اقتصاد

بين التقنين وحرية الابتكار.. قطاع الـ”فينتيك” يبتكر حلول أداء متطورة بالمغرب

بين التقنين وحرية الابتكار.. قطاع الـ”فينتيك” يبتكر حلول أداء متطورة بالمغرب

يعول المغرب على نمو قطاع “التكنولوجيات المالية” أو الـ(فينتيك) (Fintech) للمساهمة في تحقيق الشمول المالي ورقمنة الخدمات المالية، وخصوصا خدمة الأداء بواسطة الهاتف المحمول.

وبفعل الولوجية المتزايدة للمغاربة لشبكة الإنترنت وخدمات الهاتف المحمول، لوحظ تحول كبير في تعامل المستهلكين، خاصة الشباب منهم، مع الخدمات البنكية. ما دفع العديد من الفاعلين البنكيين والماليين للانخراط في دينامية “الشمول المالي” ورقمنة الخدمات.

وتُعرف “المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية”، التكنولوجيا المالية، بـ”مجموعة متنوعة من نماذج الأعمال الإبداعية والتكنولوجيات الناشئة القادرة على تحويل قطاع الخدمات المالية”.

ولا تزال القوانين المغربية المتعلقة بالتكنولوجيا المالية في طور التبلور، إذ يكون على الشركات الناشئة في هذا القطاع الحصول على تراخيص مسبقة من البنك المركزي والهيئة المغربية لسوق الرساميل لعرض بعض المنتجات والخدمات المالية.

وفي هذا السياق، يعتزم بنك المغرب إطلاق قطب مخصص للتكنولوجيا المالية، مطلع يناير المقبل، في خطوة جديدة هامة لتشجيع القطاع، حسبما أعلنه المديره العام للبنك المركزي، عبد الرحيم بوعزة.

وأفاد بوعزة، الذي كان يتحدث خلال مائدة مستديرة، برسم “القمة المالية الإفريقية 2024، أول أمس الاثنين بالدار البيضاء، بأن “البنك المركزي يعمل على توحيد جهود الفاعلين لتعزيز التكنولوجيا المالية بهدف إنشاء قطب للتكنولوجيا المالية مع مستهل 2025”.

وفي الحالة المغربية والإفريقية بشكل عام؛ تواجه هذه المقاولات الناشئة مجموعة من التحديات لاسيما على مستوى البنيات التحتية التكنولوجية وخاصة التقنين، الذي يتطلب المزاوجة بين المواكبة المستمرة للتطورات السريعة في المجال، بهدف فسح المجال للابتكار، وفي الوقت ذاته نوعا من “الصرامة” للوقوف في وجه المخاطر التي تطرحها الرقمنة المالية.

ويرى الخبراء أنه ثمة مقاربتان في مجال التقنين؛ الأولي كلاسيكية وتحوطية، مثل التي يتبناها المغرب، من خلال التركيز على المخاطر التشغيلية ومكافحة الجرائم المالية كتبييض الأموال وتمويل الإرهاب أثناء التقنين، مقابل مقاربة أقل صرامة تسمح لمقاولات الفينتيك والبنوك الرقمية بتنظيم نفسها على نحو يواكب التطورات المتسارعة في المجال.

ويهدف التقنين إلى إرساء منظومة تمكن من الدفع وتحويل الأموال بشكل فوري، ومتسمة بانسجام تشغيلي على الصعيدين الوطني و الدولي (Interoperability)‏، أي تمتيع النظم المختلفة بالقدرة على الاشتغال في تناغم.

ودفعت هذه التطورات السريعة في التكنولوجيات المالية البنوك المركزية، ومن بينها “بنك المغرب”، الذي يشرف على القطاع، إلى الانتقال من مجرد منظم كلاسيكي إلى محفز لأنظمة الدفع المتطورة هذه، وبلورة استراتيجيات لإدماج التكنولوجيات الحديثة داخليا لاستيعاب كل هذه التطورات الطارئة وإعداد قوانين تناسبها.

وفي هذا الصدد، اعتبرت إيمان شريوي، المسؤولة بشركة “Zepz” المتخصصة في تكنولوجيا التحويلات المالية، أنه لا بد من تقنين صارم ومرن في الوقت ذاته لتطوير هذه المنظومة.

وأوضحت، خلال مداخلتها ضمن مائدة مستديرة برسم “القمة المالية الإفريقية”، أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، أن “الزبناء يعولون على الحلول والخدمات المبتكرة والموثوقة التي تقترحها الفينتيك؛ ومن يقول “موثوقة” يعني آمنة، ولا يمكن ضمان الأمان دون الانضباط لقوانين دقيقة”.

وتابعت بالقول: “لا يمكن أن يضع المستهلكون أموالهم بين يدي مقاولات رقمية دون التحقق من المعالجة الآمنة والمضبوطة لهذه الأموال”، مردفة أنه في “المقابل تخضع الفينتيك لنفس القوانين التي تخضع لها المؤسسات المالية التقليدية؛ لكنها عرضة لمخاطر أخرى تجهلها هذه الأخيرة على غرار الهجمات السيبرانية والاحتيال”.

وفي المقابل، اعتبر المهدي جاير، المسؤول بالعملاق التكنولوجي الصيني “هواوي”، أنه “في السياق الإفريقي، يبقى التحدي اليوم هو التضارب بين إرساء أنظمة متينة وصارمة من ناحية، والحفاظ على قابلية الابتكار من ناحية أخرى”.

وقال إن عددا لا بأس به من الجهات الفاعلة تشعر بالقلق إزاء هذه المشكلة، مقترحا لتجاوز هذه “الازدواجية” تعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين، ولا سيما البنوك المركزية والفاعلون في مجال التكنولوجيا، وشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التقليدية.

وتابع: “اليوم، يجب أن نفهم بأن التنظيم أمر مهم للغاية، وسوف ينظم السوق، ولكنه من جهة أخرى يثقل كاهل المقاولات بتكاليف المطابقة، بحيث تشير دراسات إلى أن المقاولات النشطة في هذا القطاع تنفق 15 في المئة من رقم معاملاتها على الامتثال للقوانين”.

ومع ذلك أقر المتحدث بأن التنظيم والتقنين يطور السوق، ضاربا المثال بأسواق إفريقية شهدت طفرة في المجال بعد تقنينها. “يكفي توجيهه في الاتجاه الصحيح ومساندة شركات التكنولوجيا المالية وكافة الفاعلين الماليين على استخدام التكنولوجيات الحديثة”.

وخلص إلى أن الاشتغال في هذا القطاع بالقارة الإفريقية ما زال يطرح تحديات كبيرة؛ “هناك أزيد من 700 مليون شخص في القارة غير مسجلون في الحالة المدنية، ولا يملكون هوية قارة، مما يصعب مأمورية متابعتهم قانونيا في حال ارتكاب أفعال مخالفة للقانون”، مشددا على أن كلفة الاحتيال المالي بالقارة الإفريقية تتراوح بين 4 و6 مليار دولار سنويا.

وجرت فعاليات “القمة المالية الإفريقية 2024” (AFIS-2024)  خلال يومي 9 و10 دجنبر بالدار البيضاء، تحت شعار “حان وقت القوى المالية الإفريقية”، بمشاركة أزيد من 1000 من قادة القطاع المالي الإفريقي، وصناع القرار السياسي وهيئات التقنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News