المشاركة النسائية بالمغرب.. حضور عددي محتشم بلا تأثير سياسي

رغم التنصيص الدستوري على مبدأ المناصفة وتعزيز تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة، ما تزال مشاركة المرأة في الحياة السياسية بالمغرب تواجه تحديات بنيوية وثقافية تُعيق تفعيل هذا المبدأ على أرض الواقع، إذ تتصاعد الأصوات الحقوقية المنتقدة لهذا الحضور المحدود، معتبرة أن الآليات المعتمدة، وعلى رأسها نظام “الكوطا”، لم تُفضِ بعد إلى تمثيلية نسائية ذات تأثير فعلي داخل المؤسسة التشريعي.
ويرى العديد من الفاعلين في المجال الحقوقي والسياسي أن غياب آليات قانونية واضحة وملزمة لتفعيل المناصفة داخل المؤسسات التمثيلية، يبقي مشاركة النساء مرهونة بإرادة الأحزاب، التي ما تزال تخضع في اختياراتها لمنطق الزبونيةوالقرابة، بدل الاعتماد على الكفاءة والجدارة.
وتكرس هذه الاختلالات، بحسب متابعين، شعورا متزايدا بالاغتراب السياسي لدى فئة الشباب، الذين يفقدون الثقة تدريجيا في جدوى الانخراط الحزبي، أمام استمرار هيمنة النخب التقليدية، وغياب آفاق حقيقية للتغيير من داخل المؤسسات الحزبية.
ورغم الانتقادات التي تُوجه لنظام “الكوطا”، إلا أن فاعلات نسويات يعتبرنه أداة ضرورية في المرحلة الراهنة لضمان حد أدنى من التمثيلية، إلى حين تهيئة شروط سياسية وتشريعية تُفضي إلى تحقيق المناصفة الفعلية، في أفق إعادة هيكلة الحقل الحزبي وتعزيز المشاركة النسائية على أساس المساواة والكفاءة.
وفي ظل هذا الوضع، تتعالى الدعوات من أجل تعديل شامل للمنظومة الانتخابية، بما يضمن تكافؤ الفرص بين النساء والرجال، ويوفر آليات حقيقية لدعم تمثيلية النساء بعيدا عن منطق الريع أو الاعتبارات الشكلية، وذلك في إطار مقاربة شمولية لإصلاح الحقل السياسي ككل.
وفي هذا السياق، اعتبرت الفاعلة الحقوقية في قضايا النساء، سعيدة إدريسي، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن تمثيلية المرأة في البرلمان ما تزال ضعيفة ودون تأثير، مشيرة إلى أن نسبة 21 في المئة من الحضور النسائي تحت قبة البرلمان لا تمثل كتلة قادرة على التأثير، ولا يُعتد بصوتها أو تصويتها بالشكل المطلوب.
وأوضحت إدريسي أن المغرب لا يزال بعيدا عن تفعيل مبدأ المناصفة الذي ينص عليه الدستور، إذ تبقى هذه المناصفة مجرد توافقات حزبية، وليست نتاجا لقانون مُلزم يفرض احترام المناصفة داخل المؤسسة التشريعية.
وأكدت الحقوقية أن الاختيارات السياسية الحالية، خاصة تلك التي تُمنح عبر منطق القرابة العائلية، تُكرس الريع السياسي، ما يُفرغ الحقل السياسي من مضمونه الحقيقي، ويُفقد الشباب الثقة في الأحزاب السياسية، بالنظر إلى اقتناعهم بأن ولوج مناصب القرار بات يخضع للاعتبارات المادية والعائلية أكثر من الكفاءة والاستحقاق.
وشددت إدريسي على أن “اقتحام الريع للمجال السياسي يفرغه من محتواه، ويضعف دوره في تحقيق التغيير وتكريس الديمقراطية، بل يضرب في العمق المبادئ التي يُفترض أن تقوم عليها الممارسة الحزبية”، مضيفة أن “الديمقراطية لا يمكن أن تُبنى خارج الأحزاب إن لم تكن قائمة داخلها، لأن الحزب هو الفضاء الأساسي لتأطير المواطنين والمواطنات، والمساهمة في تدبير الشأن العام والمحلي”.
وبخصوص موقفها من نظام “الكوطا” مقابل الكفاءة الفردية، أكدت إدريسي أن الكفاءة السياسية ضرورية، لكنها بحاجة إلى تأطير حزبي وسياسي حقيقي، مشددة على أن نظام الكوطا يظل ضروريا في المرحلة الحالية، لأنه برأيها لولاه لما تحقق هذا الحضور النسائي المحدود في البرلمان.
وأضافت سعيدة إدريسي في حديثها للجريدة أن مبدأ المناصفة، رغم التنصيص عليه دستوريا، ما يزال غائبا في الواقع، وهو في نظرها الحل الأنسب لضمان مشاركة نسائية حقيقية.
وأشارت إلى أن مبدأ المناصفة لا يُفعل خلال الاستحقاقات الانتخابية، كما أن نظام الكوطا نفسه أصبح يُوظف أحيانا بطريقة ريعية، لا تمنح للنساء فرصا حقيقية للتأثير، في ظل استمرار العقليات النمطية، والعنف السياسي، وضعف الحماية داخل الأحزاب، إلى جانب منح النساء دوائر انتخابية يصعب الفوز بها.
واعتبرت إدريسي أن المسؤولية تقع أولا على عاتق الأحزاب السياسية، لأن الكوطا ليست قانونا ملزما بل مجرد توافق حزبي، مؤكدة أن تحقيق التغيير يقتضي وجود إرادة سياسية حقيقية لتمكين النساء من الوصول إلى البرلمان بمجلسيه، عبر تفعيل مبدأ المناصفة في عملية الانتقاء والترشيح.