صناعة السيارات بالمغرب.. صناعة مغربية أم فرنسية “مُرحّلة”؟

باتت صناعة السيارات في صلب الاستراتيجية الصناعية المغربية، وتربعت في غضون ظرف وجيز على عرش صادرات المملكة متجاوزة الفوسفاط، وهو إنجاز اقتصادي يساهم التعاون المغربي-الفرنسي في تحقيقه بوضوح، فهل يتعلق الأمر بصناعة مغربية حقيقية أم مجرد “ترحيل” لصناعات دولية، على رأسها الصناعة الفرنسية، وتوطينها بالمغرب؟
نمو بلا مكابح!
وكان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش أكد أن المغرب نجح خلال سنة 2023 في تصنيع سيارة كل دقيقة، أي أكثر من 570 ألف سيارة خلال عام واحد. كما بات قطاع السيارات يمثل 33 في المئة من إجمالي صادرات المغرب، وفقا للتقرير الاقتصادي والمالي الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية.
وفي السياق ذاته، سجلت صادرات السيارات المغربية مداخيل قياسية في سنة 2023 بلغت 141.76 مليار درهم، ما رفع المملكة إلى صدارة مصدري السيارات في القارة السمراء، متجاوزة جنوب إفريقيا، وفقا لمركز التجارة الدولية.
وتخطّط مجموعة “رونو المغرب” لرفع سقف إنتاجها إلى نصف مليون سيارة بمصنَعيها في المملكة، وفق ما أكده محمد بشيري، المدير العام للمجموعة موضحا أن مصنع طنجة أنتج 287 ألف و860 سيارة، فيما بلغ إنتاج مصنع الدار البيضاء 94 ألف و801 سيارة.
ولفت إلى أن مبيعات رونو المغرب تمثل 17 في المئة من إجمالي مبيعات الشركة الأم في سنة 2023، مشيرا إلى أن مصنعي طنجة والدار البيضاء ينتجان يوميا 1765 سيارة.
من جهة ثانية، تتصدر شركة “ستيلانيس”، الرائدة في القطاع عالميا، والتي نشأت باندماج عدة شركات أبرزها “PSA” الفرنسية، بالإضافة لمجموعات إيطالية وأمريكية، “قصة النجاح” المغربية في قطاع صناعة السيارات، إذ تشتهر بمحفظتها الوازنة من العلامات التجارية الشهيرة، بما في ذلك Abarth، وAlfa Romeo، وCitroën، وFIAT، وJeep، وMaserati، وPeugeot.
الشركة التي يقع مقرها الاجتماعي بهولندا، تنتج سنوياً 200 ألف سيارة على مستوى وحداتها الإنتاجية المغربية، وتشغل 5192 أجيرا من بينهم حوالي 4000 عامل بمصنعها في مدينة القنيطرة و922 مهندساً بمركزها التقني بالدار البيضاء (ATC) الذي يعد الأول من نوعه في إفريقيا، ويروم تطوير التكنولوجيات الرئيسية وحلول التنقل المستقبلية.
وتطمح “ستيلانتيس إلى رفع قدرتها الإنتاجية بمصنع القنيطرة إلى 400.000 سيارة في أفق سنة 2027”.
صناعة مغربية أم “مجرد أوفشورينغ” فرنسي؟
تتضح إذن أهمية الحضور الفرنسي، والدور الذي يلعبه في منجزات صناعة السيارات بالمغرب، ما يفتح النقاش حول ما إذا كانت هذه الصناعة مغربية بالفعل أم أجنبية مستقرة بالمغرب في إطار ما يعرف بظاهرة الـ”أوفشورينغ” (offshoring) أو “ترحيل الخدمات”؟.
يرى الخبير الاقتصادي، علي بوطيبة، أن منطق القطاع الصناعي بطبعه لا يعترف بالحدود الجغرافية للدول؛ مؤكدا أن “التساؤل حول (جِنسية) صناعة السيارات بالمغرب ليس في محله”.
وأضاف في تصريح لصحيفة “مدار 21” أن “الأصح هو الحديث بمنطق منظومة عالمية لصناعة السيارات، تساهم فيها بلدان عديدة، كل من موقعه وبمهَنه سواء تعلق الأمر بصناعة الإطارات أو الكراسي الداخلية أو المحركات…”.
وفي جوابه عن سؤال حول ما إمكانية اعتبار منظومة صناعة السيارات بالمغرب “مغربية”، فصّل أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالقول إنه ينبغي التمييز بين التكنولوجيا والصناعة؛ “تكنولوجيا صناعة السيارات في المغرب ليست مغربية، أما الصناعة فهي كذلك”.
وقال إن أهم مؤشر على “مغربية” هذه الصناعة هو كون القيمة المضافة الوطنية للقطاع تتجاوز 80 في المئة.
مكاسب جانبية
وفي نفس الصدد شدد بوطيبة على أن صناعة السيارات العالمية عبارة عن “ناد مغلق”، إذ يعد المصنعون على رؤوس الأصابع، “مجرد دخول المغرب إلى خريطة صناعة السيارات العالمية في حد ذاته حظوة كبيرة”.
وأردف أنه يمكن بناء تكنولوجيا مغربية لصناعة السيارات تدريجيا، بيد أن ذلك غير ممكن دون المرور بمرحلة استقطاب المصنعين العالميين أولا.
علاوة على ذلك؛ “كسب المغرب بانفتاحه على هذه الصناعة قطاعاً يعد من الأكثر تشغيلا في البلاد، كما ربح يدا عاملة مؤهلة”، مؤكدا أنه بفضل هذه المنظومة باتت “العمالة المغربية في المهجر مؤهلة، وقد انعكس هذا بدوره إيجابا على حجم تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، والتي بلغت مستويات قياسية”.
وأورد أن ذلك يندرج في نطاق ما يعرف في الأبجديات الاقتصادية بـ effet” d’entraînement”، أي التداعيات الجانبية للاستثمار، و”من ذلك أيضا ارتفاع رصيد المغرب من العملة الصعبة، فبفضل ما ذُكِر أصبح المغرب قادرا على استيراد ما يشاء من السلع دون مشاكل تذكر”.
وخلص إلى أن الرابح الأكبر هو الصناعة نفسها؛ ومعها المستهلكون، إذ أن إعادة توطين الخدمات يروم في الأساس الاستفادة من يد عاملة رخيصة وقوانين مساعدة على الاستثمار لخفض كلفة الإنتاج، ومن ثمة ثمن المنتج النهائي الذي يصبح بذلك في متناول المستهلك.