اقتصاد

هل تُوَرِّط توقعات النمو “الوردية” لـ3 سنوات القادمة الحكومة المقبلة؟

هل تُوَرِّط توقعات النمو “الوردية” لـ3 سنوات القادمة الحكومة المقبلة؟

لم تمر الأرقام المتفائلة التي كشفت عنها الحكومة بخصوص نسب النمو الاقتصادية المتوقعة خلال السنوات الثلاثة المقبلة (2026 و2027 و2028) دون أن تخضع لاختبار الواقعية والقابلية للتحقق من وجهة نظر اقتصادية وسياسية، خاصة في ظل التفاوت الذي بدا واضحاً بين “التوقعات الحالمة” للحكومة ومؤشرات بنك المغرب “المتوجسة” من الظرفية الاقتصادية الحالية.

وحتى إن كان توجيه رئيس الحكومة لمنشور إلى وزراء حكومته وكتاب الدولة والمناديب الساميين والمندوب العام حول البرمجة الميزانياتية إجراءً إدراياً وتنظيمياً طبيعياً ومعتاداً، فإن التوقعات “الوردية” التي رسمها رئيس الحكومة لمنحى النمو الاقتصادي خلال السنوات الـ3 المقبلة واجهتها انتقادات بـ”توريط الحكومة المقبلة ورفع التفاؤل بشكل لا يستحضر المعطيات على أرض الواقع”.

وضمن الطموحات التي سردها رئيس الحكومة، في الوثيقة التي وجهها إلى أعضاء حكومته، تحقيق نسب نمو الناتج الداخلي الخام تبلغ على التوالي 4.1 في المئة و 4.2 في المئة و 4.4 في المئة خلال سنوات 2026 و2027 و2028، على التوالي، وذلك بنسبة نمو تقدر 4.2 في المئة كمتوسط سنوي وحصر العجز الميزانياتي برسم نفس السنوات في حدود 3 في المئة من الناتج الداخلي الخام بالإضافة إلى التحكم في متوسط معدل التضخم على مدى هذه الفترة، في حوالي 2 في المئة.

وتنص المادة 5 من القانون التنظيمي لقانون المالية أنه “يتم إعداد قانون المالية للسنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات. وتحين هذه البرمجة كل سنة لملاء منها مع تطور الظرفية المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد”، مشيرةً إلى أن هذه البرمجة تهدف، على الخصوص، إلى تحديد تطور مجموع موارد وتكاليف الدولة على مدى ثلاث سنوات اعتمادا على فرضيات اقتصادية ومالية واقعية و مبررة.

رشيد ساري، محلل وخبير اقتصادي، قال إنه “من الممكن أن تكون هذه التوقعات ذات طابع سياسي أكثر من كونها مبنية على تحليل اقتصادي متزن وموضوعي”، مشيراً إلى أن “معارضي الحكومة قرؤوا هذه التوقعات على أنها توريط للحكومة المقبلة في نسب نمو مرتفعة وغير واقعية”.

وأشار المحلل الاقتصادي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “المقارنة بين توقعات بنك المغرب والحكومة تؤول دائما إلى كفة توقعات الأول بحكم أنه يبني توقعاته على مؤشرات دقيقة وموضوعية أكثر من الحكومة وخارج أي حسابات سياسية”.

وسجل المتحدث ذاته أن “الحكومات المتعاقبة، وليس الحكومة الحالية فقط، دائما ما كانت تواجه صعوبات في تحديد نسب النمو وأنها تبني هذه النسب على مؤشرات متفائلة”، مبرزاً أن “الأصح اليوم هو أن يتم اعتماد توقعات نمو بين الحد الأدنى والحد الأقصى وليس نسبة وحيدة”.

وتابع المصدر ذاته أن “هذه الصيغة ستمكننا من توقع السيناريوهات الأسوء والسيناريوهات الأفضل في تحقيق نسب النمو الاقتصادي خلال كل سنة”، مؤكداً أن “الذي يعطي الموضوعية أكثر لتوقعات بنك المغرب مقارنة مع الحكومة هو استحضاره لعدد من المؤشرات والسيناريوهات القريبة من الواقع”.

وفي المقابل، اعتبر المتحدث ذاته أن “الحكومة دائما ما تكون لديها توقعات متفائلة على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تعيشها بلادنا من جفاف وتأثر للقطاع الفلاحي بهذا العنصر الهيكلي في البينة الاقتصادية المغربية”، مبرزاً أنه “على الحكومة أن تعي بأن من الممكن أن تتأثر القيم المضافة للقطاع الفلاحي”.

وباستحضار السياق الدولي، بيَّن الخبير الاقتصادي ذاته أن “هذه السيناريوهات القاتمة واللايقين الذي يعرفها العالم ترفع من مخاوف تهديد استقرار الاقتصادات العالمية وليس الاقتصاد المغربي فقط”، مورداً أنه “من غير المنطقي أن الإعلان عن هذه المؤشرات المتفائلة في هذه الظروف”.

وتابع المتحدث نفسه أن “توقعات نسب النمو في السنوات المقبلة (2026 و2027 و2028) ليس من اختصاص الحكومة الحالية وإنما هي صلاحية الحكومة التي ستعقبها بحكم إمكانية التغيرات التي يمكن أن تلحق المؤشرات المتحكمة في هذه النسب أو الأولويات الحكومية في المرحلة المقبلة”.

ورداً على التفاؤل الذي أبدته بعض التحليلات في التساقطات المطرية الأخيرة وإنعاشها للاحتياطات المائية وبالتالي لمردودية القطاع الفلاحي، الذي يشكل أهم نسب مساهمة في القيم المضافة للأنشطة الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي ذاته إن “هذه التساقطات هي استثناء وليست قاعدة وبالتالي لا يمكن أن نبني عليها أي توقع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News