لشكر يدعو الحكومة لتدارك الزمن السياسي المهدور لتجنب الاحتقان الاجتماعي

قال إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن الحكومة في سنتها قبل الأخيرة من ولايتها، مطالبة بتحمل مسؤوليتها السياسية التاريخية بضرورة “التحرك العاجل والجدي والمسؤول من أجل تجنيب البلاد الارتدادات الخطيرة المحتملة للأوضاع الاجتماعية، وما قد ينجم عن ذلك من احتقان اجتماعي”.
واعتبر لشكر في “تقرير سياسي” قدمه في اجتماع للمكتب السياسي للحزب، أمس الأحد، أن الحكومة أيضا مطالبة بتدارك الزمن السياسي المهدور من خلال تملك الإرادة الحقيقية لمباشرة الإصلاحات الأساسية وتفعيل المشاريع والأوراش الكبرى المتعلقة بتفعيل النموذج التنموي، وإرساء المنظومة الوطنية المتكاملة للمخزون الاستراتيجي المائي والغذائي والدوائي والطاقي، والقيام بالإصلاح الضريبي الضروري، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية المتضخمة، ومراجعة حكامة المؤسسات المكلفة بمغاربة العالم، وغيرها.
وبمناسبة الدخول السياسي والتشريعي الجديد، شدد على ضرورة أن تكف عن نزوعها الهيمني وأن تتفاعل إيجابا مع المؤسسة البرلمانية ومع المعارضة تفعيلا للمقتضيات الدستورية التي تصون التوازن المؤسساتي والتعددية السياسية، ومن المهم للحياة السياسية أن تتخلى عن الهيمنة القائمة على المنطق العددي وتتبنى مقاربة تشاركية مع المعارضة والفاعلين الاجتماعيين، وهي بصدد إحالة مشروع قانون المالية برسم سنة 2025، الذي نأمل أن يشكل قطيعة مع قوانين المالية السابقة بالانتصار للتوازنات المالية بدل الرضوخ للموازنات المالية.
وأضاف: “لقد استطعنا خلال الثلاث سنوات من التدبير الحكومي أن نقدم للمغاربة بديلا واقعيا لكل لما تعرضه الأغلبية الحكومة في العديد من الملفات التي تعودت على جعل كل مناسبة مؤسساتية دستورية أو تقليد ديمقراطي فرصة للاستعراض السياسي. ولا يمكن لأي اتحادية أو اتحادي إلا أن يعتز باستمرار حزبنا محورا بارزا في الساحة السياسية والتنظيمية الوطنية، وفاعلا مؤثرا في الحوار السياسي في راهن أصبحت ميزاته الرئيسية هي الفتور أو الهروب من تحمل المسؤولية وتعطيل النقاش المنتج في الساحة العمومية وتفقير الفضاء المؤسساتي. وكل ما حققناه كان نتيجة للتعبئة الجماعية لمختلف مكونات الحزب وامتداداته المؤسساتية والقطاعية”.
وعلى الواجهة البرلمانية، ثمن الكاتب الأول أداء الفريقين الاشتراكيين بالبرلمان رغم التضييق على المساحات المتاحة دستوريا للمعارضة، مشيرا إلى أن المعارضة الاتحادية طيلة الثلاث سنوات من تقديم نموذج للمعارضة المسؤولة استطاعت مبادراتها أن تتصدر الأداء البرلماني سواء في مجال المقترحات والتعديلات التشريعية، أو في مجال مراقبة العمل الحكومي أو في ما يتعلق بتقييم السياسات العمومية وهو ما جعل المعارضة الاتحادية قوة اقتراحية تستند إلى المرجعية الاشتراكية والتصورات الحزبية، “رغم أن عملنا مع أطراف المعارضة لم يؤد مع كامل الأسف إلى تطوير أدائها للتناقضات الموجودة بها”.
وعلى الواجهة النقابية، لفت القيادي الحزبي إلى أن الفدرالية الديمقراطية للشغل استعادت عافيتها التنظيمية من خلال إطلاق دينامية تجديد الهياكل الوطنية للقطاعات والانفتاح على قيادات شابة ومؤهلة لتطوير القطاع النقابي، مضيفا: “وشهدنا خلال الفترة المنصرمة عقد مؤتمر قطاع الاتصالات ومؤتمر قطاع العدل، في انتظار المؤتمرات النقابية القطاعية المتبقية وخلق قطاعات نقابية جديدة، كما شهدنا التعبئة الجماعية لنقابة العدل لإنجاح إضرابها الذي خاضته لإسماع صوتها في ما يتعلق بالمطالبة بإخراج النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط. وقد ساهمت هذه الدينامية في تطوير ودعم آليات التنسيق بين النقابي والحزبي مما مكن من انخراط القطاع النقابي في إنجاح مختلف الاستحقاقات التنظيمية لحزبنا خاصة في المؤتمرات الإقليمية”.
