، وتفادي وصول أي من الحشود المتجمهرة إليه.
تمضي الدقائق وكأنها سنوات، والجميع ينتظر ويترقب أي تحرك أمام فجوة النفق، بينما تصدح آلاف الحناجر بالدعاء والتكبير وتهتف متشبثة بأمل بقائه على قيد الحياة، بينما وجه الصحافيون عدساتهم لعلها تؤثق فرحة ونهاية سعيدة لقصة أرقت شعبا كاملا وحركت قلوب الملايين.
بعد ساعتين ونصف جاء الفرج،أخيرا، ريان يخرج من بطن الأرض المظلم إلى نور الحياة من جديد، وفي مشهد مهيب ووسط تصفيقات وهتافات الحشود الحاضرة، حمله المسعفون ونقلوه بسرعة إلى سيارة الإسعاف التي غادرت المكان.
ارتفعت الأهازيج وعمت الفرحة وملأت البهجة قلوب آلاف الحاضرين، ومعهم ملايين المغاربة الذي يتابعون أحداث هذه الفاجعة لحظة بلحظة، لكن سرعان ما ساد الهدوء، إذ لا أحد يعلم شيئا عن الحالة الصحية للطفل، وإن كان ما يزال على قيد الحياة.
وفي خضم الترقب الشديد، جاء الخبر كالصاعقة، الطفل ريان خرج من البئر، بيد أنه كان ميتا مع الأسف، حيث أعلن بلاغ الديوان الملكي عن وفاته رسميا، ليخلف هذا الخبر حزنا وصدمة وخيبة أمل في نفوس كل من شدته قصة الطفل ريان وتابع تفاصيلها.
جريدة مدار21 تسرد لكم فصول عملية محاولة إنقاذ الطفل ريان التي حبست الأنفاس وشدّت الأنظار بالعالم.
اختفاء ريان فجأة
ابتدأت فصول هذه الفاجعة ومآسيها المؤلمة حين لاحظ والدا ريان اختفاء ابنهما الصغير البالغ من العمر 5 سنوات يوم الثلاثاء على الساعة الثالثة بعد الزوال، ليشرعا في البحث عنه دون نتيجة، حتى تبادرت إلى ذهنهما شكوك سقوطه في البئر.
هذه الشكوك جعلت من الأب يستنجد بسكان قرية أغران بمركز تمروت، التابعة لإقليم شفشاون شمالي المغرب، من أجل البحث عن فلذة كبده ومحاولة إيجاده في مكان ما بالقرية، غير أنهم لم يجدوه، مع الأسف، إلا في ثقب مائي (صوندا) على عمق 32 مترا، إذ إنهم اكتشفوا ذلك عن طريق كاميرا الهاتف، الذي ربطوه بالحبل وأنزلوه إلى قعر البئر حيث يظهر الصغير عالقا هناك.
وفور وقوع ذلك، اتصل والد ريان بالسلطات المحلية للتدخل وإنقاذ الطفل من خلال تسخير جميع الآليات المتاحة والحلول الممكنة، إذ إنها حضرت بعين المكان في تمام الساعة الخامسة من اليوم ذاته؛ أي الثلاثاء.
مطلب واحد.. “أنقذوا ريان”
بعد أن قضى الصغير ريان 24 ساعة في البئر دون أن تنجح السلطات المحلية في إخراجه، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفاجعته، حيث أطلق النشطاء المغاربة نداءات الاستغاثة من أجل إنقاذ هذا الطفل، خصوصا أنه كان ما يزال على قيد الحياة.
وتداول النشطاء على موقعي “الفايسبوك” و”تويتر” وسم “أنقذوا_ريان” مرفوقا بصور ومقاطع مصورة للطفل الصغير ريان، البالغ من العمر 5 سنوات، والذي سقط أول يوم الثلاثاء فاتح فبراير الجاري، مطالبين بالتدخل العاجل لإخراجه من تلك الحفرة.
