سياسة

علي كريمي: الضغط الحقوقي على المغرب بدأ منذ 1906 

علي كريمي: الضغط الحقوقي على المغرب بدأ منذ 1906 

قدم أستاذ القانون بكلية الحقوق بالبيضاء والخبير بالعلاقات الدولية، علي كريمي،  قراءة نقدية شيّقة في دبلوماسية حقوق الإنسان بالمغرب على مدار قرن من الزمن، تتبع فيها السياقات الدولية التي تشكلت معالم سياسة البلاد الخارجية في كنفها، أحيانا باعتماد “أجوبة ديمقراطية صريحة” وأحيانا بتوسيع “هامش ديمقراطي” ظل عرضة للمد والجزر.

وأمام حضور يوم دراسي بكلية الحقوق السويسي بالرباط نظم حول “دبلوماسية حقوق الإنسان في المغرب: أي تحديات؟” الأربعاء الماضي، قال كريمي إن مسألة الضغط على المغرب بشأن قضايا حقوق الإنسان ليست وليدة اللحظة، بل تعود لبداية القرن العشرين.

احتجاج على قطع الرؤوس

“ولعل أول ضغط على المغرب كان في 1906، مباشرة وموازاة مع مؤتمر الجزيرة الخضراء إذ أن التمثيليات الأوربية في طنجة راسلت حينها دار النيابة السعيدة (المخزن) مطالبة إياها بأن يحترم المغرب حقوق الإنسان، وبشكل خاص أن يتوقف عن الممارسات الشائنة المتعلقة بقطع رؤوس العصاة وتعليقها على أسوار المدن”، يقول كريمي.

لكن بأي حق سمحت هذه التمثيليات لنفسها بمراسلة المملكة بشأن وضعها الحقوقي؟ يتعلق الأمر “بمبدإ التدخل دفاعا عن الإنسانية والذي سيظهر بعد الحروب الدينية بأوربا في القرن التاسع عشر وسيعرف تطورات عديدة قبل أن يترسخ بأوراق الأمم المتحدة بما بات يعرف بـ”حق التدخل الإنساني”، و”سيُسلَّط على رقاب الدول الضعيفة بشكل رهيب، فقد تم توظيفه في المناطق الخاضعة لحكم الباب العالي (الإمبراطورية العثمانية) و(وفي زمن حديث نسبيا) في الصومال والبوسنة والهرسك والعراق وغيرها”.

جواب ديمقراطي صريح

النخبة الفكرية والسياسية المغربية ستهتدي في أوائل القرن الماضي إلى جواب ديمقراطي في التصدي لتوظيف هذا المبدإ من قبل القوى الأجنبية التي كانت ترسم خريطة مستعمراتها، يواصل الأستاذ راسما ملامح معركة مغرب الأمس مع الضغوط القادمة من وراء البحار.

ستتمكن هذه النخبة، حسب كريمي، من “تجاوز السلطة المركزية بوضع مشروع دستور 1908 الذي نشرته جريدة ‘لسان المغرب’، وهو المشروع الذي أجاب عن الدعوة لمنع التعذيب بالتنصيص في صلب نصه على منع التعذيب وتعليق رؤوس العصاة”، و”هو الجواب الديمقراطي الحقيقي”، يعلّق الأستاذ.

ستلي هذه اللحظة لحظات أخرى هامة في تاريخ دبلوماسية حقوق الإنسان بالمملكة، سيركز الخبير بالعلاقات الدولية منها على تلك التي ستلي مؤتمر منظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي تأسست بهلسينكي عام 1975.

ف”هذا التاريخ مرجعي وأساسي في فهم النظرة الدبلوماسية المغربية لحقوق الإنسان، لأن هذا المؤتمر ربط المساعدات الاقتصادية باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان”.

إصلاحات بعمق سنوات الرصاص

المغرب سيلتقط الإشارات السياسية لهذا الحدث ليـ”رسم هامشا ديمقراطيا ويطلق بعض المبادرات في مجال الحريات”، غير أننا سنبقى أمام “هامش ديمقراطي مضبوط وموزون”. عاما بعد هذا التاريخ  سيصل الديمقراطيون للحكم في الولايات المتحدة بقيادة الرئيس جيمي كارتر، وستعرف ولايته تشكيل مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية الأمريكية وتوسيع مهامه الاستشارية إلى جانب الرئيس.

سيمثل وصول الديمقراطيين للبيت الأبيض متغيرا آخر إذن سيفرض على المغرب إطلاق إصلاحات أخرى وإن “كنا في عمق سنوات الرصاص” ستفرض على المغرب جعل قضايا حقوق الإنسان مسألة ذات أولوية.

وسيشهد عقد الثمانينات من القرن الماضي ردة حقوقية عنيفة من محطاتها أحداث 1981 (عرفتها الدار البيضاء عرفت أحيانا بشهداء الكوميرا) و1984 (عمت عدة مدن وحرّكتها أيضا الأزمة الاقتصادية) والتي ستقابلها ضغوطات خارجية “شرسة” على المغرب بشكل أساس من فرنسا.

الحسن الثاني وغسل وجه المغرب الحقوقي

تراكم الضغوطات مع تراكم الأخطاء الحقوقية للمملكة سيدفع باتجاه إطلاق إصلاحات جديدة في قلبها تأسيس مجلس استشاري لحقوق الإنسان عام 1990، وهو المجلس الذي سيحدد الحسن الثاني مهمة أعضائه، كما يتذكر الأستاذ علي كريمي، بـ”غسل وجه المغرب الحقوقي”، لأنه “لكل سبب تأتى منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة وكأننا لازلنا تحت الحماية” يقول الملك الراحل في خطاب بمناسبة تأسيس المجلس في 8 ماي 1990.

بدءا من هذه اللحظة، سيبدأ المغرب ما يسميه كريمي برسم “الهامش الديمقراطي الثاني”، حيث سيلي تأسيس المجلس اعتماد دستور جديد عام 1992 سينص على أن المغرب يعترف بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و”هو الإلزام الدستوري الذي سيعجل بمصادقة المغرب على سلسلة من الاتفاقيات الدولية بمجال حقوق الإنسان، كما ستعرف أوائل التسعينات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وستتواصل موجة الإصلاحات إلى غاية مجيء حكومة التناوب والتي وسعت من الهامش الديمقراطي”.

مطلع الألفية الجديدة سيشكل أيضا محطة هامة في جهود المغرب لـ”غسل وجه البلاد الحقوقي” بل يمكن اعتباره “البداية الفعلية” لهذه المهمة، حسب الخبير السياسي، خاصة مع  تأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة وجلسات الاستماع والبوح الجماعي والتعديلات المدخلة على القانون الجنائي ومدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة و”هي كلها جهود استفادت منها الدبلوماسية المغربية بشكل قوي وجعلت المغرب يكتسب صورة إيجابية كبلد يحترم حقوق الإنسان”.

فهل حصل تطور في حقوق الإنسان بالمغرب يخدم دبلوماسية البلاد بعد كل هذه المحطات؟ “نعم”، يجيب علي كريمي، موجها كلامه لجمهور اليوم الدراسي “‘(تطورٌ) لن تدركه  بعض الوجوه هنا، لكن الذين هم في سني والذين مروا وعاشوا لحظات سنوات الرصاص، هؤلاء يمكن أن يفهموا ويدركوا أن هناك تطور في مجال حقوق الإنسان وعلى الدبلوماسية المغربية استثماره للدفع بالمغرب الحقوقي إلى الأمام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News