غياب خارطة طريق وخطط واقعية يهيمنان على قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية

اعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية يتطلب تحديد سيناريوهات واضحة في إعادة الهيكلة لتعبئته ومساهمات كبيرة من القطاعات الوزارية الوصية وخطط واقعية قابلة للتطبيق مع ضرورة وضع خارطة طريق شاملة للعمليات المتعلقة بالسياسة المساهماتية للدولة، والتسريع في تنزيل هذه الخارطة.
وفي تقرير للمجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2023-2024، تطرق إلى مجموعة من الملفات التي تحتاج إلى إعادة الهيكلة لضمان نجاعتها في هذا القطاع، وضمنها إعادة هيكلة المحفظة العمومية، التي يرى المجلس أنه “تم تحقيق تقدم مهم في إطار توضيح الرؤية الخاصة بها، مع ما تستدعيه من مزيد من التعبئة من طرف القطاعات الوصية لأجل استكمالها”، إذ بحسبه ساعدت المجهودات التي بذلتها وزارة الاقتصاد والمالية على تحسين الرؤية حول المحفظة العمومية المستهدفة للمؤسسات العمومية ذات الطابع غير التجاري من حيث الحجم والتركيبة، لكن دون التمكن من وضع خارطة طريق شاملة لعمليات إعادة الهيكلة في إطار جدول زمني محدد.
وفي هذا الصدد، يثير المجلس الانتباه إلى ما يتطلبه تحديد سيناريوهات إعادة الهيكلة من تعبئة ومساهمة كبيرة من القطاعات الوزارية الوصية للتوصل إلى خطط واقعية وقابلة للتطبيق.
وعلى صعيد آخر، وعلى الرغم من الهدف المسطر، منذ سنة 2018، بإعطاء دفعة قوية لإنجاز عمليات الخوصصة لتستعمل على المدى المتوسط والطويل في إطار عمليات تقليص حجم المحفظة العمومية طبقا للقانون الإطار رقم 50.21، فإن عدد عمليات الخوصصة المنجزة ما بين سنتي 2018 و2024 محدود للغاية، وأكد المجلس في تقريره الأخير أنه لم يتم إنجاز سوى أربع عمليات بعائدات بلغت 17 مليار درهم.
أما في ما يتعلق بخارطة طريق السياسة المساهماتية للدولة، سجل المجلس الأعلى للحسابات أن “المصادقة على التوجهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ فاتح يونيو 2024، شكل خطوة مهمة في مسار تفعيل دور الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة في ممارسة وظيفة المساهم نيابة عن الدولة، وعلى ضوء ذلك، قامت الوكالة المذكورة بإعداد مشروع السياسة المساهماتية للدولة، الذي يعكس هذه التوجهات الاستراتيجية وخارطة طريق لتفعيلها”.
ويضيف التقرير: “فقد تمت دراستهما من طرف لجنة الاستراتيجية والاستثمار التابعة للوكالة بتاريخ 27 يونيو 2024، ثم المصادقة عليهما من قبل مجلس إدارتها في 03 يوليوز 2024، كما تمت الموافقة، في 19 شتنبر 2024، على مشروع السياسة المساهماتية للدولة من طرف هيئة التشاور حول هذه السياسة، المحدثة بموجب المادة 21 من القانون رقم 82.20 القاضي بإحداث الوكالة، ومن المقرر عرض المشروع المذكور على مجلس الحكومة قبل نهاية السنة الجارية، بهدف تمكين الوكالة من الشروع في تنفيذ خارطة الطريق”، غير أن المجلس يثير، بهذا الصدد، الانتباه إلى ضرورة تسريع تنزيل هذه الخارطة.
ويشير المجلس إلى أنه “على الرغم من المجهودات التي بذلتها الوكالة، فإن عملية تحويل المؤسسات العمومية الخمسة عشر التابعة لها إلى شركات مجهولة الاسم، لا تتقدم بالوتيرة اللازمة لاحترام الأجل القانوني لخمس سنوات”.