وتجاوزت قضية ريان الحدود، إذ أثارت قصته تعاطف الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب وكذا مختلف الدول العربية، ودشنوا حملات للمطالبة بسرعة إنقاذه.
اليوم الثاني بالبئر
مشهد يحبس الأنفاس وتقشعر له الأبدان، ذاك ما وثقته عدسة كاميرا نصبتها السلطات المحلية عن طريق حبل في قعر البئر، حيث يظهر الصغير ريان مستلقيا يقاوم الجوع والعطش ونقص الأوكسجين، بالإضافة إلى ظهور إصابات في رأسه، الذي تغطيه بعض الأتربة.
هذا المقطع تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وأدى إلى تحويل مأساة الطفل إلى قضية رأي عام، حيث بدأ الملايين في متابعة تفاصيلها، مطالبين السلطات بتوفير الدعم الكافي لإنقاذ ريان.
ظل ريان، بجسده النحيل، متشبثا بالحياة دون أن يأكل أو يشرب لليوم الثاني على التوالي، أي الأربعاء، بعيدا عن حضن أمه الدافئ، بينما تقوم عناصر من فرقة الإنقاذ بتزويده بالأوكسجين بشكل دوري عن طريق أنابيب خاصة، وذلك لتفادي اختناقه.
وكانت في اليوم ذاته وصلت عناصر الوقاية المدنية والسلطات المحلية والدرك الملكي، بمؤازرة عشرات من شباب المنطقة، من أجل تقديم المساعدة والتفكير في سبل إنهاء محنته.
شباب متطوع لبى النّداء
أمام سيل من الدعوات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، التي تطالب بالإسراع إلى إنقاذ طفل لم يتجاوز بعد ربيعه الخامس، يقبع بقعر بئر لـ43 ساعة هزت صوره ومقاطع الفيدو قلوب العالم.
لبى العديد من الشبان النداء، وهرولوا إلى مكان الحادث، ومنهم من قطع عشرات الكيلومترات قادمين من مدن مختلفة، لكن تجمعهم غاية واحدة وهدف واحد؛ التطوع والتوغل لـ32 مترا عبر فجوة البئر، التي لا تتعدى 30 سنتيمترا، للوصول إلى الطفل ريان وانتشاله ووضع حد لمأساته.
حاول بعضهم النزول إلى أسفل البئر، وكان أبرز المتطوعين شاب اسمه عماد فهمي، نحيل الجسد، وهو عضو جمعية الاستغوار بمدينة شفشاون، حيث إنه تمكن في مناسبتين، ليلة الأربعاء، من النزول إلى البئر، لكن ضيقها حال دون تحقيق الهدف، فالحفرة تضيق كلما اقترب من الوصول إلى الطفل، إذ لا تتجاوز فتحة البئر 20 سنتيما عند بلوغه 28 مترا.
لكن الشاب عماد صرح عقب محاولته بأنه سمع أنين الطفل ريان، مشيرا إلى أنه ما يزال على قيد الحياة، وهو الأمر الذي بعث الأمل والتفاؤل في نفوس عائلته وباقي المتتبعين.
وتواصلت محاولات الشباب المتطوع إلى حدود الساعات الأولى من يوم الخميس، إذ كان آخرها لشاب، جاء من مدينة تيفلت، التي تقع بنواحي الرباط، يحترف الغطس وتسلق الجبال، تجهز بالمعدات اللازمة ونزل برأسه إلى الأسفل، بينما الكل يتمتم بالدعاء أمام مشهد يحبس الأنفاس.
الشاب حاول، هو الآخر، في مناسبتين باءتا بالفشل بسبب ضيق الحفرة، التي سقط فيها الطفل الصغير، كلما اقترب من الأسفل، حيث يصعب التنفس، ليدب الإحباط كل من يتابع الحدث، بعدما منعت السلطات أي محاولة أخرى للنزول، معلنة أن الحل الوحيد لإخراج الطفل يكمن في الحفر بالموازاة مع البئر.
