المماطلة والامتناع عن الأداء يواصلان خنق المقاولات الصغرى والمتوسطة

في حين كشفت وزارة الاقتصاد والمالية عن تراجع متوسط آجال الأداء المصرح بها من طرف المؤسسات والمقاولات العمومية، لا يبدو أن ذلك يؤثر إيجابا على صحة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تستمر معاناتها من المماطلة والامتناع عن الأداء، عن طريق التحايل على القانون، سواء من طرف المقاولات الخاصة الكبرى أو العمومية.
وأفادت مديرية المنشآت العامة والخوصصة، في إشعار صادر عنها حديثا، بأن آجال الأداء المصرح بها من طرف المؤسسات والمقاولات العمومية تراجعت إلى 36,9 يوما متم شتنبر الماضي، مقابل 39 يوما خلال الفترة ذاتها من سنة 2023.
بيد أن هذه الأرقام تظل “نظرية” ومشوبة بالعديد من أشكال التحايل التي تلجأ لها المقاولات العمومية أو الخاصة الكبرى للتماطل أو الامتناع عن أداء مستحقاتٍ تعول عليها المقاولات الصغرى والمتوسطة للبقاء على قيد الحياة وتفادي شبح الإفلاس.
ذلك ما أكده عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، معتبراً أن الآجال التي تتحدث عنها المديرية لا وجود لها في الواقع “ربما في تعامل المقاولات العمومية مع المقاولات الكبرى، أما بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة فالواقع مختلف تماما”.
قانون آجال الأداء.. حبر على ورق
ويحدد القانون رقم 21-69، الصادر في منتصف سنة 2023، أجل أداء المبالغ المستحقة على المعاملات التجارية في 60 يوما من تاريخ إصدار الفاتورة، ما لم تتفق الأطراف على أجل محدد.
كما ينص على فرض غرامة مالية تحدد نسبتها في سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب، المطبق عند اختتام الشهر الأول من التأخر في الأداء، وفي 0,85 في المئة عن كل شهر أو جزء من الشهر الإضافي للتأخر في الأداء.
وكانت المديرية العامة للضرائب أعلنت أن الفواتير التي تبدأ فترة التأخر في أدائها اعتبارا من فاتح يونيو 2024، ستخضع للغرامة المالية المحددة في النسبة الجديدة البالغة 2,75 في المئة عن الشهر الأول من التأخير، على إثر قرار بنك المغرب تخفيض سعر الفائدة الرئيسي.
وأورد الفركي، في تصريحه لصحيفة “مدار 21″، أن الثغرة القانونية التي يلجأ إليها الممتنعون والمماطلون في الأداء من مقاولات عمومية وكبرى تتعلق ببداية احتساب الـ60 يوما على إنزال العقوبات من تاريخ تسليم الفاتورة.
وأوضح أنه بالنسبة للمقاولات العمومية، يعمد بعض مهندسي وتقنيي الدولة للمماطلة في استلام الفواتير، بالرغم من أن المقاولة الصغيرة أنجزت العمل الموكل إليها، وذلك بحثا عن إكراميات أو رشوة، “إذ يعلمون أن المقاولة الصغيرة في وضعية مالية حرجة وتحتاج لمستحقاتها للبقاء على قيد الحياة وعدم الإفلاس، فيشرعون في ابتزازها ضمنيا بسرد أعذار واهية”.
وأضاف أن “المقاولة الصغرى أو المتوسطة تحتاج لإنجاز محضر من طرف تقنيي أو مهندسي المقاولات العمومية للتأشير على إنجاز مهامها واستلام الفواتير، كي يدخل عداد الـ60 يوما إلى حيز التنفيذ”.
ولفت إلى أنه “في بعض الأحيان يتطلب الأمر 3 أشهر إلى 4 بعد انتهاء المقاولة الصغرى من إنجاز مهمتها دون أن يتم استلام الفاتورة منها”.
المقاولات الخاصة الكبرى أيضا..
ولا يتعلق الأمر بالمقاولات العمومية فحسب، بل يسرى أيضا على المقاولات الخاصة الكبرى، التي قال الفركي إن المشكل إزاءها تفاقم بشكل كبير: “لم نعد نعاني من التأخر في الأداء فحسب، بل بتنا نلمس امتناعا عن الأداء في العديد من الحالات، رغم توفر المقاولات الكبرى على إمكانيات كبيرة”.
وفي هذا الصدد، طالب الفركي بإرساء قانون يحمي المقاولات الصغرى التي تقوم بخدمات المناولة (sous-traitance)، مقترحا “في حال اشتغال المقاول الصغير مع مقاولة كبيرة في إطار صفقة عمومية، ينبغي على الإدارة العمومية التي فوتت الصفقة أن تتحمل مسؤوليتها في تتبع ومراقبة أدائه لمستحقات المقاولات الصغرى”.
وأضاف “في الوقت الراهن لا تقوم هذه المؤسسات بهذا الدور، فبمجرد أن تفوت الصفقة لمقاولة كبرى، تُترك لها حرية مطلقة في التعامل مع مقاولات صغيرة في إطار عقود مناولة”.
وتجدر الإشارة إلى أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تمثل أزيد من 99 في المئة من النسيج الاقتصادي الوطني، ما يفاقم الانعكاسات السلبية لظاهرة المماطلة والامتناع عن الأداء على الاقتصاد الوطني.