ثقافة

حسن طارق يستكشف تداخلات السياسة بالمشاعر في مؤلَّف جديد

حسن طارق يستكشف تداخلات السياسة بالمشاعر في مؤلَّف جديد

في مغامرة فِكرية جديدة لسبر تداخلات السياسة بمكنونات النفس البشرية، صدر حديثاً عن منشورات “باب الحكمة” كتاب جديد لصاحبه، وسيط المملكة المعين حديثاً، حسن طارق، تحت عنوان “ما الذي تركته المشاعر للسياسة.. مقالة في القبائل الحزينة”، وذلك بمناسبة فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.

الكتاب الذي قدمه عبد الحي مودن يبادر فيه حسن طارق لإقحام قارئه في قلب انشغالات “منعطف المشاعر”، و”هو التحول الذي عرفته العلوم الاجتماعية منذ ثمانينات القرن العشرين معترفا بالمشاعر كمتغير حاسم لفهم السياسة، التخصص الأكاديمي للكاتب” وفقاً للتقديم.

ولا تخلو هذه المبادرة من جرأة شجاعة من طرف صاحبها، “فمنعطف المشاعر يبدو غريبا في حقل العلوم السياسية في جامعاتنا التي لا تزال تنبذه بالرغم من أن هناك اعتراف ما فتئ يتقوى على الصعيد العالمي بأن فصل المشاعر عن التحليل السياسي لا يخلو من تعسف نظري” يضيف مودن.

وفي نفس الوقت، فإن مقاربة المشاعر، رغم جدتها النسبية كموضوع يحظى بالمشروعية العلمية من طرف مؤسسات دراسة السياسة، تتطلب التفاعل مع كم كبير من الكتابات صدرت خارج المغرب، جلها بلغات غير العربية، وتوظيف هذه الكتابات “يشترط بالتالي معرفة الباحث بلغات أجنبية واستعداده لتجاوز التقوقع في حدود المراجع المتداولة في حقل العلوم السياسية، واجتهاده في اكتشاف تخصصات جديدة والاستئناس بثمراتها” يتابع المصدر ذاته.

وأوضح التقديم أن نص حسن طارق “يقنع قارئه بأنه تحمل هذه المهام المضنية، وأنه بذلك يغني المكتبة المغربية بنص متميز بسبقه واجتهاده في تقديم خلاصات تركيبية موفقة لما توفر له من كتابات رائدة في دراسة المشاعر”، مضيفا أن بعضها يصنف كنصوص مؤسِّسة لهذا المنعطف الذي أصبح يعد من بين المنعطفات الأكاديمية الأكثر بروزا في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية على غرار المنعطف الثقافي، والمنعطف اللساني، والمتعطف التأويلي، وهي جميعها تحولات تتطلب أن ينتبه إليها البحث الجامعي في جامعاتنا لما توفره من آفاق للاكتشاف والتجدد والابتكار.

ولا تقف مساهمة نص حسن طارق في التعريف بقراءة، لا يمكن إلا أن تكون محدودة، لما أنجز حول المشاعر كموضوع سياسي، بل هو عمَل بالإضافة إلى ذلك، على توظيف خلاصاته كباحث في علم السياسة، لتحليل السياسة في المغرب.

وجاء في تقديم الكتاب أن العنوان الفرعي لمقالة طارق “القبائل الحزينة” يعبر عن عصارة استنتاجاته، “التي لن أتعسف في هذا التقديم بتكرارها، والتي لا أشك في أن جدتها ستثير نقاشات متباينة. بل أكتفي بالإشارة إلى أن وضع المشاعر كمتغير مستقل في تفسير السياسة في المغرب من منطلق العلوم السياسة لا شك في أنه سيثير حفيظة المتشبثين بالبنيوية وبعقلانية الفاعل السياسي”، والذين لا يعتبرون المشاعر، حينما يودون بالإشارة إليها، إلا كزاوية منسية كما يذكر نص طارق، لا تستحق إيلاءها عناية ما.

وتابع “قد لن تختلف ردود فعل مماثلة في المغرب، إذا وُثقت، عن النقاشات التي أثارها ولا يزال منعطف المشاعر على المستوى العالمي.  إلا أن مبادرات التجديد في بلادنا تظل مشاريع فريدة منعزلة، ولا تتحول إلى تيارات فكرية تدعمها مؤسسات البحث العلمي، وتتلقفها دور النشر، وتتبناها شعب التخصصات الأكاديمية كمواد ومسالك دراسية”.