الحكومة تتحرك
فاجعة ريان استنفرت الحكومة، حيث إنها أعدت ثلاثة سيناريوهات تسعى إلى إنقاذ الطفل الصغير، الذي علق بجوف الأرض لما يزيد عن 48 ساعة، وهو ما يشكل خطرا على حياته.
وفي يوم الخميس، أعلن مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن هذه الأخيرة ناقشت خلال اجتماعها الأسبوعي، موضوع حادثة سقوط الطفل ريان في بئر بنواحي مدينة شفشاون، واستمعت إلى مداخلة لوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، وتفاعل الوزراء مع هذا الموضوع الذي آلمنا جميعا، لاسيما أن الأمر يتعلق بطفل صغير يبلغ 5 سنوات من العمر.
وسجّل بايتاس، في جوابه على أسئلة الصحافيين، ضمن الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد مجلس الحكومة، أن “الحكومة منذ أن علمت بهذه الحادثة، تجندت بقوة وعبّأت كافة الوسائل الممكنة من أجل إنقاذ الطفل، الذي سقط في ثقب مائي عرضه لا يتجاوز عرضه 45 سنتمترا، مشيرا إلى أن الجهود متواصلة من طرف لجن الإنقاذ المحلية للوصول إلى الطفل، حيث اقترب جهود لجن الإنقاذ من الوصول إلى الطفل.
وأضاف الوزير، أن هذا الموضوع “مأساوي على المستوى النفسي، ونحن نضع أنفسنا في موضع أسرته، التي تتنظر عودته لأحضانها”، مشددا على توفير مواكبة طبية متخصصة بعد الوصول إليه، مردفا “قلوبنا مع عائلة الطفل، ونتمنى من الله متضرعين مخلصين أن تنتهي هذه الأزمة و أن يعود الطفل إلى عائلته”.
وقال الناطق باسم الحكومة، إنه تم وضع عدة سيناريوهات من أجل إنقاذ الطفل ريان، من ضمنها، توسيع قطر الثقب المائي، أو الحفر بشكل موازي، أو الاستعانة ببعض المتطوعين من أجل الوصول إليه، غير أن كل هذه المحاولات باءت مع الأسف بالفشل، نظرا لوجود مشاكل تتعلق أساسا باحتمال انهيار التربية مما يهدد حياة الطفل.
ورفض الوزير اتهام الحكومة بالافتقاد للخبرة والآليات من أجل إنقاد الطفل ريان، وأوضح أن الحكومة لا تجد مانعا في طلب المساعدة الخارجية عندما يتعلق الأمر بقضايا ترتبط بحياة المواطنين، لافتا إلى مجموعة من الصعوبات والإكراهات التي عطلت من جهود الوصول إلى إنقاذ الطفل ريان.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن ليس هناك مشكل فيما يتعلق بالآليات والخبرة، بالنظر إلى أن المملكة تتوفر على القدرة والامكانيات والحس والتجربة، من أجل التدخل لإنقاذ حياة الطفل وهو ما تقوم به لجن الإنقاذ تحت إشراف السلطات العمومية، مسجلا أن لجن الإنقاذ واصلت الليل بالنهار من أجل الوصول إلى الطفل ريان، ما تزال جهودها متواصلة لانقاذه.
واعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن توافد عدد كبير من المواطنين إلى مكان حادث سقوط الطفل ريان، يصعب من مهام لجن الإنقاذ التي واصلت الليل بالنهار، من أجل الوصول إلى الطفل، داعيا في المقابل المواطنين الى فسح المجال أمام لجن الانقاذ للقيام بعملهم.
وناشد بايتاس، المواطنين من أجل مساعدة لجن الانقاذ لكي تشتغل في ظروف تمكنها من النجاح في انقاذ الطفل، وقال بأن كثافة المواطنين، صعبت من مأمورية لجان الانقاذ التي تشتغل في وضعية صعبة، مضيفا “أناشد المواطنين ترك اللجان تشتغل لننجح جميعا في انقاذ الطفل”، وأشار إلى أنه تم تسخير كل الامكانيات الطبية من أجل مواكبة الطفل في حال تم انقاذه في غضون الساعات المقبلة.