أما على الواجهة القطاعية، فثمن إدريس لشكر في تقريره الدينامية التي عرفتها العديد من التنظيمات الموازية في قطاعات المحامين والمهندسين والتجار، وأيضا قطاع التعليم العالي الاتحادي الذي ينكب بشكل مسؤول على العمل مع المكونات اليسارية التقدمية من أجل الإعداد لعقد مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم العالي خلال هذا الشهر، مسجلا في نفس السياق الدينامية التي عرفتها تنظيماتنا النسائية والشبيبية.
وأبرز أن اجتماع المكتب السياسي ينعقد بعد افتتاح الملك للسنة التشريعية الجديدة، والذي توجه فيه إلى أعضاء البرلمان بخطاب قوي حول ملف الصحراء المغربية، والمكتسبات التي تحققت لفائدة حقوقنا التاريخية والمشروعة رغم صعوبة وتعقد السياق الدولي.
وتابع بأن الملك أكد أن اعتراف فرنسا بسيادة المملكة على كامل تراب الصحراء ودعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، يعد تطورا إيجابيا لكونه صدر عن دولة كبرى، عضو دائم بمجلس الأمن، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومواقف إسبانيا والدول العربية والإفريقية، وأن هذا الاعتراف يأتي لدعم الجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة، لإرساء أسس مسار سياسي للحل النهائي للقضية في إطار السيادة المغربية.
“هذه المكتسبات، بحسب الخطاب الملكي تجعل من الصحراء المغربية محورا للتواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وتضعها في صلب المبادرات القارية الاستراتيجية التي أطلقتها المملكة، مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، ومبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”، يضيف إدريس لشكر.
وقال إن الحزب يسجل بارتياح كبير إشارة الملك إلى الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في تحقيق هذه المكاسب، مؤكدا أن ذلك “سيحفزنا على تعزيز موقعنا كحزب في إطار الدبلوماسية الموازية مع أصدقائنا وشركائنا، ونؤكد على أهمية الدعوة الملكية لمجلسي البرلمان إلى المزيد من التنسيق ووضع هياكل داخلية ملائمة بموارد بشرية مؤهلة مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية أو في المحافل الجهوية والدولية”.
وثمن النجاحات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا لصالح تحصين وحدتنا الترابية بازدياد الدول المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي، وآخرها الجمهورية الفرنسية، لافتا إلى أن ذلك جعل الاتحاد الاشتراكي يتوجه إلى عموم اليسار الفرنسي، وضمنه الحزب الاشتراكي “لندعوهم إلى ضرورة تقدير الموقف الجديد والتفاعل الإيجابي مع مبادرة بلادهم، وبالتالي الاصطفاف إلى جانب اليسار الاشتراكي الإسباني الذي اتخذ القرار التاريخي في تجاوز مخلفات الاستعمار، والولوج إلى مرحلة جديدة يطبعها التعاون المشترك وترسيخ الاستقرار والأمن في المنطقة. كما لا يسعنا إلا أن نشيد بما يتحقق على أرض الواقع في مناطقنا الجنوبية على الصعيد التنموي، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة في بلادنا وتعزيز ريادتها الإقليمية”.
وعرج على الانتخابات الجزئية، التشريعية والجماعية، مشددا على أن الحزب حرص على خوض غمارها في مواجهة الأغلبية المتغولة التي أجمعت على مرشح وحيد لها في الاستحقاقات التشريعية “وعلى الرغم من أننا لم نظفر بأي مقعد في هذه الانتخابات الجزئية، فإننا كنا منافسا قويا لمرشح التغول الثلاثي، إذ حصلنا على ضعف الأصوات التي حصلنا عليها في استحقاقات 2021، وتصدرنا بفارق كبير النتائج التي حصلت عليها أحزاب المعارضة”.