وفي هذا الصدد، يؤكد المجلس على ضرورة تحسيس الوزارات الوصية على هذه المؤسسات، والتي تعد الحامل الرئيسي لمشاريع القوانين المتعلقة بتحويل المؤسسات المعنية، من أجل احترام الأجل سالف الذكر.
أما بخصوص تفعيل دور صندوق محمد السادس للاستثمار، يوضح التقرير أنه في شقه المتعلق بإحداث الصناديق القطاعية والموضوعاتية المنصوص عليها في المادة 4 من القانون رقم 76.20 المحدث لهذا الصندوق، أسفرت الدعوة الأولى لإبداء الاهتمام التي تم إطلاقها في 08 ماي 2023 من أجل اختيار شركات التدبير التي ستتولى إحداث وإدارة الصناديق القطاعية والموضوعاتية عن اختيار 15 شركة يجري التفاوض معها على لوائح التسيير، برأس مال استثماري إجمالي قدره 18.5 مليار درهم منها 4.7 مليار درهم كمساهمة للصندوق و13.8 مليار درهم قامت شركات التدبير بتعبئتها لدى مستثمرين محليين ودوليين.
ولاحظ المجلس أن تمويل مشاريع البنية التحتية التي تضطلع بها المؤسسات والمقاولات العمومية، على شكل شراكات بين القطاع العام والخاص، لتخفيف العبء على ميزانية الدولة بدعم من المستثمرين الدوليين، لا يزال في مرحلة تحديد مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية التي سيقدم فيها الصندوق جزءا من التمويل مقابل حصة أقلية في رأس المال، حيث تم تحديد عدد من المشاريع التي تجري المناقشات بشأنها لاستكمال الهيكلة المالية.
وانطلاقا من هذه الملاحظات، جدد المجلس توصياته المضمنة في تقريره السنوي 2022-2023 بهدف تسريع تنفيذها، والتي تهم استكمال تركيبة مجلس إدارة الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتركيبة مجلس إدارة صندوق محمد السادس للاستثمار، وفقا للمقتضيات القانونية لتمكينهما من القيام بمهام التوجيه الاستراتيجي والرقابة، وكذا الشروع في عملية نقل ملكية الحصص التي تمتلكها الدولة في المقاولات العمومية ذات الطبيعة التجارية التابعة للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة لفائدة هذه الأخيرة، مع العمل على تسريع تنفيذ عمليات إعادة هيكلة المحفظة العمومية ذات الطبيعة التجارية.
كما أوصى وزارة الاقتصاد والمالية والوزارات الوصية والوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وصندوق محمد السادس للاستثمار بتسريع تنفيذ خارطة طريق السياسة المساهماتية للدولة بعد اعتمادها من قبل مجلس الحكومة، وتسريع إنجاز عمليات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية ذات الطابع غير التجاري، بمبادرة من الوزارات الوصية عليها المسؤولة عن بلورة خطط التنظيم المؤسسي لقطاعاتها على أساس رؤية جديدة واستراتيجية محينة.
وأوصى، كذلك، باستكمال عمليات تصفية المؤسسات والمقاولات العمومية، مع إعطاء الأولوية لتلك التي تنطوي على أصول وخصوم للدولة، وباستكمال إعداد ونشر النصوص التشريعية والتنظيمية التي ينص عليها الإصلاح
وأوصى المجلس، أخيرا، بتسريع تحويل المؤسسات العمومية التابعة للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة إلى شركات مجهولة الاسم بالتنسيق مع الوزارات الوصية المسؤولة عن إعداد النصوص القانونية، وبالعمل على استكمال تحديد وهيكلة محفظة مشاريع البنية التحتية للمؤسسات والمقاولات العمومية التي سيدعمها صندوق محمد السادس للاستثمار، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الاستراتيجية.