وفي إطار جهود الإنقاذ أيضا، حلت مروحية طبية صباح اليوم ذاته، بجماعة تامورت بإقليم شفشاون، لنقل الطفل ريان على وجه السرعة بعد إخراجه.
الحفر.. السبيل الوحيد لنجاة ريان
بالموازاة مع الجهود التي يبذلها المتطوعون المغامرون بحياتهم في سبيل انتشال الطفل ريان، شرع رجال الإنقاذ، بمحاذاة الحفرة التي سقط بها الطفل، في الحفر العمودي لخندق بعمق 32 مترا بالاعتماد على معدات وآليات الحفر العملاقة، وهم يسارعون الزمن وأطنانا من الأتربة.
بعدما باءت جميع محاولات فرق الإنقاذ بالفشل، استسلمت للأمر الواقع، ولم يتبق سوى الحفر طريقا للوصول إلى ريان، العالق ببئر لـ72 ساعة، حيث إنها ركزت على عمليات الحفر مستعينة بـ6 جرافات كبيرة، تشتغل ليلا ونهارا، يقودها سائقون لا يتوقفون إلا إذا اصطدموا بخطر انجراف صخري، قد يبعثر أوراق عناصر الإنقاذ خوفا من فقدان الطفل تحت الأنقاض.
لا صوت يعلو بالمكان فوق هدير الجرافات، بينما الجميع يترقب في لحظات تمر كالسنوات على الطفل ريان الوحيد في حفرة مظلمة، وعائلته التي تتوق يغمرها الأمل مع كل متر تبلغه عمليات الحفر المضنية، في حين احتشدت الكاميرات لمتابعة الحدث من كثب ونقله على المباشر إلى الملايين لحظة بلحظة.
بحلول الجمعة، بلغت عملية الحفر العمودي مراحلها الأخيرة، والتي مرت بثبات وحذر شديدين لتفادي أي انجراف للتربة قد يعيق عملية الإنقاذ، وذلك تحت إشراف خبراء ومهندسي المسح الطوبوغرافي وتقنيين ومتخصصي الوقاية المدنية، حيث وصلت إلى عمق 30 مترا ولم تتبق إلا مسافة قليلة آنذاك.
وبعد ساعات طويلة من العمل الدؤوب، انتهت الجرافات من عملية الحفر العمودي، بعد أن وصلت إلى عمق 32 مترا، لتتم الاستعانة بفرق خاصة من أجل الحفر الأفقي، التي ستمتد على طول 7 أمتار، للوصول إلى الطفل ريان وإنقاذه وسط ترقب حشود حجت إلى عين المكان.
عمي علي الصحراوي.. مهندس “فجوة الأمل”
اللحظات الأخيرة من عمليات الحفر اقتربت، والرهان الأكبر الوصول إلى الطفل ريان، العالق بالحفرة منذ ثلاثة أيام، والمسافة التي تفصله عن فرق الإنقاذ هي سبعة أمتار فقد، في ظل غياب أي معطيات رسمية حول وضعه الصحي.
هذه المرحلة كانت تحتاج إلى خبير في الحفر اليدوي وله تجربة كبيرة في هذا المجال نظر لحساسية العملية وكذا طبيعة التربة بالمنطقة، فكانت المهمة من نصيب شخص يدعى علي الجاجاوي، المتمرس في حفر الآبار.
تقدم هذا الرجل الستيني، الملقب بـ”الصحراوي” نسبة إلى أصوله الصحراوية، وقاد فريق الحفر اليدوي في آخر عملية لإنقاذ الطفل ريان وأعقدها، والتي دامت لمدة 20 ساعة دون توقف، بالاستعانة بأدوات تقليدية بعدما تعذر إكمال مهمة الحفر بواسطة الآليات الثقيلة.
