جالية

المغرب يعمق روابط الجالية بالثقافة الأم بتمويل برنامج بالمدارس الإسبانية

المغرب يعمق روابط الجالية بالثقافة الأم بتمويل برنامج بالمدارس الإسبانية

يعزّز المغرب حضوره الثقافي والتربوي في إسبانيا من خلال “برنامج اللغة العربية والثقافة المغربية” (PLACM)، الذي يشكل تجربة فريدة من نوعها في أوروبا، ويعكس تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، ورغبة الرباط في ربط أبناء الجالية المغربية في الخارج بهويتهم الأصلية بطريقة مؤسساتية وفاعلة.

هذا البرنامج، الذي كشفت صحيفة “La Gaceta” الإسبانية تفاصيله، يقوم على اتفاق رسمي بين الحكومتين المغربية والإسبانية، ويتيح تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية داخل المدارس العمومية الإسبانية. ووفقًا للمعطيات المنشورة، فإن المغرب هو من يمول البرنامج بالكامل، ويتولى أيضاً تعيين الأساتذة وتحديد محتوى الدروس، ضمن إطار قانوني واضح وبموافقة الحكومة المركزية في مدريد، وتحت إشراف وزيرة التعليم بيلار أليغريا.

ويجري تنفيذ البرنامج، بحسب الصحيفة ذاتها، في مؤسسات تعليمية تابعة لاثنتي عشرة منطقة ذات حكم ذاتي، من بينها كتالونيا ومدريد والأندلس وإقليم الباسك ومورسيا. ويُعد هذا الامتداد الجغرافي دليلاً على نجاح المبادرة المغربية في الوصول إلى أكبر عدد من أبناء الجالية، وتعزيز حضور الثقافة المغربية في المحيط التربوي الإسباني، بطريقة مدروسة ومنظمة.

وفي مثال أثار اهتمام الرأي العام، ذكرت “La Gaceta” أن إحدى المدارس في منطقة مورسيا، وهي مدرسة “Nuestra Señora del Carmen” في بلدة لو باغان، نظمت أنشطة احتفالية بذكرى “المسيرة الخضراء” في إطار البرنامج. هذا الحدث الذي يُعد محطة تاريخية مهمة في الذاكرة الجماعية المغربية، جرى تقديمه لتلاميذ المدرسة كجزء من التعريف بثقافة بلدهم الأصلي، ما يعكس قدرة البرنامج على ترسيخ عناصر الهوية المغربية في الأوساط التعليمية الأوروبية، ضمن مقاربة سلمية ومفتوحة.

في المقابل، أوردت الصحيفة أن جمعية “Aixeca’t-Levántate” الإسبانية عبّرت عن تحفظاتها على بعض جوانب البرنامج، وراسلت وزارة التعليم لمطالبة بتوضيحات حول مضمونه، وتمويله، وتكوين الأساتذة، وآليات الرقابة عليه. كما أعربت الجمعية عن تخوفها من إمكانية تضمين محتويات ذات طابع ديني أو سياسي، رغم أن المعطيات الرسمية لا تشير إلى وجود أي تجاوزات في هذا الجانب.

ورغم هذه الأصوات المنتقدة، ترى “La Gaceta” أن البرنامج يعكس تطوراً لافتاً في الدبلوماسية الثقافية المغربية، حيث لا يقتصر الأمر على تعليم اللغة فحسب، بل يشمل أيضاً تقديم الثقافة المغربية بروافدها المتعددة، من الأمازيغية والحسانية إلى العربية واليهودية المغربية، في إطار احترام التعدد والانفتاح.

ويرى مراقبون، استناداً إلى تحليل الصحيفة، أن منح المغرب صلاحية اختيار الأساتذة وتحديد المحتوى يمثل نجاحاً استراتيجياً في حماية الهوية الثقافية لأبنائه في المهجر، دون المساس بسيادة الدولة المضيفة، خصوصاً أن ذلك يتم وفق اتفاق مؤسساتي معلن، يعكس منسوباً عالياً من الثقة والتفاهم بين الرباط ومدريد.

وفي ظل التحولات التي تعرفها المجتمعات الأوروبية من حيث التعدد الثقافي والديني، يبرز “برنامج اللغة العربية والثقافة المغربية” كأداة ذكية لتعزيز الانتماء دون قطيعة، وتحقيق التوازن بين الاندماج والحفاظ على الجذور. كما يفتح هذا النموذج الباب أمام تجارب مماثلة في دول أوروبية أخرى، في إطار رؤية مغربية شاملة لتقوية حضورها الثقافي الإيجابي على الساحة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News