ثقافة

بين الوفاء وخيانة المعنى.. هل ينجح سفر الرواية إلى الركح؟

بين الوفاء وخيانة المعنى.. هل ينجح سفر الرواية إلى الركح؟

يرى الكاتب والروائي محمد برادة أن صنّاع الأعمال المسرحية بالمغرب اليوم لم ينجحوا في جعل هذا الصنف من الفنون ساري المفعول، ويثير النقاش والجدل، بعد تجارب سابقة خلال مرحلة الاستقلال، متسائلا عما إذا كانت هذه المسألة مرتبطة بمحدودية المخرجين أو كتاب المسرحية.

وناقش برادة في ندوة عنوانها “الرواية والمسرح: الحوارية والتفاعل”، الذي جمعه بالمخرج المسرحي بوسلهام الضعيف، حول تشخيص نصوصه في الخشبة، بقاعة لقاء بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، نقل أعماله المكتوبة، في ظل عدم الوفاء الكلي بها، وخروج عن كتاباته، إلى جانب تقييمه للتجربة المغربية في المسرح.

يقول الروائي محمد برادة الذي عاين نقل كتاباته إلى الركح، إن المسرح بالمغرب الذي حقق بعض المنجزات منذ الاستقلال وساهم في بروز عناصر لعبت دورا مهما مع الصديقي والعلج، لم يُكمل المسيرة ليصبح جزءا من تفكير المجتمع وجزءا من الأسئلة التي يُساهم المسرح في صياغتها.

وأشار في مداخلته إلى أن المسرح يضم جميع الفنون، وهو يختلف عن القراءة لأنه يسمح للحاضرين بطرح أسئلة حول العمل، لكنه يؤكد أنه من خلال زياراته المتعاقبة للمغرب لاحظ أن ما يُقدمه الشباب في المسرح يُعبر عن الرغبة في التعلم وحب المسرح، لكن مستوى المسرحيات لا يرتقي إلى أن يُصبح بمثابة عقد اجتماعي عندما تكون المسرحية سارية المفعول، وتثير النقاش والجدال.

ويضيف: “شاهدت العديد من المسرحيات في مسرح محمد الخامس، ووجدت أن هذه الملاحظة تتكرر”، متسائلا عما إذا كان ذلك يعود إلى كتاب المسرحيات أم أن الأمر يتعلق بمحدودية الإخراج والمخرجين.

وتحدث برادة عن تجربة روايته “كلام يمحوه النهار” التي حولها المخرج بوسلهام إلى عرض مسرحي، معاتبا إياه بالقول: “لأكون صريحا، عندما رأيت العرض الذي قدم في بغداد يبدأ بقراءة القرآن، وجدت أن ذلك لا علاقة له بالنص، فالحارس كان متفلسفا والنص يطرح أسئلة وجودية حول علاقة الرجل بالمرأة والمواطن بوطنه وغيرها”.

وعد أن اختيار المخرج انطلاق العرض المسرحي بتلاوة القرآن الكريم، شكل توجيها للجمهور بشكل لا يعكس النص الذي كتبه وفكرته، مشيرا إلى أن “بوسلهام لم يفهم وجهة نظره”.

ويضيف في السياق ذاته: “حاولت أن أجعل البطلة امرأة تعيش وضعا اجتماعيا قاسيا رغم أنها اكتسبت التعليم وسافرت عبر العالم، لكنها حينما تعود إلى بلدها تُحس أنها ليست في مستوى الإنسان العادي، والأسئلة التي وردت في المسرحية على لسان المرأة، هي أسئلة لا تخص المرأة فقط، بل تشمل علاقة المواطنين بالحياة وتكوين مجتمع مدني له وجود واعتبار وتأثير”، في إشارة إلى تغيير ملامح هذه الأفكار في العرض المسرحي.