ولفت إلى أنه “ليس هناك ما يلمح إلى أن وضعية البحث والباحث في بلداننا مقبلة على تغيير يذكر، ولكننا كجامعيين، مدعوون، كشكل من النضال الثقافي، إلى التعريف بالمبادرات الجدية المجددة، والدعوة إلى وضعها على محك التقييم والتجربة والنقد”. وأن  أحد أهم عناصر هذا المحك هو السعي للإمساك بالسياقات الفكرية والسياسية التي أفرزت المنعطفات، المنعطف السياسي في حالة نص طارق، والسياقات التي تدعو لتبنيه في حالة المغرب. 

وومضى مودن في تحليله يقول: “هذه العملية ستجعل من تقييم تجريب منعطف جديد، تمرينا نظريا ومنهجيا ناضجا، عوض الاكتفاء بنقل المنعطفات في انسياق متسرع لموضة فكرية مؤقتة.  من جهتي، أنا مقتنع بقيمة منعطف المشاعر كمدخل لا أشك في أنه سيعمق فهمنا للسياسة كموضوع وكممارسة.  لكن هذه القناعة، التي أشترك مع طارق فيها، ليست إلا بداية تحديات ضخمة.  أولاها الغنى الهائل لبيبليوغرافيا المشاعر السياسية، التي ستفرض على الباحث فيها بشكل منعزل، أن يظل محصورا فيما توفره له إمكانياته الفردية من نصوص مهما جد واجتهد”.

لا حل لهذا التحدي بالنسبة للباحث، في المغرب أو غيره، إلا أن يترك مقارباته واستنتاجاته قابلة للانفتاح باستمرار على ما ينشر بدون توقف وما يصله من الإصدارات باللغات التي يتمكن منها.  

التحدي الآخر يتعلق بالحاجة التي يتطلبها كل بحث، للحسم، حتى ولو كان مؤقتا، في الخيارات التي تتبناها الدراسة.  طارق اختار تبني المشاعر الحزينة لقبائل الهويات المتطاحنة، وعلى القارئ أن يحكم على ما يقدمه الكاتب من دعائم لأطروحته.  ستكون موضوع مساءلة بدون شك، حصر اهتمامات طارق في المشاعر الحزينة التي حددها في الخوف والكراهية والاشمئزاز والاستياء، وتجنبه للخوض في المشاعر السعيدة كالحب والرحمة والإخلاص، أو التضامن على غرار ما قام به محمد سعدي مثلا في كتابه عن ديناميات الهوية الاحتجاجية في حراك الريف، وهو الكتاب الذي يعد بدوره مساهمة مغربية رائدة في اقتحام عالم المشاعر السياسية.  لكن إحدى ميزات طارق، هو الكشف عن ذاتيته بصراحة نادرة في الكتب التي تتصور أن الذاتية متنافية مع الرصانة العلمية.  هو يبرر وقوفه في حدود المشاعر الحزينة بالواقعية المتنافية مع المثالية التي أكسبتها إياه معاينته لواقعه السياسي.  وهو كذلك، لم يحسم بشكل قطعي في مسائله، بل يختم بدعوة القارئ إلى المساهمة في معالجة مشاعر الكاتب الحزينة. 

وخلص مودن إلى أن “ما فهمته مما يقترحه من مسالك لتجاوز ما يعتبره مخاطر المشاعر الحزينة، والتي حددها في الحاجة للدولة لتدبير سياسي محنّك لهذه المشاعر، والحاجة للفلسفة والجامعة كملاجئ لحوار عقلاني بارد، كدعوات هي في نهاية الأمر لنبذ المشاعر كلية، عوض الخوض في غمارها والبحث عن سبل لمواجهات مثيرة قد تكون بناءة، بين المشاعر الحزينة والمشاعر السعيدة.  ولذلك استنتجت، ربما عن فهم متسرع، أن طارق ما أن دعانا لاقتحام منعطف المشاعر بشجاعة، حتى قادنا لمغادرته، والهروب بجلدنا من مخاطره”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News