ولفت إلى أن الحزب “سجلنا للأسف الشديد النسبة المتدنية للمشاركة في هذه العمليات الانتخابية، وهو يفرض علينا ضرورة مباشرة الإصلاح الانتخابي وإقامة صرح حقيقي لنظام اللامركزية من خلال الرجوع إلى الاقتراع الفردي في الانتخابات الجماعية لتقوية علاقة الناخب بالمنتخب والتنظيمات الحزبية، وتعزيز دور الأحزاب من أجل انخراط أكبر للمواطن في تدبير الشأن العام، وتدعيم الصلاحيات التنموية للجماعات وإعادة فتح ورش تعديل القوانين التنظيمية ذات الصلة. فهذه المقومات التي تم تقعيدها على أسس دستورية وسياسية، تمتح ضرورتها من الحاجة إلى تقوية الثقة في المؤسسات، وارتباط المواطن بالعملية الديموقراطية وتعزيز الأدوار الحزبية”.
واعتبر أن أهمية المطلب الإصلاحي يكمن أيضا في ضرورة تجاوز المشاكل التي عرفتها دورات المجالس الجماعية المنعقدة مؤخرا، والتي برهنت على وجود وضع مختل نتيجة تناقضات وصراعات بين مكونات التغول الثلاثي والذي أدى إلى عرقلة السير العادي في المؤسسات المنتخبة، والأداء العمومي للخدمات الجماعية، وتنفيذ المشاريع التنموية.
ويرى الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إلى أن “التناقضات المصلحية والأنانية تغذيها الصراعات بين مكونات الأغلبية المهيمنة التي عطلت مشروع التنمية محليا ووطنيا وأدت إلى اتساع حجم البطالة وتفاقم مظاهر الهشاشة والفقر”.
وأردف :”فبعد انصرام ثلاث سنوات من الولاية الحكومية الحالية يتبين فشل الحكومة في الوفاء بالتزامها الوارد في البرنامج الحكومي الذي على أساسها نالت ثقة البرلمان بعد التنصيب الملكي، أي لم تتمكن من الرفع من وتيرة النمو إلى نسبة 4%، ولم تتجاوز خلال الثلاث سنوات نسبة 2,5%”.
وأشار إلى أنه مقابل ضعف النمو الاقتصادي، سجلت الولاية الحكومية الحالية تفاقم حجم الدين العمومي خلال بفعل استمرار المنحى التصاعدي المسجل في تقديرات مداخيل الاقتراضات، حيث وصلت 129,04 مليار درهم برسم 2023، مبرزا أنه ونتيجة وضع الاقتصاد الوطني طيلة الثلاث سنوات الماضية، فشلت الحكومة في إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل الذي وعدت به، وهو ما سجلته معطيات المندوبية السامية للتخطيط التي تؤكد ارتفاع معدل البطالة إلى نسبة 13.7 %.
وأفاد أن الحكومة وعدت بإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، غير أن معطيات المندوبية تسجل نزول أزيد من 3 ملايين مغربي عن عتبة الفقر، وارتفاع معدل الفقر من 1,2 % سنة 2022 إلى 6,6 % سنة 2023.
وعلاقة بالسياق الوطني والإقليمي والدولي الذي يشهد أحداثا وتحولات مهمة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ظرفية عالمية تتسم باللايقين ويتزايد فيها حجم التحديات المطروحة على البشرية جمعاء. ومنذ آخر اجتماع للمكتب السياسي في 23 ماي الماضي، أشار إلى أن القيادة السياسية للحزب حرصت على متابعة هذه الأحداث بشكل دقيق، “وتفاعلت مع مختلف تداعياتها بكل مسؤولية ووعي وبالحس الوطني اللازم”.
وفي هذا الصدد، جدد المطالبة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وحماية الشعبين الفلسطيني واللبناني، معتبرا أن الحل للصراع القائم والضمانة الوحيدة للسلام الدائم بالمنطقة هو حل الدولتين، وموقفه الرافض والإدانة القوية لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
كما أدان انتهاك السيادة الترابية للبنان والعدوان على شعبه، وتعطيل دولته ومؤسساته، مؤكدا أنه لذلك “توجهنا إلى الصف الديموقراطي والتقدمي الوطني والعربي المؤمن بالسلام، وبحق الشعبين الفلسطيني واللبناني في السلام، لندعوه إلى تكثيف جهوده بجانب اليسار الاشتراكي والديموقراطي وكل القوى المحبة للسلام والعدالة الإنسانية من أجل الدفع نحو استئناف المسلسل السياسي بالمنطقة على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين”.