تشويه معالم المدينة العتيقة لـ”كازا” يهدد بطمس ذاكرتها

“الجانب المظلم من القمر”. تعيش الدار البيضاء في الآونة الأخيرة على وقع تحولات عُمرانية عميقة، الهدف منها تجميل وجه الحاضرة استعداداً لتدفق سياحي غير مسبوق خلال التظاهرات الكبرى التي سيستضيفها المغرب، بيد أنّ عملية التجميل هذه قد تتحول لـ”عملية تشويه” تأتي بنتائج عكسية، وتحرم المدينة من مؤهلاتها الكبيرة على مستوى “السياحة الثقافية”.
ولا أدل على ذلك من الأشغال الجارية حالياً على مستوى المدينة العتيقة (المدينة القديمة) للدار البيضاء، التي نالت حصة الأسد من عمليات الهدم ومشاريع إعادة الإعمار، والتي لا ينظر إليها مهتمون بتراث المدينة بعين الارتياح ويرون فيها طمساً لهوية المدينة و”إفقادا لذاكرتها”، ناهيك عن المآسي الإنسانية الناجمة عنها.
وتراهن فعاليات سياحية بيضاوية على إخراج المدينة من الاعتماد على “سياحة الأعمال” أساساً، واستغلال مؤهلاتها التاريخية والتراثية لفتحها في وجه السياحة الثقافية، والتي تعد، وفقاً لدراسات حديثة من أهم أشكال السياحة العالمية على الإطلاق.
ذلك ما اعترفت به وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، حين أوردت كون السياحة الثقافية تعد غرض 84 في المئة من الوافدين على المغرب؛ وأن 69 في المئة من الطاقة الإيوائية للمغرب تروم تلبية هذا الطلب.
معطى يطرح تساؤلات عديدة حول ما يجري داخل مسورة البيضاء التي تعيش في الآونة الأخيرة على وقع “غزوة الجرافات”، من خلال هدم بيوت وُصِفت بالآيلة للسقوط، مع “تهجير” ساكنتها، علاوة على المخططات الرامية للتعديل في شكل وبنية النواة الأولى للعاصمة الاقتصادية.
في هذا الصدد، اعتبر نائب رئيس جمعية “كازا ميموار” المعنية بحفظ تراث الدار البيضاء، كريم الرويسي، أن “المدينة القديمة تعد موروثا ثقافياً ثميناً في مدينة الدار البيضاء، ينبغي بالموازاة مع تثمينه الحفاظ على طابعه الأصيل وصون خصوصياته”.
وأكد، في تصريح لجريدة “مدار21″، أنه يتوجب الحذر من تشويه معالم المدينة القديمة لأغراض سياحية صِرفة، ذلك أن السائح الذي يقبل عليها نفسه لن يكون راضياً عن التجربة السياحية إذا لم يعثر على الطابع الإنساني الأصيل وعلى الحرف والثقافة الخاصين بالمدينة القديمة على قيد الحياة”.
ولفت إلى أنه تقرر بعد الزيارة الملكية في سنة 2010 إعادة تأهيل المدينة القديمة، وقد جرى بالفعل، على مراحل عدة ما زالت متواصلة إلى غاية الآن، إصلاح عدد من المرافق وتثمينها، بغاية جعل هذه الأخيرة كذلك جذابة للزوار والسياح”، منبها إلى ضرورة “مراعاة الإبقاء على المدينة القديمة كما نعرفها” في ذلك.
ويخلف إفراغ العديد من الدور، المصنفة آيلة للسقوط، من ساكنتها وهدمها بالمدينة القديمة للدار البيضاء الكثير من الجدل، حول ملابسات إجراءات الهدم وخصوصا مصير البقع الأرضية بعد إزالة بيوتها.
كما لم يسلم البعد الثقافي من تداعيات العملية؛ إذ يتأسف فاعلون بأن المدينة القديمة تمثل جزءً هاما من تراث مدينة الدار البيضاء وذاكرتها اللذين يَطالهما الطمس وتتغير معالمهما الآن.