وفي تعقيبه على ما ورد على لسان الكاتب الروائي محمد برادة، أوضح بوسلهام في مداخلته أنه دائما ما تكون هناك حوارية بين العالم الروائي والمسرحي أو العرض، إلى جانب خلق النقاش بينهما الذي قد يكون إيجابيا أو قد يخلق صداما لأنه بحسبه “حينما يكتب الروائي تكون له الإمكانيات كلها للتعبير عن العوالم، لكن هل يستطيع المسرحي في زمن معين، وفي لحظة تكثيف ساعة أو ساعتين مع أشخاص معينين تجسيدها؟ فالمخرج يكون ملزما بوضعها في قالب بموصافات معينة، ما يطرح مسألة الوفاء لعالم الروائي”.

ويضيف أن المخرج يجب أن يظل وفيا للعالم الروائي بمعنى آخر أن يفهمه ويلتقط الأساسي فيه، الذي قد يختلف أيضا، مع الحفاظ على الخيط الرابط في العمل الروائي لتقديم كل التضاريس التي توجد في الرواية.

وتحدث بوسلهام عن الصعوبات التي تواجه المخرجين في خلق عوالم وردت في الروايات فوق الخشبة، خصوصا المشاهد التي تتغير بسرعة وتعكس أمكنة وفضاءات متغيرة ومتباعدة.

ويقول برادة في تصريح لجريدة “مدار21” إنه يؤيد هذه التجارب لأن هناك علاقات فنية وعلاقات دلالية ما بين الرواية والمسرح، ولأن الرواية الجيدة تتيح الفرصة لإبراز قدرات المخرج على تشخيص بيئة وحوار، مبرزا أن “تأثيرها يكون أكثر من مجرد القراءة، فالقراءة تكون للفرد مع نفسه، ولكن المسرح يوجه للجماعة، والتجاوب مع النص المسرحي والتمثيل، إذ إن في المسرح حيوية أكثر إلى جانب الموسيقى والإخراج وغيرها من العناصر”.

وعما إذا كان المخرج بوسلهام وفيا لنصه، عدّ أنه قام باستيحاء جزء من الرواية ليمزج فكرته عن الموضوع، وفي نظره هي إضافة لا تعتبر خيانة بهذا المعنى، لأن النص المسرحي يظل محتفظا بنفسه.

ويُفضل محمد برادة بحسب تصريحه للجريدة فتح باب الحوار بين الروائي والمخرج، قائلا: “إذا كان الروائي على قيد الحياة يُستحسن أن يُجرى الحوار والتعاون بينهما لكي تبرز الفكرة، فأنا أعتبره أمرا مهما”.

ويقول الناقد الفني والكاتب حمادي كيروم في تصريح لجريدة “مدار21” إن تجربة بوسلهام في نقل الرواية إلى المسرح كانت شجاعة وهي محاولة لإخراج الرواية من الرفوف ليشاهدها الجمهور العريض، وفي الوقت ذاته هي تجربة تفاعلية، إذ إن بوسلهام لم ينقل الرواية فقط بل حاول أن يقيم حوارا بينه وبين محمد برادة، أي بين جيلين لنشر أفكار ووجدانات.

ويُضيف أن “المسرح هكذا يعيش سواء بخلق نصوصه أو بالاعتماد على النصوص القديمة أو الجديدة”، عادّا أن شجاعة بوسلهام تكمن في اختياره لنص جديد لمفكر عميق جدا”.

وبخصوص موقفه من “الخيانة”، يقول إن هذه الخيانة تتجلى بالأساس في تغيير اللغة الأصلية إلى لغة سمعية بصرية وموسيقية، تجمع عدة عناصر لمحاولة إيصال ما أنتجه المبدعين، وتجربة بوسلهام في نظره تبقى محاولة سواء فشلت أو نجحت.

وعن تطور المسرح أم تراجعه، يوضح “المسرح يتطور نظرا لوسائل التواصل الجديدة والأدوات والخفة والإطلاع والجامعة والمعهد العالي للفن والتنشيط المسرحي، وباقي المعاهد، ويتجدد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News