وقضى عمي علي الصحراوي ليلا كاملا، رفقة فريقه، في شق النفق الأفقي اتجاه الموقع حيث سقط الطفل، متشبثا بالأمل ومتحديا كل الظروف بدون كلل أو ملل، من أجل إنقاذ ريان الصغير، حيث استعانوا بأنابيب اسمنتية ضخمة وصهريج فلاذي من أجل حماية عناصر فرقة الإنقاذ من أي انجراف محتمل للتربة.
وبعد جهود متواصلة ومنهكة، غادرت فرق الحفر اليدوي، بقيادة علي الصحراوي، النفق المتجه نحو موقع وجود الطفل ريان، رافعا شارة النصر والابتسامة تكسو محياه وسط تصفيقات المواطنين وتكبيراتهم، لتترك المجال لرجال من الوقاية المدنية للدخول إلى النفق، حاملين التجهيزات الطبية والمعدات الضرورية في مثل هذه الحالات، لإخراج الطفل ريان من الحفرة.
اهتمام إعلامي كبير وتضامن منقطع النظير
منذ الساعات الأولى لتفجر خبر سقوط الطفل في بئر عميقة بضواحي شفشاون، حظيت هذه الفاجعة المؤلمة بتغطية إعلامية واسعة، حيث إن قضية ريان تصدرت عناوين نشرات الأخبار وأخذت حيزا كبيرا في غرف الأخبار لكبريات المؤسسات الإعلامية العربية والغربية، إلى جانب صحف عالمية نقلت قصته.
وتفاعلت وسائل الإعلام العربية والدولية مع الحدث الذي اكتسى بعدا دوليا، من خلال مواكبتها الحية وتغطياتها الكبيرة لتفاصيل عملية إنقاذ الطفل ريان لحظة بلحظة، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور.
هذا الزخم الإعلامي الذي رافق هذه الفاجعة، جعل الطفل ريان يوحد شعوب العالم، إذ انشغل بقضيته رؤساء دول ونجوم الفن والرياضة ومشاهير في ميادين عدة، معربين عن تعاطفهم معه من خلال مشاركة صوره مصحوبة بكلمات تختلط فيها الدعوات مع الحزن والدموع والحسرة.
ولاقت حادثة الطفل ريان أيضا تضامنا واسعا داخل المغرب وخارجه، حيث عبر النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع الطفل ريان وأسرته في هذه المحنة الصعبة، مطالبين بتظافر الجهود من أجل إنقاذه إعادته إلى حضن والديه.
ترقب وانتظار.. قلب واحد
عقب انتهاء عمليات الحفر دخل المسعفون إلى النفق، بدا الترقب والانتظار يسود المكان، وأنظار المتجمهرين حول مكان الحادث تتجه نحو باب النفق، الذي استغرق حفره ساعات طويلة وجهود حثيثة، بينما ملايين المغاربة، والعالم، يتابعون شاشات التلفاز، وبعضهم منغمس في هاتفه الذكي، وكلهم يتابعون مباشرة اللحظات الأخيرة لعملية إخراج الطفل ريان من الحفرة التي قبع فيها لخمسة أيام.
حل مساء السبت، وجاءت معه اللحظة التي انتظرها الجميع، حيث إنه لا حديث، خلال الأيام الماضية، في البيوت والشوارع والمحلات والمقاهي، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي، سوى عن هذه الفاجعة التي جذبت الصغار والكبار، آملين أن ينتهي هذا الكابوس، الذي حرمهم من النوم وشدّ أعصابهم.
في عين المكان، تستقر الطائرة المروحية وحضرت أيضا سيارات إسعاف ثلاث، وهن على أهبة الاستعداد لنقل الطفل ريان فور إخراجه، وواحدة منهن كانت تقل والدي ريان تهميدا لاستقباله.
