شهادات من قلب النزوح: الخوف والجوع والموت يلاحقون الفلسطينيين

لم تنم مدينة غزة المحاصرة، تحت وابل من الغارات الإسرائيلية التي طالت أحياء الرمال والدرج والتفاح والزيتون والصبرة وتل الهوى، محولة سماءها إلى دخان ونيران.
ومع هذه الغارات المتواصلة، يشتد الخناق على المواطنين تحت حصار إسرائيلي يمنع دخول الغذاء والدواء والوقود، لتتضاعف معاناتهم في وقت تسعى فيه تل أبيب إلى احتلال المدينة وتهجير أهلها قسرا، ضمن حرب إبادة الجماعية مستمرة منذ عامين.
وفي 8 أغسطس/ آب الماضي، أقرت حكومة إسرائيل خطة طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة، التي يسكنها نحو مليون فلسطيني.
وبعد ذلك بـ3 أيام، بدأ الجيش الإسرائيلي هجوما واسعا على مدينة غزة، شمل تدمير منازل وأبراج وممتلكات مواطنين وخيام نازحين، وقصف مستشفيات، وتنفيذ عمليات توغل.
ومنذ ذلك الحين، يعيش أهالي المدينة في أجواء خانقة؛ الدخان يغطي معالمها، ورائحة البارود تملأ الأجواء، بينما تواصل طائرات “الكوادكابتر” بث أوامر الإخلاء نحو الجنوب.
وعلى الأرض، تحولت شوارع أحياء الزيتون والصبرة وتل الهوى إلى ساحات نار بعد تفجير الجيش لمنازل وبنايات بآليات مفخخة، حتى بات البقاء أو مجرد التنقل مغامرة قد تنتهي بالموت.
هذا الخراب ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرا قاسيا؛ بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء، وتحت قصف لا يتوقف، ما دفع كثيرين إلى المجهول.
ومع انهيار البنية التحتية وانقطاع الإمدادات، لم يبق أمام آلاف الأسر سوى ما تبقى في البيوت من معلبات بسيطة، وهي كميات آخذة بالنفاد يوما بعد يوم، فيما المجاعة تزحف على الأحياء، والطحين أصبح عملة نادرة تضاعفت أسعاره، بينما الخروج للبحث عنه قد ينتهي بالموت تحت القصف الإسرائيلي.
وزاد من حدة المأساة إغلاق الجيش الإسرائيلي “شارع الرشيد”، الشريان الساحلي الوحيد المتبقي للمدينة، ما أدى إلى توقف آخر قنوات الإمداد وترك غزة في عزلة شبه كاملة.
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، حذر الخميس، من كارثة إنسانية وشيكة تهدد مئات آلاف السكان، مشيرا إلى أن إسرائيل أطبقت الحصار بعدما أغلقت أيضا معبر “زيكيم” قبل شهرين الذي كان المنفذ لدخول المساعدات نحو الشمال.
والأربعاء، أعلن الجيش الإسرائيلي منع تنقل الفلسطينيين من وسط وجنوب القطاع إلى شماله عبر “شارع الرشيد” الذي يربط أجزاء القطاع على امتداده الغربي، في خطوة جديدة لتشديد الحصار وعزل المناطق عن بعضها.
ويمثل “شارع الرشيد” الطريق الساحلي الرئيس الذي يربط شمال القطاع بجنوبه، ويعتمد عليه الفلسطينيون في تنقلاتهم، خاصة بعد إغلاق الجيش الإسرائيلي “شارع صلاح الدين” شرق القطاع خلال الإبادة.
وفي 25 يناير/كانون الثاني 2025 انسحب الجيش من “محور نتساريم” الممتد بين “شارع الرشيد” حتى “شارع صلاح الدين”، ما سمح بعودة تدريجية لأكثر من نصف مليون نازح فلسطيني إلى شمال القطاع عقب وقف لإطلاق النار لم يصمد نظرا لتنصل إسرائيل واستئنافها الإبادة بحق الفلسطينيين في 18 مارس/آذار 2025.
والأربعاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن الجيش يحكم حصاره على مدينة غزة التي يقطنها نحو مليون فلسطيني بعد إكمال السيطرة على محور “نتساريم”.
ويبقى معبر كرم أبو سالم شرقي مدينة رفح، الخاضع لسيطرة إسرائيل، المنفذ الوحيد لدخول المساعدات والبضائع إلى القطاع، وبكميات شحيحة.
شهادات من النزوح القسري
نهى عساف (62 عاما)، وهي فلسطينية مقعدة نزحت من منطقة الساحة وسط غزة إلى خان يونس، قالت للأناضول: “نزحت من غزة بسبب القصف الإسرائيلي والإنذارات المتتالية والتهديدات بالإخلاء”.
وأضافت: “النزوح كان صعبا، الشوارع مدمرة ومليئة بالركام، وأنا على كرسي متحرك أتنقل بين الأنقاض”.
وأوضحت أنها، خرجت بلا طعام ولا شراب، فقط بدافع الخوف.
وتتقاطع شهادتها مع رواية عدلي السلطان، الذي نزح مرات عديدة، قائلا: “لا نعرف النوم بسبب القصف الإسرائيلي في كل مكان”.
وأردف: “لا توجد سيارات إسعاف، وطائرات الكواد كابتر تطلق النار باستمرار، الحياة في غزة ليست حياة”.
ولفت السلطان إلى أن الحصول على الطحين أصبح شبه مستحيل، والتنقل بحثا عنه قد يكلف الإنسان حياته جراء الهجمات الإسرائيلية.
من جانبها، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، في بيان على منصة شركة “إكس” الأمريكية: “يواصل عشرات الآلاف من لاجئي فلسطين مواجهة نزوح متكرر”.
وأضافت: “تجبر العائلات على مغادرة منازلها، غالبا بتكلفة شخصية باهظة، بينما يظل الوصول إلى الغذاء والماء والأمان محدودا”.
وتابع: “وقف إطلاق النار العاجل وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن أصبحا حاجة ملحّة”.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلّفت 66 ألفا و225 قتيلا، و168 ألفا و938 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 455 فلسطينيا بينهم 151 طفلا