إحصاء 2024.. ارتفاع معدل التمدن يعد بتحولات اقتصادية عميقة بالمغرب

كشف الإحصاء العام للساكنة والسكنى 2024 عن ارتفاع جديد في معدل “التمدن” بالمغرب إلى 62,7 في المئة، وهو اتجاه يعد بتحولات كبيرة في البنية الاقتصادية للمملكة، في مقدمتها تراجع أدوار القطاع الفلاحي في خلق فرص الشغل وزيادة الضغط على البنيات التحتية الحضرية.
ووفقا للمعطيات التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط، برسم الإحصاء العام للساكنة والسكنى 2024، ارتفع معدل التمدن، أي نسبة سكان المدن من الساكنة الإجمالية، من 55,1 في المئة في سنة 2004 إلى 60,3 في المئة في سنة 2014، لتصل إلى 62,7 في المئة في 2024. أي بزيادة بنسبة 7 في المئة في غضون 20 سنة.
وكان عدد قاطني المدن بالمغرب في حدود نسبة 8 في المئة فقط في سنة 1912، أي سنة توقيع معاهدة الحماية. مع توقعات بأن تصل تلك النسبة إلى 75 في المئة في العشرين سنة المقبلة.
وأكد الخبير الاقتصادي، ادريس الفينة، أنه سيترتب عن هذا الاتجاه العديد من التحولات التي سترخي بظلالها على التنمية والاقتصاد المغربيين، وفي مقدمتها الضغط على البنية التحتية الحضرية، خاصة في مجال الإسكان والنقل والخدمات العامة.
كما سيؤدي هذا التحول إلى تنامي أدوار المدن المتوسطة، باعتبارها “حلا فعالا لتحقيق التوازن في النمو وتقليل الفجوات بين المدن الكبرى والمناطق الأقل تمدنا”، إذ تلعب هذه المدن دورًا حيويًا في لامركزية الأنشطة الاقتصادية والخدمات العامة، وفقا لرئيس “المركز المستقل للتحليلات الاستراتييجية”، مضيفا أن المراكز الحضرية الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط بلغت كثافات سكانية عالية، وزادت تكاليف المعيشة بها، مما يقلل من جاذبيتها للمهاجرين الجدد.
وتؤدي حركة التمدن السريعة أيضا إلى اختلال التوازنات الاجتماعية وزيادة التفاوتات بين شرائح المجتمع، مع استفادة أقلية من السكان من الثروة، كما تطرح إشكالات اقتصادية تتمثل في احتدام التنافس بين المدن من أجل استقطاب الاستثمارات والمشاريع التنموية لخلق الثروة.
ويرى الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن هذا الاتجاه يطرح تحديات لبرامج السكن الاجتماعي؛ إذ “أدى تشديد الرقابة على السكن غير اللائق إلى تحسين ظروف المعيشة للعديد من المواطنين، لكنه سلط الضوء أيضا على الحاجة المتزايدة إلى برامج السكن الاجتماعي، بحيث تعاني الأسر ذات الدخل المنخفض من صعوبة إيجاد سكن مناسب في المدن الكبرى”.
وأورد أن جاذبية المراكز الحضرية للسكان تعزى لولوجيتها الأفضل إلى الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. والذي كان عاملا دافعًا قويًا للهجرة القروية، مؤكدا أنه “رغم الجهود المبذولة لتحسين المناطق القروية، فإنها لا تزال تفتقر إلى بعض الخدمات”.
ومن جهة أخرى، قال إن المغرب استثمر بشكل كبير في تطوير البنية التحتية الحديثة، بما في ذلك المناطق الصناعية والموانئ وشبكات الطرق السريعة والنقل السككي، مما حفز الاقتصاد الحضري ورفع من جاذبيته للاستثمار وخلق فرص الشغل على حساب الاقتصاد القروي.
كما شهد القطاع الفلاحي، بالمغرب تطورًا كبيرًا نحو المككنة والتحديث، مما أدى إلى تقليل الطلب على اليد العاملة في المناطق القروية، مما دفع جزءًا من السكان القرويين إلى البحث عن فرص في الصناعة والخدمات بالمدن.