وطوقت قوات الأمن مدخل مكان الحفر، تحسبا للحظة انتشال الطفل ريان، في حين يترقب المواطنون الحاضرون هناك خروجه على أحر من الجمر، وكلهم آمال أن يكون على قيد الحياة، وأن يظل هذا الملاك الصغير صامدا كل هذه الأيام دون أن تطأ كسرة خبز فمه ونقطة ماء حنجرته.
كان والدا ريان متسمرين أمام فجوة النفق، منتظرين خروج فلذة كبدهم، في المقابل، ظل الجميع هناك يهتف ويدعو الله تعالى أن يخرج الصغير سالما معافى، وأن تتكلل جهود فرق الإنقاذ بالنجاح.
بعد لحظات، وفي غفلة من الجميع، خرج المسعفون وهم يحملون الطفل في نقالة المصابين، متجهين به مباشرة إلى سيارة الإسعاف على وجه السرعة، وتزامنا مع ذلك، علت الأصوات منتشية بتحقيق نصر طال انتظاره، لكن فرحة خروجه، والتهافت في توثيق اللحظة، غشي الأبصار، وتناسى الجميع هل الطفل ريان ما يزال على قيد الحياة كل هذه الأيام.
الأرض “تلفظ” ريان أخيراً.. لكن ميتا!
لم تدم فرحة المغاربة، ومعهم الملايين بالعالم، بخبر خروج الطفل ريان، من الحفرة، التي علق بها لخمسة أيام كاملة، إلا دقائق معدودات، إذ عقب مغادرة سيارة الإسعاف وداخلها ريان، أعلن بلاغ الديوان الملكي مباشرة عن وفاة الطفل ريان إثر الحادث المفجع.
وأجرى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، اتصالا هاتفيا مع السيد خالد اورام، والسيدة وسيمة خرشيش والدي الفقيد، الذي وافته المنية، بعد سقوطه في بئر.
من جانبها، وأوضحت وكالة المغرب العربي للأنباء، في قصاصة إخبارية، أن فرق البحث والإنقاذ تمكنت من الوصول إلى “جثة الطفل” ريان وإخراجها من ثقب مائي يبلغ عمقه 32 مترا بفضل عمل ميداني شاق ومضني وبدون انقطاع ولا توقف دام طيلة خمسة أيام، حيث تم نقلها على متن سيارة خاصة، ثم عبر مروحية طبية تابعة للدرك الملكي.
وخيم الحزن وخيبة الأمل على قلوب المغاربة والمتابعين بالعالم، بسبب هذه النهاية الحزينة لفاجعة الطفل ريان، التي حبست الأنفاس، ولم تكلل مجهودات فرق الإنقاذ، التي نسفت جبلا كاملا، من أجل الوصول إليه وإنقاذه، لكن قدر الله وما شاء فعل.
وفاة الشهيد ريان.. مأساة أبكت العالم
فور الإعلان الرسمي عن وفاة الطفل ريان، ذي الـ5 سنوات، بعدما ابتلعه ثقب مائي وعلق في جوف الأرض لخمسة أيام، ولم يخرج منه إلا بعد أن لفظ أنفاسه، يكون المغاربة، والعالم بأسره، قد ودعوا الطفل ريان، وخلف في قلوبهم غصة وجرحا غائرا لن يندمل.
ووسط فرحة لم تكتمل، خرج ريان من بطن الأرض، بعد عملية شبيهة بالقيصرية، جثة هامدة، لكن قصته ستبقى في الأذهان، وفاجعته درس لكل إنسان، وستبقى أيضا ذكرى توحدت فيها الأطياف، ودعت وتوسلت بقلب واحد النجاة لريان.
وسيطر الحزن والآسى الشديدين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت صور الطفل ريان، بعد إعلان نبأ رحيله إلى دار البقاء، إذ نعته العديد من الشخصيات المغربية والعربية بكلمات مؤثرة.
وأبكت قصة الطفل المغربي العالم، حيث إنها وحدت الجميع، وأحيت مجموعة من المشاعر الإنسانية كالتضامن والتعاطف بين الشعوب وقت المحن.